ثقافة وفن

74 عاماً من «الرأس» إلى الوفاة حكاية ألم … وديع اسمندر: لا مصلحة لي معكم سوى الحب وأنتم جديرون بذلك

| سوسن صيداوي

في العادة وبحكم عملي سواء في إعداد البرامج الإذاعية والتلفزيونية أو الإعلام وأخيراً على التحديد في الصحافة، أجد متعة في البحث عن المعلومات، وما أصبح شيئاً عاديا، ألا أجد عما أبحث عنه بسهولة حول بعض الأشخاص، ولكن الذي كان غريبا ومزعجا في الوقت نفسه بالنسبة لي، هو أنني عندما أردت البحث عن معلومات توثيقية في محرك البحث غوغل عن الأديب الراحل وديع اسمندر، للأسف الشديد لم أجد، موقعا أو صفحة كالتي نجدها محترمة وذات مرجعية موثوقة مثل «اكتشف سورية» أو «دليل الفنانين» والتي بطبيعتها توثّق كل ما هو سوري عريق وجميل، أو كل ما هو متعلق بالفنانين، والفن بالعموم من سيرة ذاتية وحتى أعمال، وحتى لا أظلم «دليل الفنانين» كان هناك قائمة لكُتّاب السيناريو لكنها لم تشمل رغم أن القائمة مؤلفة من صفحتين، إلا على عدد من الأسماء التي كلّنا بالطبع نحبها ونتابع أعمالها، وأعود إلى الأمر المزعج والمؤسف. الكل يوم وفاة وديع اسمندر أبدى حزنه وأساه على خيانة القدر، وكيف يسرق منا أشخاصاً لطالما أحببناهم ونحن نقدّر أعمالهم، محرك البحث غوغل قدم لي عدداً قليلاً من الخيارات التي للأسف كان أغلبها يعود إلى يوم وفاة وديع اسمندر صاحب الملامح العاشقة للضحك والفرح، والتي لم تمح أبدا ما عناه القلب من زعل أو حزن، حمل الهموم العربية كلّها في قلبه وعندما يسأله أحد أصدقائه هل أنت «مبسوط»؟ يجيب «انظر إلى ما يجري في المنطقة بشكل عام من فلسطين إلى سورية ولبنان والعراق والبحرين واليمن وصولا إلى مصر وتونس وليبيا، برأيك قل لي كيف ممكن كون مبسوط؟»، وديع اسمندر رحل والوجع في قلبه لم يَكِن أو يهدأ.

سيرة وأعمال
ولد وديع اسمندر في قرية الزيادية باللاذقية بتاريخ 18 كانون الأول 1942، تميز بزخم إنتاجه بعد باكورته «اللبش» عام 1979 والتي صور فيها حياة الصيادين خلال رحلاتهم في البحر وما يواجهونه من أخطار، حيث قدم بعدها ثلاث روايات وهي «دموع السقف الحجري» و«سيرة رجل ما» و«الخميس الحزين» إضافة إلى ديوان شعر بعنوان «الرأس»، وكان عمله في إذاعة دمشق سببا دفعه إلى كتابة عدد من الأعمال الدرامية سواء أكانت تمثيليات إذاعية أو مسلسلات تلفزيونية، منها «عطر البحر» و«رجل بلا حدود» و«القاضي والجلاد» و«الشمعة والدبوس» و«حارة الباشا»، كما خاض تجربة كتابة الأفلام السينمائية عبر فيلم موجه للأطفال تحت عنوان «النجمة وأحلام أسامة» حاصلا من خلاله على عدة جوائز دولية، وفي المسرح عام 1974 كتب مسرحية « شهيد للبيع»، لم تُعرض بوقتها، ولكنها عرضت في العام الماضي في السويداء حيث أخرجها غسان جبري ولاقت إقبالا جماهيريا كبيراً.
وديع اسمندر.. بلا اسم ولا تاريخ ميلاد
بتاريخ 24 كانون الأول عام 2015، كتب وديع اسمندر على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك في مناسبة عيد ميلاده، نصّاً مؤثراً مختزلا خلاله سيرته «أقول لمن عايدني في عيد ميلادي بأنني كتبت قصّة قصيرة في مجموعتي «الرأس» تحكي حكاية ميلادي، كان لدى أهلي طفل اسمه «وديع» توفّي قبل ولادتي، لكنّ أهلي لم يشطبوا اسمه لدى دائرة النفوس، وبعده بثلاث سنوات ولدت أنا، فأعطوني اسمه وتاريخ ميلاده، أنا في الواقع لا اسم لي، ولا تاريخ ميلاد، ومع ذلك أشكر كل من عايدني، القصّة تحمل عنوان «رجل بلا اسم» وهي مهداة إلى أخي الذي مات وحمّلني أهلي اسمه فيما بعد، هذه القصة موجودة في مجموعتي التي تحمل عنوان «الرأس» والمجموعة آخر ما صدر لي من كتب وهي صادرة عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق».

الصديق.. لن ينعاه
روى صديقه الفنان التشكيلي منصور إبراهيم في رثائه على صفحته الشخصية على الفيسبوك قائلا « في الطريق إلى قيرون أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كنت أنا وهو والطريق والكثير من أشرطة العتابا الفريدة التي جمعها عبر حياة كاملة، وتحديداً مع شريط نادر لطبل وزمر، وقبل أن تلوّح لنا مصياف، صرخ بي بصوت عال «وقّف عاليمين».. فتحَ باب السيارة، رفعَ صوت المسجل إلى أعلى درجة، وبدأ يدبك كزوربا حول السيارة حتى تصبب عرقاً.. ثم تابع صديقه: أنا لن أنعاك يا وديع… لأنني متأكد من أنك لا تموت، في الحياة: أكبر مصادر فخرك كانت أنك ابن شهيد كنت تعتز وتفتخر أن أباك استشهد في حرب الـ48، قلت لي يوماً «تخيل واحداً يروح من الزيادية ويستشهد بفلسطين».
في السياسة: كنت شريفاً نزيهاً صادقاً محقاً…. مثلك الأعلى في الحصول على الحقوق والدفاع عنها كان غاندي.
في المحنة: بقيت كما أنت مع الوطن والتراب والماء والهواء، ونسيت ولم يعرف قلبك أياً من أنواع الحقد أو الانتقام.
لكن ستبقى روحك هائمة بين هذه الوديان تُسمعنا صوت طبول الغجر بعد أن هجروا ودياننا. ستبقى روحك ترفرف فوق هذي البراري وتلقي على الأرض السلام».

آخر الكلام… لوديع اسمندر
جملة قالها الراحل في تاريخ 25/12/2015 متابعا فيها التعليقات على صفحته الفيسبوكية قائلاً: «أشكر جميع أصدقائي الذين يتواصلون معي، فأنا فعلا أحبكم. مع ثقتي بأنكم عاجزون عن زيادة راتبي التقاعدي وعن مساعدتي ماليا، وهذا يعني أن لا مصلحة لي معكم سوى الحب وأنتم جديرون بذلك. كل عام وأنتم بخير».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن