حوار (الأصدقاء الأعداء)
| د. قحطان السيوفي
اعتبرت إدارة الرئيس الأميركي أوباما منطقة شرق آسيا أولوية في سياستها الخارجية انطلاقا من رؤية تقوم على توجيه واشنطن اهتمامها إلى هذه المنطقة التي يتعاظم فيها نفوذ الصين وكانت الصين والولايات المتحدة قد أنجزتا، منذ أسابيع، حواراً إستراتيجياً هو الثامن من نوعه، في بكين بإشراف الرئيس الصيني شي جين بينج وسط توتر شديد بسبب الخلافات حول جزر بحر الصين. وقال الرئيس الصيني في كلمة افتتاحية على الولايات المتحدة والصين أن تعززا الثقة بينهما).
كما قال: (إن الاختلافات بين الصين والولايات المتحدة طبيعية للغاية).
وقال إن (منطقة المحيط الهادئ الواسعة يجب أن تكون مسرح تعاون وليس منطقة تنافس).
وتضم لائحة الحوار بخصوص الوضع في بحر الصين الجنوبي، والتغير المناخي والأمن الإلكتروني والإرهاب وقيمة اليوان والمبادلات التجارية والتعاون الاقتصادي…. وقد هيمن على الحوار هذا العام التوترات في بحر الصين الجنوبي بين الصين وجيرانها في جنوب شرق آسيا..
الواقع أن أكبر قوتين في العالم اجتمعتا في العاصمة الصينية في إطار الحوار الإستراتيجي والاقتصادي في أوج التغيرات التي تشهدها من آسيا-المحيط الهادئ..
ويفسر تصعيد التوتر حول هذا الموضوع بالقرار القضائي (لمحكمة التحكيم الدائمة في لاهاي) التي لجأت إليها الفلبين للاحتجاج على الصين..
على الرغم من أن الولايات المتحدة تعلن أنها محايدة في قضية هذه الخلافات لكنها في الواقع غير ذلك… وتحاول عبثاً فرض هيمنتها على تلك المنطقة..
الواقع أن جمهورية الصين الشعبية تواجه تحديات كبيرة للحد من صعودها بوصفها قوة عالمية، أحد هذه التحديات هو مسألة النزاع حول بحر الصين الجنوبي، وخاصة مع إصدار قرار لجنة تحكيم في لاهاي… ولم تعترف بها الصين ولم تترافع فيها، وبالتالي أصبحت محكمة من جانب واحد وترافع طرف واحد…
يعتبر بحر الصين الجنوبي أكبر البحار في المحيط الهادي بمساحة تقدر بـ3.5 ملايين كلم مربع، تطل على سواحله نحو 10 دول، ومنه تمر ٥٠ بالمئة من شحنات التجارة العالمية، و٤٠ بالمئة من تجارة النفط والغاز، إضافة لاحتوائه على كميات هائلة من الثروات (سبعة بلايين برميل نفط، و900 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي)، ما يجعلها من أغنى المناطق عالمياً… وتمر من بحر الصين الجنوبي شحنات نفطية تساوي ثلاثة أضعاف ما يمر من قناة السويس، و15 ضعف ما يمر من قناة بنما باتجاه دول محورية في المنطقة، مثل كوريا واليابان وتايوان.
إلا أن أهميته بالنسبة للصين تتعدى ذلك إلى درجة تتعلق بالأمن القومي، للبلد الذي يجد نفسه منهمكاً في توترات يرى أنها من صنيعة الولايات المتحدة وحلفائها.. إن حقوق الصين في سيطرتها التاريخية على منطقة بحر الصين الجنوبي هي واقع مثبت في الكتب والمراجع التاريخية، بالمقابل كيف لقرار محكمة تدعي أنها دولية أن تبت في المحاكمة من دون حضور الطرف الآخر، وبالتالي صدور حكم غيابي…
الصين تتخذ من سياسة ضبط النفس والتفاوض الثنائي وحل الإشكالات بالطرق السلمية مبادئ أساسية في سياساتها الخارجية، وكدولة عظمى يتركز اهتمامها بالتطوير الاقتصادي والتنمية الشاملة، وبالتالي عدم الرغبة في أي مواجهات عسكرية على رغم القوة العسكرية الكبيرة التي تملكها. كما تنادي الصين وباستمرار للعمل على حل الإشكالات بينها وجيرانها عن طريق مبدأ الحوار الثنائي، وأصدرت بهذا الشأن بياناً سمته «الكتاب الأبيض».
ونرى مع المراقبين والمحللين أن الأجواء الإيجابية الشكلية التي سادت «الحوار الإستراتيجي والاقتصادي» الثامن بين الصين والولايات المتحدة، تأثرت سلباً بالخلافات العديدة بين البلدين… إضافة إلى المعزوفة الأميركية التقليدية حول ما يسمى «حقوق الإنسان» في الصين…
أخيراً، إن منطقة بحر الصين الجنوبي والتوتر الحاصل فيها ليس إلا ساحة للصراع بين الصين وقوى إقليمية وعالمية معروفة، ومن حق جمهورية الصين الشعبية أن تعبر عن قلقها من هذا التوتر الذي تراه في عقر دارها، لأن أي هيمنة أو سيطرة لمضيق «نانشا» أو «سبراتلي» كما يدعونه في وسائل الإعلام الغربية تعتبر بمنزلة خنق لـ«بليون ونصف البليون» نسمة في الصين، وبالتالي خنق مسيرة النهضة والتنمية… وكذلك الإضرار أو الضغط على السيادة والاستقلالية للقوة العالمية للصين الصاعدة… وعلى المجتمع الدولي والإقليمي أن يتفهم ذلك. وبالتالي فإن الصين متمسكة بحقوقها، وترفض بحزم الهيمنة الأميركية والضغوط التي تمارس عن طريق حلفاء واشنطن في شرق وجنوب آسيا. ولم تكن نتائج الحوار الإستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة (الأصدقاء – الأعداء) سوى نوع من اتفاق على الاختلاف.