أول مخرجة في التلفزيون العربي السوري وأنا الآن غريبة في التلفزيون … غادة مردم بك لـ«الوطن»: عشت ودرست وتزوجت وأنجبت وعملت في الشام وبالتالي الشام… حبيبتي
| سوسن صيداوي- «ت:طارق السعدوني»
في عام 1960 كان النداء «هنا… تلفزيون دمشق» هكذا جاء إعلان انطلاق التلفزيون العربي السوري بصوت صباح قباني، كان الكل مجتمعا سواء في الاستديو على الهواء مباشرة أو في غرفة المراقبة كانت الأعصاب مشدودة وفي ترقب كبير والقلوب تدق مسرعة كي تسابق زمن الانطلاق، وللآن دقة القلب تسرع ويقشّعر البدن لمجرد الذكرى والتفكير في تلك اللحظة التي خلقت برامج تلفزيونية سورية ونشرات إخبارية ودراما والكثير مما كان بصمة مميزة لأشخاص كانوا حجر أساس وقمة في الإبداع والعطاء، بينهم وقفت شابة صغيرة في السن ترقبت، وأسرتها عظمة الحالة كي تحمل مسؤولية عملها المُرتقب من الكل ومسؤولية عملها كمساعدة مخرج في بداية تعيينها، غادة مردم بك عبق الياسمين الدمشقي لفحها فقررت أن تتنفسه كل العمر، ولدت في أسرة لتكون البكر والفتاة الوحيدة بين عدة صبية، الأمر الذي أكسبها القوة والجرأة والحزم في مواقف حياتها، مسيرة تلفزيونية طويلة تخللها العطاء مع الالتزام الممزوج بالصبر والسعي الدائم لتقديم الأفضل لإثبات المقدرة على أن السوريين هم النخبة ويليق بهم كل جميل، مرارة وغصة كبيرة مع قهر لواقع لم يكن متوقعاً أن يحدث لم تمنع دموعها العزيزة من البوح عن الحزن العميق الذي يلف قلبها عند سؤالها آخر سؤال… صحيفة «الوطن» تنفرد بلقاء غادة مردم بك… وإليكم الحوار:
أنت من مواليد بيروت ولكنك من أصل دمشقي عريق، ومن عائلة مردم بك المشهورة بثقافتها الأدبية والسياسية، ماذا تتذكرين عن خليل مردم بك وابنه عدنان مردم بيك؟
في الحقيقة خليل مردم بك لم أعرف عنه شيئاً شخصياً، ولا أعرف سوى أنه هو من ألف النشيد العربي السوري، ومعرفتي عن عدنان، أن اهتماماته المسرحية والأدبية قدمها بطريقة مختلفة عن أبيه، وحتى عدنان لديه ابن قالوا لي إنه يكتب إلا أنني لم أقرأ له شيئا، لأنني في الوقت الحالي مخالفة لعادتي في القراءة.. لم أعد مهتمة بالقراءة كالسابق، ولكن بالعموم ما أريد قوله إنهم نعم عائلتي ونحن تجمعنا القرابة وهذا كل شيء.
أنت من مواليد بيروت… هل تربيت هناك؟
لا،… أنا من مواليد بيروت صحيح، ولكنني تربيت في دمشق وعشت وكبرت وحياتي كلّها في دمشق، فأبي سوري وأمي لبنانية وعندما حملت أمي بي كان عمرها ثمانية عشر عاماً، وطبعاً عند الولادة وحسب العادة ذهبت لتلد بين أهلها في بيروت ليقدموا الرعاية لها ولي، ولهذا كان السبب بأن تم تسجيل مواليدي في بيروت، وبالطبع عشت في الشام ودرست في الشام وتزوجت وأنجبت في الشام وعملت في الشام، وبالتالي الشام… حبيبتي.
