ثقافة وفن

صدق أو لا تصدق..

د. اسكندر لوقا:

 

يصعب على المرء ألا يقرأ النبأ التالي، بل أن يمعن التفكير لا النظر فيه فقط. يقول النبأ بالحرف: جامعة هارفرد تتلقى تبرّعا بقيمة 400 مليون دولار من أحد خريجيها الأثرياء.
في السياق المتصل، لا بد أن يثير نبأ كهذا أكثر من فكرة في ذهن القارئ، ليس من قبيل السؤال عن أحد من أثرياء الوطن الذين تخرجوا في هذه الجامعة أم تلك وماذا عن طبيعة علاقته بها بعد بضع سنوات؟ السؤال الذي يرد إلى الذهن ترى ماذا عن شعوره تجاه جامعته التي تخرج فيها ولو بعد سنوات طويلة؟ وماذا عن اعترافه بفضل جامعته عليه التي أمدته بالمعارف والخبرات حتى حقق نجاحا في حياته وأصبح، مع مرور الزمن، واحدا من أثرياء وطنه.
الجدير بالذكر هنا أن النبأ لم يأت على ذكر اسم المتبرع، وذلك حرصا على قيمة الموقف وإبقائه في حدود الفعل المثالي من حيث صلته بفعل التبرع على نحو الوصية الرائعة التي تقول ما معناه إذا أحسنتَ بيدك اليمنى فلا تدع يدك اليسرى تعلم بما فعلت أختها. ثم إن عطاء ما، مهما كان مقداره، سواء كان دولاراً أو 400 دولار فإن صاحبه يستحق التقدير والاحترام، لأن الموقف بحدّ ذاته يدل على مصداقية الوفاء لمن كان له دور في حياته، وخصوصاً من حيث تكوين نظرته إلى من سبق أن أعانه كي ينهض على قدميه والوصول إلى ما وصل إليه. وهذا ما يستمد من معنى تصرف الثري الذي تبرع بالمبلغ المذكور إلى جامعته وأبقى اسمه مجهولا.
إن المسألة هنا ليست مجرد مسألة نبأ، بل هي مسألة اعتراف المتبرع بمساعدة سبق أن ساهمت في إغناء معارفه التي ساعدت، بدورها، في تحقيق ما سعى إليه إلى أن تمكن من تسدّيد الدين الذي في عنقه – إن صحّ التشبيه – بمجرد أن سنحت له الفرصة المواتية.
في بلدنا، من الطبيعي أن يستغرب أحدنا لا عدم التبرع فقط بل حتى تخطي المديح المتواضع الذي تستحقه جامعته التي تخرج فيها وتخرجت قبله أو بعده شرائح من أبناء الوطن صار للبعض منها وزنها العلمي والأكاديمي أحياناً، وأكثر من ذلك القيام بعملية مقارنة جامعته بجامعات أخرى في بلدان الغرب تحديدا استنادا إلى القناعة الرائجة التي يجري التعامل على أساسها في تقييم خريج في جامعات الوطن وخريج آخر في جامعات أجنبية ودائما على قاعدة: كل شي فرنجي برينجي!
مهما يكن من أمر، بعودتنا إلى المتبرع بالـ400 مليون دولار إلى جامعة هارفرد، فإننا نبقى نتساءل لماذا لا يتبرع أحد من خريجي جامعاتنا بتوجيه رسالة وبرقية إلى جامعته التي تخرج فيها منتهزا مناسبة التأسيس أو افتتاح كلية أو قسم، على الأقل من باب الوفاء لذكرى مؤسسيها ولإدارتها ومدرسيها الحاليين وسوى ذلك؟ ولن ندعو إلى التبرع بالمال بل إلى ما يتعدى ذلك، إلى الاعتراف بالفضل.
يقول الروائي والكاتب الفرنسي فرانسوا مورياك (1885 – 1970): إن يكترث المرء بما يخصه فقط يتنافى مع دوره في الاعتراف بما يخص آخرين كانوا له عونا في وقت ما.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن