القوى السورية و«تحولات المتوسط»
| مازن بلال
يبدو التركيز على ما يحدث في الشمال السوري جوهرياً لرسم توازنات المنطقة، فالسجال الأميركي الروسي المتأرجح بين التوافق والخلاف يرتبط أساساً باستحقاقات معركة الشمال، والكسب الروسي بدأ قبل شهرين تقريباً مع إنهاء «الاشتباك» بين الدولتين؛ الأمر الذي استدعى خللاً واضحاً في موازين القوى، وسواء أكانت واشنطن موافقة على التقارب الروسي التركي أم قلقة منه، لكنه بدل الكثير من معطيات الصراع، وأتاح إمكانية استخدام العامل الداخلي السوري للتأثير بشكل عام في الأزمة السورية، فالاستعجال لانعقاد جنيف من جديد يرتبط بمحاولة الطرفين الدوليين: الروسي والأميركي في التحكم بالصراع.
وعلى الرغم من أن موسكو تبدو في موقع قوة نسبي ضمن العلاقات المستجدة في المنطقة، لكنها في الوقت نفسه تريد استخدام الهامش الضيق للإدارة الأميركية للتحرك نتيجة قرب الانتخابات؛ من أجل تثبيت «إطار اتفاق» في جنيف وإقامة واقع عسكري سياسي انطلاقا من مدينة حلب لتحقيق أمرين:
– الأول منح العلاقة مع تركيا اتجاهاً قوياً لمحاربة الإرهاب في ظل توتر ملحوظ بين أنقرة وواشنطن.
– الثاني إحراج الولايات المتحدة المشغولة بالانتخابات للدخول بتفاوض لتحقيق نقطة بداية جديدة في الأزمة.
في المقابل فإن الولايات المتحدة التي خسرت الكتلة الصلبة في الصراع في سورية من خلال الضعف في التحالف التركي – السعودي؛ تسعى للتأثير في نقطتين: الأولى في الشمال عبر الأكراد، والثانية في الجنوب عبر علاقات مستجدة مع الأردن، واللافت أن الطرفين الروسي والأميركي يريدان إقحام القوى السياسية السورية بشكل ينعكس ضمن الوفود المشاركة في جنيف؛ فهل هناك خارطة حقيقية يمكن الاستناد إليها؟
عملياً فإن القوى التي شاركت في الجولات الماضية واجهت بالدرجة الأولى معضلة وفد الرياض (الهيئة العليا للتفاوض)، الذي يستند إلى التوازن الإقليمي والدولي، على حين كانت «المنصات» الأخرى تبحث في حلول لرسم خارطة سياسية تسهل أكثر من عملية الانتقال السياسي، لأن هدفها النهائي التوازن الداخلي وانسجامه مع عوامل القوة للدول الإقليمية الفاعلة في الأزمة السورية، ومن الممكن طرح نموذج «منصة القاهرة» كحالة تقف في وسط التوازن الإقليمي، على حين تظهر منصة «موسكو الأستانة» ضمن دائرة أوسع؛ لاعتمادها على عناصر قوية من الداخل السوري، فأحد أعمدتها هو «حزب الإرادة الشعبية» المرخص في سورية.
ضمن ظرف جنيف الحالي فهناك «تخلخل» في ميزان العلاقات للقوى السياسية المشاركة، حيث من المتوقع أن يؤثر الحدث التركي في بنية «وفد الرياض»، وفيما لو انعقد جنيف فإنه لن يجد «كتلة انقلابية» كتلك التي مثلها وفد «الهيئة العليا للتفاوض»، وفي الوقت نفسه فإن منصتي القاهرة وموسكو ستحتاجان إلى توازن جديد وضمان عوامل قوة إضافية من الداخل السوري، أو ربما تحالفات لضمان وفد مشترك يعوض اختلال التوازن الحاصل، فهل يمكن لـ«معارضة الداخل» تعبئة هذا الفراغ؟
في الجولتين الأخيرتين كان ما أطلق عليه «وفد حميميم» يمثل «مشاركة الأمر الواقع»، فتجميعه على عجل وارتكاز برنامجه إلى نقاط إجرائية وعدم القدرة على حساب قوته الحقيقية في التأثير جعله مشاركاً موازياً لجميع الوفود، ولكنه خارج الحسابات الدولية، واليوم فإن «قوى الداخل السوري» تحتاج لتغيير الأدوات أو ربما للانتقال نحو رؤية مختلفة لتشارك في جنيف ليس بحكم الأمر الواقع، بل نتيجة قدرتها على خلق توازنات جديدة، فمشروعها الذي تم رسمه وفق إيقاع انعقاد الجولات ربما عليه أن يتطور قبل الحكم على قدرتها في التأثير الفعال ضمن التفاوض والحوار السوريين.