بأي شارع من شوارع دمشق نشأت؟
كنا نعيش في منطقة اسمها بستان الرئيس إلى حين بلوغي عشر سنوات، وهذه المنطقة كانت قريبة من الجسر الأبيض، وكنا في وقتها جميع العائلة من بيت جدي وأعمامي نعيش بالقرب من بعضنا، وفي المنطقة نفسها التي كانت معظمها عبارة عن بساتين وحتى كان هناك نهر وهو غير النهر الموجود في الوقت الحالي، ثم في عام 1951 انتقلنا إلى المالكي وعشنا في تلك المنطقة التي كانت مختلفة أيضاً عما هي عليه وملأى بالبساتين.
كم أخاً وأختاً كنتم؟
أنا وحيدة على ثلاثة إخوة شباب.
إذا كنت الابنة المدللة؟
لا.. لم أكن ابنة، كنت ما نقول عنه «حسن صبي»، حتى كنت ألعب بالـ «الكلة» مع إخوتي، وبما أنني أنا البكر كان من الطبيعي أن أحرّم عليهم اللعب في حال خسارتي، وكنت دائماً أربح وأفوز عليهم لأنني كنت أشطر منهم في اللعب.
لكن هذا لا يمنع من أنك كنت أختاً حنوناً ومسؤولة باعتبارك الابنة البكر؟
نعم.. كنت هذا «الحسن صبي» قبل سن عشر سنوات، لأنني بعدها بدأت أنضج في تفكيري، وبدأت أنفصل عنهم وأصبح لي غرفتي الخاصة، وحتى طبيعة لبسي تغيرت لأنني أصبحت أحب ملابس الفتيات من الفساتين والتنانير، ولم أعد أستهوي اللعب معهم بألعابهم الصبيانية بل صرت أتجه بشكل فطري نحو طبيعتي الأنثوية.
دخلت كلية الحقوق لكنك لم تتابعي دراستها؟
نعم… بدأت دراسة الحقوق ولكن أسباباً عديدة غيرت رغبتي في متابعتها، أول سبب كان عملي في التلفزيون الذي كان يلهيني عن الدراسة، وخصوصاً أنه عمل مميز والتلفزيون السوري وقتها كان في تأسيسه والأنظار كلّها علينا، وأنا أريد أن أثبت نفسي وبأنني أستطيع أن أقوم بهذا العمل، فهذا تطلب مني وقتاً وجهداً كبيرين، أما السبب الثاني لعدم متابعتي لدراسة الحقوق لأنني في وقتها كنت متزوجة ولدي ابنة، وكنت أحب أن أربيها بالطريقة التي تعجبني أنا، إضافة إلى أنني أهتم ببيتي كثيراً فهو بالنسبة لي بالمرتبة الأولى وقبل كل شيء، وبطبيعتي لا أحب أن أقصر أبدا بواجباتي، فكان لا بد لي من أستغني عن أحد الأمور وكان أسهل ما أضحي به هو أن أستغني عن دراستي.
باشرت العمل في التلفزيون السوري قبل يوم من افتتاحه؟
تماما.. كان عقدي للعمل في التلفزيون السوري بتاريخ 22/7/1960 والتلفزيون افتُتح في 23/7/1960.
وكنت أصغر موظف في الكادر عمراً؟
صحيح… وكلهم كانوا في العشرينات مثل خلدون المالح، عبد الهادي البكّار وعادل خياطة وسامي جانو، وكلهم كانوا مذيعين في إذاعة دمشق، لأنهم قرروا أن يتم تأسيس تلفزيون في الإقليم الشمالي أي في سورية، ولأن تاريخ الانطلاق محدد، قاموا بتوظيف كل من كان بإذاعة دمشق وتم تأسيس التلفزيون، وفي يوم الافتتاح كلنا كنا في غرفة المراقبة وعندما قالوا «هنا… تلفزيون دمشق» كانت لحظة رهيبة لا يمكنني وصفها وحتى الآن كلما أذكرها يقشعر بدني، وكان كل يوم لدينا عدد من الساعات المباشرة وكنا نتبادل قسماً من البرامج والمواد مع تلفزيون القاهرة، وأكثر مادة كانت مرغوباً بها ومحبوبة كثيراً هي برنامج «البيت السعيد» الذي كانت تعده وتقدمه في ذلك الوقت «نادية الغزي» وحتى الآن لم أر وجهاً أو طريقة أو أسلوباً في الكلام مع الناس والجمهور مثل «نادية الغزي».
