ثقافة وفن

أبو فراس الحمداني سيرةٌ تعود من جديد فهل حقق الكتاب الغاية؟

عامر فؤاد عامر: 

كانت الشخصية الأولى التي قدّمتها (عظماؤنا) لليافع السوري، وهي سلسلة دوريّة قررت وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب اعتمادها، في خطوة إيجابيّة لدعم التربيّة الفكريّة، والتعليميّة لأولادنا، الذين لا بدّ أنّهم أصبحوا بأمس الحاجة للرعاية، والاهتمام، ولاسيّما أنّنا نمر بظروف حرجة؛ استمرت لتكرّس حالة غير صحيّة لدى أبنائنا في الأسرة السوريّة عموماً.

الإعداد والتقديم جاء لـ(أحمد عكيدي)، مدير إحياء ونشر التراث العربي، وقد نظّم العدد الأول من سلسلة (عظماؤنا) بالبساطة التي تراعي مستوى الوعي لدى الأبناء على تدرجات أعمارهم، لكنّها تجمع وتزيد في المحصلة من كميّة المفردات الجديدة، ومن تصحيح الكثير من العبارات المغلوطة، والدارجة في الاستخدام اليومي، وهذا ما يرتب على الهيئة العامة للكتاب مسؤوليّة جديدة في نشر مثل هذه الكتب بين أيدي أبنائنا، وما يرتب عليها مسؤوليّة في جذبهم لرغبة القراءة أيضاً، والتعلق في المعلومة المفيدة، ويبدو أن اختيار شخصيّة أبو فراس الحمداني؛ كانت خياراً موفقاً كبداية، وغنيّاً في الموضوع، فهي شخصيّة تاريخيّة حملت رمز البطل، والقائد الشجاع، والفنان الشاعر، وكثيراً من الصفات التي يمكن أن تكون مضرب مثلٍ للجميع، وللأجيال القادمة، ومن ناحية أخرى يبدو أن العناية بالغلاف كان مصيباً لدرجة جيدة، فهو يجمع بين اللون المريح للعين، والجاذب لها، وبين الرسم القريب من الشخصيّات الكرتونيّة المؤثرة في لغة الطفولة.
ما يعيب الإصدار الأول في هذه التجربة، والتي منذ البداية نسلط الضوء على كل الجوانب من إيجابيّة وسلبية، رغبة منّا في دفع هذه التجربة نحو الأمام، وخاصّة أنّها تمسّ الأجيال الصاعدة، التي تمثل عماداً للوطن، وجسوراً للمستقبل، فما يعيب الإصدار الأول منذ بدايته هو الإطالة في البداية لوصف الجوّ السياسي، والتاريخ السياسي للمنطقة، وما أصابها من ظروف مواتية أهلت للحمدانيين بأن يكونوا في مقدّمة تلك المرحلة، فهذه الإطالة في الوصف تسبب مللاً، ولا تكون جاذباً لمن يقرأ، كما أن ورود الكثير من الأسماء التاريخية التي كانت فاعلة في تلك الحقبة الزمنيّة؛ هو بحاجة لتوضيح وتعريف، فأعتقد أنه من النادر أن يَعلَم أطفالنا من هم «حمدان بن حمدون»، أو «مالك بن طوق العتابي»، أو «مؤنس المظفر»، أو «الهدبانية»… وإلى آخره من الأسماء الكثيرة التي تحتاج إلى محرك بحث جديد، وربما دفع القارئ للذهاب بعيداً عن إتمام القراءة، إذ تكاد لا تخلو صفحة من اسم جديد وغير مشهور! وهذه الفكرة لا بدّ من تلافيها في الأعداد القادمة، فالمسألة ليست إتمام عمل وظيفي روتيني، بل متعلّقة بالكلمة الموثّقة التي يجب أن تخدم لعشرات السنين (على الأقل)!
هناك فكرة يجب على السلسلة الإحاطة بها في المرّات القادمة، وهي أنه لم تحدد المرحلة العمريّة التي يمكن أن تكون موجّهة إليها، فهي تعطي طابعاً أوليّاً ومبدئياً بأنها موجّهة للأطفال، إن كانت للأطفال فليس كلّهم في نفس المستوى لتلقي المعلومة!، وإن كانت لليافعين فلم تذكر السلسلة في عددها هذا أيّة معلومة حول ذلك! وإن كانت للشباب فأعتقد أن الموضوع خرج عن نطاق التوجيه التربوي المراد من السلسلة، إضافة إلى أن الأبيات الشعرية المنتقاة للشاعر أبو فراس الحمداني جاءت من النوع الصعب وليس من اليسر فهمها بسهولة، وبالتالي نسأل أنفسنا بعد تجريد الكتاب وتقليب صفحاته، ما الهدف من السلسلة إذا لم تراع الشروط الأولية التي بنيت لأجلها!؟ وسنكتفي بهذا القدر من الإضاءة، فهناك المزيد من الملاحظات، والتي يمكن تلافيها من خلال دراسة الخطوة قبل العمل على ولادتها جيداً، وإلا ستجعلنا أكثر اعترافاً بأنها مخلوق مشوّه، وهذا ما لا يجب أن يصدر عن الهيئة العامة للكتاب التي تثرينا بالكثير من المؤلفات التي نفتخر بامتلاكها ووجودها بين أيدينا، وإذا ما قارناها على مستوى الوطن العربي سنجدها في المقدمة دائماً.
من قصيدة أراك عصيّ الدمع للشاعر (أبو فراس الحمداني)
أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ،
أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ؟
بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعة ،
ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ!
إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى
وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ
تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي
إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة والفِكْرُ
معللتي بالوصلِ، والموتُ دونهُ،
إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ!
حفظتُ وضيعتِ المودة بيننا
وأحسن، منْ بعضِ الوفاءِ لكِ، العذرُ
وما هذهِ الأيام إلا صحائفٌ
لأحرفها، من كفِّ كاتبها بشرُ

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن