الموسيقي السوري حاضر في أهم المسارح الفنيّة الأوروبيّة … إثبات جديد على فرادة الصوت والموسيقا السوريّة
| عامر فؤاد عامر
تترك دمشق لمستها السحريّة الخاصّة في قلوب زوارها ومرتاديها، ولهذا السحر ردود فعل إيجابيّة، تمتلك المقدرة للعيش، ومنها تتوالد ردود الفعل في عالم الإبداع. عام 2008 زار المغني البريطاني المعروف «دايمون البارن» دمشق، وسجّل ألبومه الغنائي بالتواصل مع الأستاذ «عصام رافع» ومع 10 من الموسيقيين السوريين، وبالاشتراك مع هؤلاء الموسيقيين، قام بجولة عالميّة مع فرقته الأساسية التي تدعى «الغوريلاز» وقرروا اختتام هذه الجولة في دمشق في آخر حفلة لهم عام 2010.
القصة من جديد
تأثر «دايمون البارن» بدمشق وأهلها، وكان صدقه أن دفعه من جديد ليتواصل مع الموسيقيين والعازفين فيها، ليطرح فكرة دعوتهم إلى بريطانيا وإقامة حفلة هناك، وكان دافعه في ذلك أن الحرب صدّرت مشهداً لا يليق بالشام، على أنها بلد مملوء بالحرب والدّمار، ويقول بأن هذه البلد تركت في قلبه الكثير من الحبّ، لذلك كان تواصله مع «عصام رافع» من جديد في تنظيم مجموعة من الحفلات في عدّة دولٍ أوروبيّة، إثباتاً أن أبناء هذا البلد الجميل ما زالوا قادرين على تصدير الجمال والإبداع، على الرغم من الحرب. فكان الاتفاق في جمع أكبر عدد ممكن من الموسيقيين السوريين، وبذلك تمّ الاتفاق على سفر 40 موسيقياً، 30 منهم من سورية، و10 من بلدان مختلفة، وهو عدد أوركسترا كبير. وﻷوّل مرّة يتمّ حضور فرقة موسيقيّة بهذا العدد كضيفة على المهرجانات التي شاركت فيها.
تنظيم السفر
تمّ تنظيم أمور السفر كلّها على الرغم من الصعوبات التي باتت معروفة في سفر أي مواطن سوري إلى أي بلد في العالم إلا أن ذلك الأمر تمّ تجاوزه بإصرار بعد مرور 6 أشهر. لكن في النتيجة وبعد الجهود التي بذلها أ.«عصام رافع» من أميركا وأ.«رشيد هلال» في سورية لاختيار الموسيقيين وتحضير برنامج الجولة، لم يحصل «عصام رافع» على تأشيرة السفر، ولذلك تقرر أن يقود الفرقة «رشيد هلال» وهو الكونسيرت ماستر بين الموسيقيين.
5 حفلات
كان الحفل الأول في هولندا بأمستردام على مسرح الكاريه بحضور الملكة الهولنديّة السابقة، والحفل الثاني في ريف بريطانيا في غلاستنبري، والثالث في بريطانيا أيضاً في العاصمة لندن، في القاعة الملكيّة، والرابع في تركيا في اسطنبول، والخامس في الدانمارك في روسكيلد، وكان من المقرر أن يكون هناك حفلٌ سادس في ألمانيا في كولن لكن تمّ إلغاء المهرجان ﻷسباب تتعلق بتنظيم المهرجان. وفي النهاية أكملت الأوركسترا المؤلفة من 20 مطرباً و20 موسيقياً جولتها وعادوا من ألمانيا إلى سورية.
من البرنامج
قدّمت الفرقة موشحاتٍ سوريّة، ووصلة من الأغنيات التراثيّة السوريّة، إضافة لكثير من الأغاني الأجنبية مع هارموني عربي وشرقي خاصّ لهذه الأغنيات، والفرقة قدّمت مقطوعاتٍ موسيقيّة سوريّة، مثل «سماعي بيّات» لـ«حسان سكاف» و«دمشق القديمة» لـ«عاصم مكارم» و«على عجلة» لـ«عصام رافع». وكان هناك ضيوف على الفرقة شاركوا في بعض الحفلات تمّت دعوتهم من الشركة المنظمة للحفل وهم من «السنغال»، و«مالي»، و«موريتانيا»، و«الجزائر»، و«تونس»، و«لبنان»، و«بريطانيا» وهذا ما يدل على ديناميكيّة ومرونة العازف السوري في الاندماج والتأقلم مع جميع الأنماط الموسيقيّة في العالم.