بداية… تحدثي لنا عن الدورة التدريبية في ألمانيا؟
كانت الدورة إلى ألمانيا في ميونيخ ومدتها شهر واحد فقط، وكانت مشتركة بيننا نحن السوريين ومجموعة من الشباب المصريين، ومن الأسماء التي كانت معي «مروان شاهين» الذي كان مذيعاً في إذاعة دمشق وأصبح مذيعاً للتلفزيون، ولم تكن الدورة مفيدة لأن الفترة التي سافرنا فيها كانت فترة أعياد الميلاد ورأس السنة، ومن ثمَّ كانت الدورة مختصرة بالمعلومات، ولكن الطريف بالموضوع والذي لن أنساه أن الدورة التدريبية كانت بين كانون الأول والثاني الأمر الذي «موتني من البرد» وعندما كنت أسير كان الثلج يصل إلى ركبتي.
كان تعيينك في التلفزيون كمساعد مخرج في نشرة الأخبار؟
نعم في البداية كنت مساعدة مخرج لنشرة الأخبار مع «عادل خياط»، وبالنسبة لي ولمجرد أن أكون مساعدة مخرج كان أمراً مرعباً، لأنني كنت أنظر إلى هذا العمل بأنه كبير جداً علي ولكنني بالوقت نفسه كنت أريد أن أثبت نفسي من خلاله ما جعلني أشعر بالمسؤولية، فكل الناس ترى اسمي، ولكنني لم أتابع كمساعدة مخرج في نشرات الأخبار لأنني لا أملك مزاجاً للسياسة، وإخراج النشرات الإخبارية كان بعيداً عني تماماً، وكان بالنسبة لي أمراً محدداً سواء بالوقت والفواصل، في حين البرامج الأخرى فيها شيء من العطاء سواء أكانت للأطفال أو البرامج المنوعة والثقافية، ففيها حيز من الإبداع وبإمكاني أن أكون خلالها مميزة عن غيري، كما يكون لي فيها بصمة من خلال لقطاتي، فهناك فرق كبير بين أن تقومي بعمل يمكنك أن تضعي من روحك فيه وبين عمل تم تقريره من قبل.
يقال إنك مميزة بلقطاتك الإخراجية رغم صغر سنك وحداثتك في الإخراج؟
صحيح… ذات مرة وعندما بدأت العمل تواً في التلفزيون، طُلب مني أن أقوم بنقل لمناسبة للأطفال من سينما الزهراء، وحصل معي خلالها حادثة جميلة، من ميزات الدكتور «صباح قباني» وهو الذي أسس التلفزيون السوري وهو من اختارنا، بأنه كان مباشراً مع كل العاملين معه في التلفزيون، ولا يفصل بينه وبينهم أبواب أو مناصب، وكان معتادا بأن يشكر كل من يقوم بأي عمل جيد عبر الهاتف أو أن يقوم بالتأنيب مباشرة وعبر الهاتف أيضاً، وقتها اتصل بي وأنا كنت أخاف منه كثيراً لأنني كنت في التاسعة عشرة من عمري، وعندما أجبته بصوت يرتجف رعباً، قال لي مباشرة «أخذتِ اليوم لقطة بتطير العقل.. تسلم إيديكِ»، وطبعا انهالت دموعي من شدة الخوف والفرح بالوقت نفسه.
تابعت الإخراج في برنامج البيت السعيد؟
نعم… ولكن ليس في الفترة التي كانت فيها نادية تقدمه وتعده، كان البرنامج تعده وتقدمه في الإذاعة مذيعة اسمها «ليزا» واتفقوا في الإدارة بأنها ستقوم بعمل برنامج على غرار برنامج البيت السعيد الذي قدمته نادية الغزي، وكان وقتها مدير التلفزيون «صفوان غانم» و طلبوا مني أن أعمل معهم، ومن هنا أنا استلمت إخراج برنامج البيت السعيد.
