سرقتني الكتابة من الرسم والألوان على مدى ثلاثين عاماً … أديب مخزوم لـ «الوطن»: روح واحدة ربطت أعمالي بين التجريدية والواقعية والتعبيرية
| سوسن صيداوي
بعد انقطاع، ليس بكلي، عاد أديب مخزوم إلى ساحة الفن التشكيلي مقدما نتاجا متنوعا بالمواضيع والأسلوب، في معرض فردي حمل عنوان «تأويلات ذاتية لقواربي الورقية ولياسمين دمشق… الفن يتعزز دوره في الأزمنة الصعبة» احتضنته دار الأسد للثقافة والفنون بقاعة المعارض في دمشق، ضم المعرض عدداً من اللوحات وصلت إلى الخمسين، ومن يعرف أديب مخزوم ويتابع مسيرته يجده دائماً بين أركان التأريخ الموسيقي والشعر والصحافة والرسم مع النقد التشكيلي متميزا ببصمة راسخة وواضحة عما يستهويه من فكر وما يتملكه من مشاعر.
«الوطـن» كانت حاضرة في افتتاح المعرض وكان لها هذا الحوار مع الفنان أديب مخزوم….
المعرض متميز بزخم الإنتاج؟
نعم… سرقتني الكتابة من الرسم والألوان على مدى ثلاثين عاماً واليوم عدت إلى الرسم الذي هو جزء من حياتي، ومهما كانت الظروف فإنني لن أمتنع عنه، وحتى في السنوات التي انقطعت فيها عن الرسم، لم أبتعد بشكل كلي، بل كنت أعود بين الحين والآخر وأشارك في معرض الخريف وحتى لوحاتي مقتناة في وزارة الثقافة، إذا فالانقطاع لم يكن بشكل كلي، ولكن العودة بهذا الزخم الكبير هي لأول مرة فلوحات المعرض عبارة عن خمسين لوحة اخترتها من مئة لوحة كنت رسمتها خلال سنتين.
المعرض يحمل عنوان «تأويلات ذاتية لقواربي الورقية ولياسمين دمشق…» ويبدو هذا واضحاً في مواضيع بعض اللوحات؟
هذا صحيح… لقد قسمت لوحات المعرض إلى أربع مجموعات، وبالفعل أنا ركزت في المجموعة الأولى على القوارب باعتباري من مدينة طرطوس ذات البيئة البحرية وفيها أمضيت طفولتي. القوارب الورقية تعيدني إلى ذكريات الطفولة الجميلة، أما المجموعة الثانية فهي مجموعة الياسمين الدمشقي وأنا أحتفل به في هذه المرحلة المؤلمة وأعطيته فسحة من الأمل كي لا يموت بالحرائق الراهنة الناتجة عن وجع الحروب، وخصوصاً أن الياسمين هو رمز لمدينة دمشق وبالنسبة لي هو رمز السلام.
المرأة حاضرة في كل المجموعات؟
صحيح… فالمرأة هي من الوجود وأنا أستطيع من خلال المرأة أن أعبّر عن كل شيء، وفي لوحاتي عبرت عن دمشق بالمرأة وهي تحمل غصناً من الياسمين، وكذلك في المجموعة الثالثة وهي مجموعة الموسيقا، المرأة حاضرة مع الآلات الموسيقية، وفي هذه المجموعة أنا أعبر عن اهتمامي بالموسيقا، فأنا مؤرخ موسيقي ولدي أرشيف ضخم من الأسطوانات الموسيقية القديمة، يزيد عن ألف أسطوانة لأهم أسطوانات موسيقا الشعوب، كما أنني التقيت كبار الموسيقيين العرب، وحاورت منهم وديع الصافي وصباح فخري والشحرورة صباح، وهذا بطبيعة الحال عكس على اختياراتي في الرسم من خلال تجسيدي للعازفات أولا، وعلى علاقتي المزمنة بالموسيقا الراقية ثانيا.