جمهور أوروبا يهتف سورية
أثبتت الفرقة جدارتها بتقديم أجمل صورة عن السوريين، وردة فعل الجمهور كانت مدهشة وفي بعض الحفلات بقي الجمهور مكانه والمطر مستمر بالهطل على مدى ساعتين، والمسارح ضخمة ومفتوحة، وفي لحظات سكوت الموسيقا هتف الجمهور «سورية» مرات ومرات، وقد وصل عدد الجمهور لأكثر من 175 ألف متفرج في المسرح الواحد.
مفارقات
مايميّز هذه المهرجانات هي أنها من أهم المهرجانات الموسيقيّة في تلك البلاد الأوروبيّة «هولندا، بريطانيا، تركيا، الدانمارك، ألمانيا» ومن الملاحظ أن أي موسيقي في أوروبا يحلم أن يكون له مشاركة على مسارح هذه المهرجانات. وكتكريم للسوريين كان شرف افتتاح كلّ هذه المهرجانات للأوركسترا السوريّة. لكن المفارقة تأتي في عدم اكتراث الصحافة العربيّة والمحليّة بكلّ هذا النشاط على حين الصحافة الغربيّة وتغطياتها الإعلاميّة كانت كبيرة وكثيرة على أنواعها المرئيّة والمسموعة والمكتوبة كافة، فقد واكبت كلّ شيء من لحظة وصولهم للمطار واستقبال المطرب «دايمون» لهم والمنظمين من شركة «أفريكا إكسبرس» التي سهلت أمور سفرهم وتنقلاتهم.
ميس حرب
تقول الفنانة «ميس حرب» وهي من المطربات اللواتي شاركن في الحفل: «المميز بالنسبة لي كان في حفل أمستردام الذي قدّمت فيه أغنية من تراث السويداء، بتوزيع أوركسترالي قام به «رشيد هلال». ولن أنسى لحظات انفعال الجمهور، وردّة الفعل الرائعة على الأغنية، أيضاً الحفلات الأخرى كان لكلّ منها طابع مميّز وجميل، والمهم أننا قدّمنا صورة حضارية بتواصلنا مع الناس هناك، الذين صفقوا وهتفوا وفوجئوا بما قدمنا، فكانت فرصة مهمّة للجميع بتصدير موسيقانا السوريّة، وتقديم سورية بالصورة اللائقة التي تستحق».
باسل صالح
أمّا الموسيقي «باسل صالح» وهو من المشاركين أيضاً فيضيف عن هذه التجربة: «قدّمنا للعالم صورة حقيقية عن الشعب السوري من خلال هذه الحفلات، فكانت صورة حضاريّة ثقافيّة، فاليوم معظم الشعوب الأوروبيّة تعتقد أن السوريين يعيشون في الصحراء بعيداً عن كلّ أشكال التطوّر. وقد ذُهلوا عندما سمعوا موسيقانا، والطريقة الاحترافيّة التي قُدّمت بها، وقدرتها وقدرتنا على مواكبة كلّ أنواع الموسيقا في العالم، أمّا بالنسبة لي فقد تعاملت مع أنواع جديدة من موسيقا الشعوب من خلال عملنا مع جنسيّات مختلفة، وللمرّة الأولى، وهذا يوسع إدراك الفنان ويصقل أداءه الفني ويطوّره».
رشيد هلال
الموسيقي «رشيد هلال» الذي قاد الفرقة عبر جولتها يقول: «من الضروري اغتنام أي فرصة لنشر ثقافتنا بشكلٍ عام، وموسيقانا بشكلٍ خاصّ في جميع أنحاء العالم، ولاسيما ضمن ظروف الحرب التي نعيشها، لأن هناك اعتقاداً عالمياً خاطئاً حول سورية في الوقت الراهن، أنها أرض حرب ودمار وقتل. هذا ما استطعنا تغييره ونفيه من خلال جولتنا مع أوركسترا الموسيقيين السوريين، ضمن خمس حفلات بأربعة بلدان هي: هولندا، وبريطانيا، وتركيا، والدنمارك، وعلى أهم المسارح وأضخم المهرجانات، حيث قمنا بنشر الموسيقا السوريّة الأصيلة، بالإضافة لأدائنا بعض القطع الممزوجة بين الموسيقا العربيّة والغربيّة، وهذا ما تطلّب حرفيّة عالية بالعزف، وإن دلّ على شيء فهو يدلّ على أن الموسيقيين في سورية ما زالوا مستمرين في التدرّب والتطوّر والإبداع. على الرغم من كلّ ما تشهده البلاد من مصاعب، فقد استطعنا تسليط الضوء على الجانب الحضاري والمشرق في بلدنا الغالي سورية».