كم من الوقت استمر البرنامج؟
لم يستمر طويلاً في عدد السنوات ولكنه استمر ثلاث دورات تقريباً وكانت الدورة البرامجية تضم نحو أربع عشرة حلقة، إذا يمكنني القول إنه استمر نحو أربعين حلقة وليس أكثر.
و كيف كان برنامج البيت السعيد… الجديد؟
كان بمعظمه تصويراً خارجياً، كنا مثلاً نذهب إلى بيوت معينة ونرتبها بطريقتنا ونصور فيها الحلقة كاملة بمواضيعها وموادها.
خلال هذا البرنامج كنت تقومين بإخراج برامج تلفزيونية أخرى؟
صحيح… تابعت بين البيت السعيد وبرامج الأطفال سواء نادي الأطفال ومسرح العرائس مع «هيام الطباع» لعدة سنين، ثم بعد أن تركت «هيام» برامج الأطفال، تناوب على هذه البرامج العديد من المقدمين وكان يعدّها «نادر قباني» وزوجته «فدوى الريحاوي»، كما عملت لوقت طويل في مجلة التلفزيون مع «عادل أبو شنب» الذي كان شخصاً راقياً ومجتهداً بعمله إلى حد كبير، وكانت المجلة متنوعة جداً وفيها كل ما يخطر على البال وقُدمت بطريقة فيها تناوب بين الاستديو والتصوير الخارجي.
في ذلك الزمن كان هناك الكثير من البساطة والتي كانت أيضاً في المعدات والإمكانات والاستديو في قاسيون؟
صحيح.. بقينا في استديو قاسيون فترة طويلة والبناء في ساحة الأمويين لم يكن مكتملاً ولم يكن لدينا شيء مما هو مهيأ للتلفزيون في الوقت الحالي، ولم يكن لدينا حتى كأس من الماء عند الحاجة، ورغم بساطة الإمكانات وضعف المتاح إلا أن العمل كان ممتعاً جداً.
و حتى كفريق عمل… كنتم معطائين إلى حد كبير؟
كان عددنا كفريق عمل في فترة تأسيس التلفزيون السوري مؤلفاً من خمسة وستين عاملاً من مدير التلفزيون إلى سائق السيارة الذي كان ينقلنا من الاستديو وإليه، في وقتها كان بيننا ألفة كبيرة وتجمعنا وحدة الحال وليس بيننا من فوارق إلا باجتهادنا، وقتها لم أشعر بأي غربة ولكن من يومين ذهبت إلى التلفزيون وقابلني شاب وقال: «لماذا أنت بعيدة عنا» قلت له «أنا غريبة هنا، لا أعرف أحداً».
ماذا عن قسمة طوران وابتسام الزبيدي كمخرجات تلفزيونيات؟
قسمة طوران لم تستمر بالإخراج لأنها تزوجت وسافرت إلى فرنسا.
ماذا أخرجت من برامج؟
عملت في بداية مجلة التلفزيون وكنا زملاء ونجلس في الغرفة نفسها، لكنها سافرت بعد أن تزوجت وكذلك الأمر بالنسبة لابتسام الزبيدي.
كيف كانت المنافسة بينكن؟
لم يكن بيننا من منافسة أبداً، فكل منا يقوم بعمله وما يوكل إليه، وله اختصاصه المسؤول عنه.
كيف كان يتعامل معكم الشباب المخرجون؟
بمنتهى اللطف والاحترام وكانوا فخورين بنا لأننا نعمل في التلفزيون إلى جانبهم وينظرون إلينا بإعجاب كبير وتحديداً أنا لأني عمري كان صغيراً جداً بينهم وأقوم بكل ذلك العمل ولأنني السيدة الوحيدة بين هؤلاء الرجال.
إذاً أنت أول مخرجة برامج تلفزيونية… سورية؟
أول سيدة تعمل بالإخراج السوري هي غادة مردم بك.
