قمة تدين نفسها!
| زهير ماجد
لا فرق أن تكون القمة العربية ساعة أو يوماً أو حتى عشرة أيام، أو أنها جرت على التلفونات، فوسائل الاتصالات الحديثة تسمح بإجرائها بطرق مختلفة.. كل ما فعله المؤتمرون هو الصورة الجامعة التي لا جامع بين أفرادها.. ففي تلك الخيمة التي تحمل وقار البلد الذي استضافها، وهو أصلاً بلد المليون شاعر، وآلاف المخطوطات النادرة النفيسة، والمكتبات التي يتباهى بها كل بيت موريتاني، حتى يمكن القول إن موريتانيا تعوم على ثقافة ليست موجودة في أي بلد عربي، تحت سقف الخيمة المنصوبة فوق الرمال، جاء كل على مضض، حاملاً إرثه الشخصي أو من يمثل..
الأمين العالم للجامعة أحمد أبو الغيط ابسط تعريف لحال الجامعة والواقع العربي، فهو من فلول نظام حسني مبارك، ومعروف بتاريخه ضد القضية الفلسطينية، وما زالت صورته وهو ينحني أمام تسيبي ليفني في صدارة الذكريات عنه.. وهو خير خلف لسلف شبيه به هو نبيل العربي الذي لم يكن له مثيل في الحماس للانقسام العربي، والاستجابة الفورية الممنهجة لتعليق عضوية سورية، كأنما الجامعة ملك شخصي له، يديرها حسب المال المدفوع.
حسنا فعلت القمة بأنها لم تقترب من الملفات الخطرة التي كان يعتقد أنها ستقترب منها، ولا ندري ما الذي حدا بعوامل الصمت أن تسكت عنها.. فلقد سبق أن قال رئيس وزراء لبنان سلفاً أن حزب اللـه مكون لبناني وله وزراؤه في الحكومة، يعني أنه استبق إمكانية ما تبناه الخليجيون من أن حزب اللـه إرهابي.. وكان مرشحا أن يتكرر الاتهام مجددا، فالمعركة ضد الحزب قائمة، وهي أصلاً تتطور باتجاهات الاقتراب من إسرائيل لهذه الغايات. أما النقطة الأهم التي قيلت حول التمسك بوحدة سورية، فلعلها من لدن بلد رئيس المؤتمر وإصراره عليها.. فالموريتانيون العروبيون، لا يمكنهم سماع أية جملة مخالفة لهذا النص وهذا الموقف، وأي استفتاء في موريتانيا حول سورية سنجد الشعب الموريتاني بأكمله إلى جانب وحدتها ودولتها ورئيسها، فنحن لا ننسى مثلاً المظاهرات الكبيرة التي لم تتوقف خلال عدوان تموز 2006 على لبنان، ولعلها كانت الأبرز في كل التحركات الشعبية العربية آنذاك.
أما اليمن فلم يكن تمثيلها صحيحاً وسليماً، كان مغامرة مفروضة ويعرف أمير الكويت الذي تستضيف دولته الحوار اليمني من الجهات التي تتحاور لتأسيس واقع يمني جديد لا يبدو أنه قابل للتكريس في ظل المواقف المختلفة.. وأما اللافت فكان غياب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي نراه في كل المؤتمرات إلا ذاك الذي تحتل فيه القضية الفلسطينية الصدارة.
كلام كثير يمكن أن يقال في هذا الجمع الذي مهما تحدث فهو صامت إزاء بند جوهري، وهو الوجود السوري في المؤتمر، إذ كيف يظل مقعد سورية فارغاً رغم أنه وضع العلم الوطني بدل ذاك الانتدابي، وسورية من مؤسسي الجامعة، بل هي القطر العربي الفاعل في مسيرة الأمة.
انفض المؤتمر على حقيقة الواقع العربي المشرذم، لكن تبنيه محاربة الإرهاب كأنما أدان نفسه، ما دام بعضه من يتبنى هذا الإرهاب ويموله ويقدم له ما يحتاجه وهو موجود بين الحاضرين.
أجمل ما في القمة كانت موريتانيا التي تعرف العرب عليها حديثا منذ العام 1960 مثل أي اكتشاف جديد مبهر، ولعله الحدث الأسعد في حياة الموريتانيين العروبيين.