ماذا عن المجموعة الرابعة؟
رسخت في المجموعة الرابعة المرأة القديمة والحديثة، فالمرأة من الأساس مهمة في حياتها ولكنني جسدتها بطريقة عصرية حديثة، لأنها تمثلني، بأفكاري ومشاعري، ومعرضي متميز بالجرأة وهكذا أنا، وأنا أحب الفن الحديث ومطلع جداً على كل جديد فيه للفنانين، وهذا أمر يمكن ملاحظته لمن يتابعني عبر صفحتي الفيسبوكية، وطبعا كل ما أقوم بمتابعته أصبح مخزونا في فكري ومشاعري، وانعكس بشكل طبيعي على لوحاتي في معرضي هذا، وحتى على كتاباتي فأنا ناقد تشكيلي ولدي العديد من المؤلفات.
لاحظت أن المرأة في موضوع اللوحات منتظرة؟
نعم.. لقد جسدتها بالفرح والحزن، وهي منتظرة لأنها ترقب الأمل، لأنه رغم الانتظار ورغم الخيبة والانكسار، يبقى عندنا فسحة أمل سواء أكان من خلال الياسمين أو القوارب، لأنني أريد أن أؤكد ضرورة الأمل في الحياة.
هناك جزء في عنوان المعرض… الفن يتعزز دوره في الأزمنة الصعبة… إذا المعرض ليس بعيداً عن الواقع؟
وهو أيضاً ليس ببعيد عن الأزمة الحالية، فكل من يرى اللوحات يجد فيها قصة تعكس رؤيته للحياة والواقع الذي نعيشه، إذا كل لوحة لها حكاية وهناك من قال إنه رأى بالقوارب أنها تعبر عن الهجرة، ومنهم من وصل إليه شعوري الطفولي وذكرياتي، ولكنني أقول بالمجمل لوحاتي تعبر عن الواقع وليست غريبة عما نعيشه في الوقت الحالي أو ما نشعر به، حتى إنني في بعض اللوحات كنت أغير ملامح الوجه للمرأة، وكنت أنقله من الخاص إلى العام، وبدلا من أن تكون فتاة خاصة تصبح فتاة تعبر عن مشكلة عامة.
على الرغم من تنوع المواضيع هناك وحدة في الأسلوب؟
هناك روح واحدة تربط جميع اللوحات بعضها ببعض، ووحدة الأسلوب التي تربط كل المجموعات مع بعضها ببعض فهي تمثل هويتي وخصوصيتي، فأعمالي كلها متفاوتة بين التجريدية والواقعية والتعبيرية، وفي كل اللوحات أشكال واقعية سواء المرأة أم القوارب أم الياسمين، وما أريد الإشارة إليه أن الياسمين مثلاً هو واقعي بحت ولكن هناك الخلفية التجريدية في اللوحة، وهي واضحة حتى في معظم لوحات مجموعة الياسمين المتداخلة مع الأشكال الواقعية وهذا ما يعطيني الخصوصية.
استخدمت السكين والريشة في رسم اللوحات؟
نعم استخدمت الاثنين معا، وتقنية استخدام السكين واضحة في كل اللوحات، وحتى إنني اعتمدت تقنية «الرسم بالعصارة» ومن بعدها أمسد اللون بالريشة، وهذا الأسلوب اتبعه الرسام «فان غوخ» الذي يعبّر من خلاله عن فيض أفكاره ومشاعره من خلال فيض اللون الخارج من العصارة، حتى إنه كان يتركه كله ولا يمسده بالريشة أو السكين.
هناك غنى بالألوان الزاهية في اللوحات؟
المعرض في حد ذاته دليل ضرورة استمرار الحياة وتأكيد أن الحياة ستستمر ومستمرة، ونحن بجمال الفن نواجه الحرب والقتل ونواجه أوجاع الأزمة الحالية، وأنا من خلاله ألتقي مع المدرسة الوحشية من ناحية الألوان الزاهية والاحتفاء فيها وهذا ما يعطي أملاً للوحة ويؤكد أن الأمل باق رغم كل معاناة.