هذا الأمر لم يسبب لك الحرج؟
أبدا لأننا كنا أصدقاء وزملاء وكانوا مميزين بالتزامهم الرائع في العمل ووقت الجد، وعندما كنت أقول «استعداد» كان الجميع يلتزم الصمت ويستعد لأننا سنكون على الهواء بعد دقائق معدودة، وفي مرة كنا على الهواء مباشرة ودخل المدير العام «أحمد قرنة» ومن كثرة تركيزي لم أنتبه لوجوده إلا بعد حين وتابعت عملي وكأنه لم يكن… وانصرف، في اليوم التالي أرسل في طلبي فاستغربت وتساءلت وقلت في نفسي ربما فعلت أمرا خاطئا، عندها قال لي «أنا شفت رجال بشوارب بتشتغل… لكن مثلك ما شفت».
أنت من المخرجين المهتمين بالديكور والإضاءة ما الفرق بين الواقع الحالي للتلفزيون والتلفزيون القديم؟
كان «محمد الرواس» وأخوه «فوزي الرواس» يقومان دائماً بتغيير خلفية وإضاءة كل مذيع حسبما يتناسب مع لباسه، في حين في الوقت الحالي الموضوع مختلف جداً فالإضاءة واحدة وللكل وحتى الديكورات ليست بالمستوى المطلوب، ولكن الذي يجب الإشارة إليه بأن المساحات الحالية هي التي لا تساعد مهندسي الديكور ولا تعطيهم الحرية بالإمكانية من أجل خلق الصورة الأفضل لزوايا الكاميرا، وفي الوقت الحالي هناك غرف كثيرة بمبنى التلفزيون ولكن لا استديوهات واسعة فيها من المساحة ما يعطي مهندسي الديكور الحرية في التنقل بالأمتار وليس بالسنتمترات.
في عام 1960 ابتدأت مع التلفزيون وفي عام 2005 تقاعدت ما الذي اختلف في التلفزيون السوري؟
نعم أنا من المؤسسين ولي من الزمن القديم للتأسيس وقت طويل، ومن هم في المبنى في الوقت الحالي هم من الحداثة بالنسبة لي، ولكنني قبل تقاعدي وعندما انتقلنا للعمل في المبنى كنت أطلب الأشخاص كي يعملوا معي فمثلا كنت أطلب «أسما الفيومي» كي تصمم لي الديكور حتى كنت أطلب المصورين بالاسم، وفي الإضاءة نفس الشيء.
في وقتكم… العمل في التلفزيون كان يتطلب جهدا… بعكس الحاضر الذي سهّلت وبسطت فيه التكنولوجيا العمل؟
نعم… عمل المخرج ليس فقط بإتقان الأجهزة لأن المخرج مخرج برؤيته وطريقته بالعمل وبتسلسل المواد والأفكار وبحركات الكاميرات، وليست الرؤية أو الفكرة بأننا وضعنا ديكوراً جميلاً وندور حوله بالكاميرات واللقطات.
إذاً من أسس التلفزيون السوري كانوا مبدعين.. والناهضون اليوم هم موظفون؟
فيها وجهة نظر… ولكن أريد أن أشير إلى أمر يتعلق بالإخراج التلفزيوني على التحديد ليس كل من حمل كاميرا وصور بها صار مخرجا، وفي الوقت الحالي على أي أساس يتم الاختيار والتسمية، على زمننا كنا نعمل ونحن على الهواء مباشرة ولم يكن هناك مونتاج فـ«الغلطة بكفرة» واللقطة عندما تظهر يراها الناس ولا يمكن لشيء أن يعيدها أو يصححها، ولكن هناك أمراً يزعجني جداً ويؤلمني….
ما هو؟
استديو قاسيون وغرفة المراقبة الخاصة به والمواد التي كنا نعملها كلّها لم تبق للتلفزيون، فللأسف الشديد أصبح المكان مستودعاً، كان لا بد أن يبقى ذكرى لأن به افتتحنا التلفزيون العربي السوري وكان يُفترض أن يكون مفتوحاً للزوار كيف يعرفون كيف كانت البدايات، وكيف كانت تقدم نشرات الأخبار، والمكان الذي كان يقدم فيه المذيعون البرامج وحتى ممثلو الدراما، لكن للأسف هذا كله انتهى.
