رياضة

جواز سفر عالمي

| مالك حمود 

السؤال الأكثر حرجاً وأهمية بذات الوقت الذي وجه لي ذات يوم مفاده بأنني وبعد النجاحات التي حققتها إعلامياً (بفضل اللـه ثم الوالدين) ما سلبيتي؟ فأجبت ومن دون تردد بأنني رغم تعبي على نفسي إلا أنني قصرت بإتقان اللغة الإنكليزية، فلو امتلكتها لتمكنت من بلوغ أشياء إضافية كنت أصبو إليها، لكنها الحياة وضغوطها التي حالت من دون استمراري في ذلك المسار، لتبقى اللغة الإنكليزية غصة في صدري لكونها من أهم عوامل تكامل النجاح لأي إعلامي وأي إنسان جاد يريد النجاح، وسررت كثيراً بإعلان القيادة الرياضية إطلاق دورات لتعليم اللغة الإنكليزية لكوادر الرياضة، بمبالغ رمزية، حتى لو لم أكن من المستفيدين منها.
هذه الخطوة تأتي في فترة نحن أحوج ما نكون فيها إلى مسألة اللغة التي تبدو من أهم أسلحة الإنسان وسبله في طريق التحصيل المعرفي وبلوغ المعلومة من مصادرها من دون عناء وبشكل مباشر ودقيق، إضافة لما تحققه من وسيلة تواصل مع الشعوب والتعرف على ثقافات مهمة وعلوم تخصصية. وبالطبع فافتقاد الرياضي الطامح للغة الثانية كثيراً ما يفوت عليه فرصاً للإقلاع وبلوغ مراتب متقدمة، وبذات الوقت هي البوابة التي تدخله عالماً آخر من الاطلاع والمعرفة والتواصل وتولي المهام في مجالات العمل الخارجي.
أقول هذا ويترسخ في ذهني العديد من الصور الإيجابي للعديد من أهل الرياضة السورية ممن كانت اللغة سبيلهم إلى النجاحات الدولية وأبرز مثال العميد فاروق بوظو المعروف بعصاميته وجديته ودأبه وإصراره، فالعميد لم يكن مجرد حكم دولي ناجح وأول حكم سوري مونديالي، فالطموح ولد معه منذ بداية عمره حينما كان ضابطاً ورغم صعوبة ظروفه حينها إلا أنه كان حريصاً على مواصلة تحصيله الجامعي، وتخصصه باللغة الإنكليزية كان مفتاح النجاح الإستراتيجي له، فهو الذي مكنه أكثر في المونديال ودعم موهبته التحكيمية وفلسفته، وامتلاكه عامل التواصل مع الآخرين مكنه من الوصول إلى شخصيات مهمة في الفيفا، ليغدو واحداً من مفكري الكرة العالميين لإيمانهم بقدراته وفكره وقناعتهم بما يمكن أن يقدمه من أفكار تطويرية، بل إن بعض أفكاره أخذت طريقها إلى التنفيذ في تعديل قانون كرة القدم عالمياً بعدما أخذ مكانه في أهم لجان الفيفا ويصبح محاضراً معتمداً يجوب العالم للإفادة من موهبته وعلمه وفكره.
نجاحات بوظو كانت وستبقى فخراً لسورية، ولشخصه ما دام جد واجتهد، وأصبح مثالاً يحتذي به كل إنسان طامح سواء كان حكماً أم مدرباً أم إدارياً أم حتى لاعباً، فالعلم بحر لا ضفاف له، وللموهبة مكانتها ولكن اللغة أساسها الذي تبنى عليه الطموحات والأحلام، فالانطلاقة خارج الحدود لن تتحقق بمجرد الحصول على جواز السفر، فثمة وسيلة أخرى أهم واللغة الأجنبية جواز سفر ثان بل أساسي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن