«أرقى» أشكال الازدواجية!
| صياح عزام
أقدمت رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة على الإدلاء بتصريح «تحت قُبّة البرلمان»، أعلنت فيه استعدادها لإعطاء الأوامر باستعمال (السلاح النووي) حتى وإن أدى ذلك إلى مقتل (مئة ألف) من المدنيين الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ!!
البعض فسَّر هذا الأمر بأنه يأتي في سياق سعي المرأة لاستحقاق لقبها «الحديدي»، والبعض سماها «المرأة النووية»، وهو أمر يندرج أيضاً في إطار إعادة بناء الصورة الردعيّة للإمبراطورية التي لم تكن الشمس لتغرب عن مقاطعاتها وولاياتها.
والمُستغرب أن التصريح الذي قيل تحت قبة مجلس العموم البريطاني «البرلمان»، مرّ مرور الكرام، ومن دون أي تعليقٍ أو شجبٍ أو استنكار من أحد في العالم غرباً أو شرقاً!
مثال، أن يُقْدِم الطيران الحربي الفرنسي على اقتراف مجزرة دموية في محيط بلدة (منبج) السورية راح ضحيتها أكثر من (مئة وعشرين) مدنياً، أطفال وشيوخ ونساء، فذاك أمر يندرج في سياق الحرب على الإرهاب، لا يستحق الاعتراف ببشاعته ولا التنديد به، بل ليس جديراً بالتغطية الإعلامية!!! كأنّ الدم المُسال هنا ليس من صنف الأحمر القاني كذاك الدم الذي جرى في شوارع (باريس ونيس وبروكسل)، لو أن هذه المجازر ارتكبها الطيران الروسي أو السوري لانتفضت باريس قبل غيرها، ولخرج علينا ساكن قصر الإليزيه، بفيضٍ من التصريحات المترعة بحقوق الإنسان، والمُندِّدة والشاجبة، وربما لطالب بإحالة المسألة إلى مجلس الأمن وطلب تحقيقاً دولياً بها، من دون أن يغفل عن أن يردد الموشّح المعروف بكلماته وعباراته التي سئم العالم ذكرها لفرط تكرارها حول ضرورة رحيل الرئيس الأسد، والإعراب عن القلق من الدعم الروسي لسورية.
مثال آخر: طفل في ربيع العمر، يُذبَح من الوريد إلى الوريد بدم بارد ووسط صيحات الله أكبر… لا أحد منهم يجعل من الأمر قصة ذات شأن… فالمعارضة المعتدلة المسؤولة عن ذبحه «كتائب نور الدين زنكي» أصدرت بياناً قالت فيه إنه (خطأ فردي)… هكذا أعلنت بكل بساطة ووقاحة، أخطاء الأفراد عند مثل هذه المجموعات الإرهابية العميلة لا تنحصر في زلّة لسان أو رصاصة طائشة… إنها تبدأ بالذبح من الوريد إلى الوريد ولطفل مريض مصاب بالتلاسيميا بالكاد أكمل العقد الأول من عمره، ووسط حشد احتفالي كبير من المُكبِّرين والمُهلّلين… مثل هذا العمل الشائن والجريمة الوقحة يقال عنه «خطأ فردي» وتمضي الحكاية وكأن شيئاً لم يكن!!
والأسئلة هنا، ماذا لو كان أبطال هذا المشهد الدموي المُرعب من الجيش السوري أو من حلفائه والقتيل من طرف ما يسمى «المعارضة المعتدلة»؟ ما الذي كنا سنراه ونسمعه من ردود الأفعال، وأيّ نوع من التصريحات والبيانات كنا سنرى ونقرأ؟…
هل ثمّة ازدواجية بعد هذه الازدواجية؟! وهل ثمة نفاق أوقح من هذا النفاق؟!