هل حصلت معك أمور طريفة؟
كنا نصادف كل يوم أمراً طريفاً، مثلا لم يكن لدينا كأس ماء وفي مرة كنت آخذ معي «ترمس» أضع فيه القهوة وكنت دائماً أقف وأشرب القهوة وأنا أشاهد دمشق من قاسيون وفي مرة سقط من يدي وتدحرج نحو المنازل، وفي مرة دخلت الاستديو أفعى كبيرة، كانت ظروف عملنا صعبة جداً إلا أننا كنا سعيدين جداً.
إذاً طعم الجهد المبذول كان مثل العسل؟
لا بل كان ألذ من العسل، كنا في حالة غريبة نريد أن نقدم الأفضل ونريد أن نعمل ولا يهمنا شيء.
عملت بالترجمة لمجلة الأطفال أسامة؟
نعم عملت بالترجمة لمجلة الأطفال أسامة وكنت أترجم القصص التي أقرأها لابنتي والتي كانت باللغة الفرنسية وعندما شعرت بأنها سعيدة وتحبها أخبرت المسؤول عن المجلة وكان وقتها «عادل أبو شنب» ورحب بفكرتي بترجمة تلك القصص ليتم نشرها في المجلة.
في هذا الوقت وبعده بفترة كانت مجلة أسامة محبوبة ومرغوبة بعكس الوقت الحالي؟
هذا صحيح.. ولكنني للأسف وفي الوقت الحالي لم أعد أتابعها.
وبالنسبة للبرامج التلفزيونية المخصصة للأطفال هل هي الآن على القدر الجيد؟
«فاتنة محمد» عفوية وكانت تجمع الأطفال حولها دائما، والكل كان يناديها ماما فاتنة، وكان ما تقدمه للأطفال جيد ومؤثر وكان لديها سرعة بديهة عالية في التعامل معهم وسؤالهم.
كنت مخرجة ولكن في بعض البرامج الأخرى شاركت بالإعداد إلى أي مدى الإعداد مهم للمذيع والمخرج، وخصوصاً المذيع اليوم حاله حال الببغاء؟
نعم الإعداد مهم جدا، في بدايات التلفزيون كنت أشاهد التلفزيون اللبناني، والذي كان في بداياته أيضا، وقتها المذيع كان يشارك في إعداد النشرة والورق الذي بين يديه يساعده كي يتصرف بحرية ويتلافى المواقف والأخطاء وأن يعبّر بطريقته، بعكس ما يُتبع في بعض البرامج سواء الإخبارية وغيرها، وفي الوقت الحالي المذيع يقرأ ما هو مكتوب وأنا لا أرى أمراً جيداً لأن هذا يحد من قدراته على النقاش.
بالرغم من أن التلفزيون اليوم وفرّ كل ما هو ممكن لماذا فيه تراجع….
في الوقت الحالي الاهتمام بالشكل ولا اهتمام بالمضمون، ليس الجميع، ولكن هناك نسبة كبيرة للأسف، ولا ضرورة للاهتمام بالجمال الخارجي والتكلف بالأزياء والعادة المتبعة اليوم هي البعد عن البساطة وهذا أمر جداً خطر.
ماذا تقولين للناهضين بالتلفزيون السوري بالوقت لحالي؟
ما أريد قوله بأنني قضيت عمري كمخرجة لبرامج التلفزيون السوري وقضيت عمري وأنا أحاول أن أقدم الأفضل ولليوم إذا كان بإمكاني العمل فسأسعى بكل قوتي أن أقدم الأفضل… أتمنى أن يتمثلوا بي وليعملوا بحب ويبتعدوا عن السعي المادي البحت والبعيد عن الرغبة في العمل ومحبة العمل.
قدمت لسورية الكثير.. ماذا تريدين منها أن تعطيك؟
أنا سورية بامتياز ودمشقية بامتياز وسورية حبيبتي والتي أريد منها أن تعود أحسن مما كانت.