أردوغان… مطابق للمواصفات الروسية
| بيروت – رفعت البدوي
سواء كان انقلاباً مفبركاً ومدبراً من أردوغان نفسه أم من جهات خارجية وقفت خلف الانقلاب وكانت الداعمة له، فالذي بات مؤكداً أن تركيا وصورتها قد تغيرت، وهيبة الجيش التركي اهتزت وتشوهت، وحتى أسس النظام التركي أصابها زلزال قوي أضعف الدولة ومؤسساتها وباتت بحاجة للترميم وإعادة النظر في هيكلتها، إذ لم يعد بمقدور القيمين على السياسة التركية المضي بالتوجه نفسه الذي اعتمد منذ العام 2011 وحتى الأمس القريب.
تلكؤ أميركا بإعلان موقف رافض للانقلاب قابله سرعة تنديد روسية بالانقلاب تأييداً لأردوغان ثم الاتصال والاتفاق على لقاء قريب يجمع أردوغان وبوتين في موسكو، يعني أن أميركا تريد رئيساً تركياً ضعيفاً مقابل تركيا القوية أطلسياً، إلا أن الروس يريدون رئيساً تركياً قوياً مقابل تركيا أطلسية ضعيفة منصرفة لأمورها الداخلية ومفيدة للأسواق الروسية في السياحة والغاز والشركات التركية العاملة في روسيا، فضلاً عن إمكانية رفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين إلى أكثر من 120 مليار دولار بالمقارنة مع 20 مليار دولار حجم التبادل التجاري مع أميركا.
روسيا لم تكن لتقبل الاعتذار التركي فقط لأجل إسقاط الطائرة الروسية لولا حصول روسيا على ضمان تركي واضح وصريح بتغيير قواعد اللعبة في سورية لمصلحة الروسي والسوري تحديداً في معركة حلب، ما يعني أن الروس استطاعوا تحييد تركيا في معركة حلب تمهيداً لاستدارة تركية أكبر تفضي إلى تقليص الدعم التركي للتنظيمات الإرهابية في سورية والانكفاء إلى الداخل التركي الذي دخل غرفة العناية الفائقة.
اجتماع وزير الخارجية الأميركية جون كيري بنظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو لبحث الملف السوري أساساً حتى وإن أدخل بند بحث الأزمة الأوكرانية على ورقة البحث بين الطرفين كان أمراً بالغ الأهمية، وبحسب المعلومات وعلى الرغم من قلتها فإن البحث المستفيض تركز على طلب أميركي بعدم إحداث تغييرات عسكرية أساسية في سورية، وإطلاق محادثات جنيف من جديد مع ضمان أميركي بالموافقة على استمرار الحرب على داعش والنصرة، وعدم البحث في مستقبل الرئيس بشار الأسد، وترحيل هذا الملف للإدارة الأميركية المقبلة بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المزمع إجراؤها في الخريف المقبل.
الدبلوماسبة الروسية لم توافق على بعض البنود التي تمت مناقشتها لكنها وافقت على معظمها وخصوصاً البند الذي يتحدث عن ضرورة محاربة الإرهاب وبند إعادة الحياة لمباحثات جنيف، رافضة البحث في بند الرئيس الأسد ومؤكدة مرة أخرى دعمها للشرعية السورية في المطلق ومستندة في الوقت عينه إلى وعد من أردوغان في البدء باستدارة نحو روسيا وذلك إنقاذاً للوضع الاقتصادي التركي وانتقاماً من الأميركي الذي دعم الأكراد وخذل أردوغان.
الرئيس الأميركي باراك أوباما وفي حديث لمجلة أتلانتيك وصف الرئيس التركي أردوغان بأنه فاشل ومستبد.
أوروبا مستاءة من أردوغان لأن الأخير فتح أبواب جهنم بغزو اللاجئين نحوها.
بعض دول الخليج العربي ترى في أردوغان قائد جماعة الإخوان المسلمين والمنافس الرئيسي على دور الإسلام السياسي في مواجهة إيران في المنطقة.
أردوغان بدوره أطلق صرخة بوجه الأميركي قائلاً يا أميركا عليك الاختيار بين الصديق التركي وإقامة كيان كردي على الحدود التركية، وتساءل هل أميركا معنا أم مع الأكراد؟
لعل الملف الكردي الشائك جمع بين أهداف سورية وتركيا، فمن جهة سورية تتمسك بوحدة الأراضي السورية رافضة أي شكل من أشكال الفيدرالية وتركيا تعتبر قيام كيان كردي على الحدود يعتبر بمنزلة الكابوس المزلزل.
إذاً، أردوغان لم يعد مرغوباً به بل إنه بات يشكل عقبة رئيسية في تنفيذ مخطط أميركا وأوروبا وإسرائيل بالتلاقي مع بعض دول الخليج العربي والهادف إلى تقسيم وتفتيت سورية.
أردوغان خسر مجمل أوراقه في سورية، فالمنطقة العازلة صارت من الماضي وإسقاط الرئيس الأسد لن يتحقق والاستيلاء على حلب بات الحلم الذي سيبقى حلماً.
من المؤكد أن تركيا أصيبت بتصدع في أساساتها، لكن أردوغان بدا حتى الآن قوياً والمحصلة هي أن أردوغان أصبح مطابقاً للمواصفات الروسية.