ثقافة وفن

كيف تجعل طفلك يقرأ؟

| هبة اللـه الغلاييني

هل يفضل طفلك اللعب بالألعاب الالكترونية أو مشاهدة مسلسل كرتوني على قراءة قصة أو كتاب؟
إن تحضير الأطفال على القراءة يعد واحداً من أكثر المهام صعوبة على الوالدين، في وجود أسباب لا تعد ولا تحصى، تجعل أطفال اليوم لايحبون القراءة فهناك الكثير من التحديات والمغريات في وجود الأجهزة الترفيهية الحديثة التي تستحوذ على انتباه الطفل، وتبدو بالنسبة إليه أكثر تسلية من مطالعة كتاب.

وهذا يستلزم من الأهل بذل جهود مضاعفة لحث أطفالهم على القراءة. يقول الدكتور وضاح أومري، عن تجربته الشخصية في هذا الصعيد: «أدرك أهمية القراءة في تنمية قدرات أطفالي وتوسيع آفاقهم. لذا أحرص على شراء كتب لهم في جميع المجالات، مع التركيز على تلك التي تناسب اهتماماتهم، فهذا ينمي لديهم حس البحث العلمي، كما أتابع كل ما يقرؤونه بسؤالهم عن الموضوع أو مناقشتهم فيه بصورة شائقة. بمعنى أني أخلق بيني وبينهم نوعاً من الحوار، نقضي من خلاله أوقاتاً ممتعة في التحدث عما أطلعوا عليه، الأمر الذي يشجعهم باستمرار على مطالعة كتاب جديد».
«كي يصبح الفرد قارئاً جيداً، لا بد أن يتعود القراءة منذ طفولته» هذه هي القناعة التي تؤمن بها رغدة الحسن (مهندسة، وأم لثلاثة أطفال) وهي القناعة التي غدت دافعاً لها، لأن تبدأ رحلة تعويد أطفالها القراءة وتحضيرهم لها منذ سن مبكرة، وتحكي عن تجربتها قائلة: منذ عمر 6 أشهر بدأت القراءة لهم، ومازلت أواصل القراءة معهم، فأنا أقرأ معهم كل ليلة قصة قبل النوم. ووجدت من خلال تجربتي، أنه بعد قراءة كتاب أو كتابين للطفل من سلسلة كتب شائقة ومناسبة لعمره، سوف يندفع تلقائياً إلى إكمال السلسلة منفرداً مدفوعاً بفضوله وتشوقه لمعرفة المزيد. وتؤكد رغدة الحسن أنها استفادت كثيراً من سلسلة (المكتبة الخضراء)، حتى إن أطفالها يتنظرون وقت الاستعداد للنوم بشغف لسماع القصة الجديدة، وتعقب بالقول: ابنتي الكبيرة (6سنوات) تقرأ بنفسها الآن، وأستطيع القول إنني نجحت في مهمتي معها وصنعت منها قارئة صغيرة، لكن رغدة تقول إن هناك عقبات تواجه الأبوين في هذا الصدد، منها وجود أزمة في كتب الأطفال الجيدة من حيث المحتوى أو الصور، وخاصة فيما يتعلق بمكتبة الطفل العربية، حيث تبدو الكتب المكتوبة باللغة الإنكليزية (للأسف) أكثر عمقاً وذات صور أكثر جاذبية للطفل، مقارنة بالكتب المنشورة باللغة العربية.
وتقول: (رندة العلوي) وهي ربة بيت وأم لطفلين: (إن عزوف الأطفال عن القراءة يمثل خطراً كبيراً يهدد حاضرهم ومستقبلهم) أما السبب وراء عزوف الأطفال عن القراءة، فهو عائد بحسب ما تقول رندة: «لقد تراجع الوعي عند كثير من الأسر، بأهمية القراءة في تنمية عقول أطفالهم والارتقاء بمعارفهم ومهاراتهم. عدا دور القراءة في تحسين المهارات اللغوية لدى الطفل، وامتلاكه لساناً عربياً سليماً، وبالتالي يتمكن من التواصل مع الآخرين بشكل فعال ومؤثر، وتزداد علاقاته الاجتماعية متانة، كما تلفت رندة إلى أهمية عدم تعويد الطفل الجلوس فترات طويلة أمام التلفزيون، وترشيد استعمال الأجهزة الالكترونية حتى يتعلق بالقراءة كوسيلة أساسية للترفيه. وتختم بالقول» أنا لا أسمح لطفلي باستعمال الألعاب الالكترونية إلا ساعات محددة في الأسبوع، لذا، هما يلجأان إلى الكتاب لسد أوقات فراغهما»…
أما بالنسبة للأطفال الذين يقرؤون يقول (محمد الشعار)، (12) عاماً «أنا أفضل الكتب التي تتحدث عن الأجهزة الالكترونية، وخاصة كيفية عمل الروبوتات، وبرمجتها بالتفصيل، والدي يحدثني دائماً عن أهمية القراءة، وأنني إذا داومت عليها فسأصبح رجلاً ناجحاً في المستقبل، ويضيف: «أحب القراءة لأنها تعطيني معلومات جديدة عن أشياء كثيرة في الحياة، وبواسطة القراءة أتعلم معاني لكلمات كثيرة، وأيضاً أستطيع زيادة حصيلتي من المفردات الجديدة».
تعشق «شهد ياسين» (11 عاماً) الكتب التي تتحدث عن قصص الأميرات مثل سندريلا وغيرها، حتى تشير إلى أن «أمي تحثني باستمرار على قراءة الكتب المفيدة» وأنا أقرأ من «IPAD» في كثير من الأحيان، لافتة إلى أن (القراءة تشحن خيالي وتحفزني على دخول عوالم جديدة من المرح والإثارة والتشويق وتمنحني فرصاً متنوعة للتسلية المفيدة. وهي بذلك تجعلني أستغل وقت فراغي خير استغلال، وأجعل وقتي حافلاً بالإفادة والتشويق والتسلية).
بدوره يؤكد سيف الحمصي (10أعوام)، أن لوالده دوراً كبيراً في تحفيزه على القراءة، حيث يجلب له الكتب التي يحب. ويوضح سيف أن الكتب التي تتحدث عن حقائق العلوم والطبيعة تستهويه بشدة، ويضيف قائلاً: «أحب أن أقرأ عن الطبيعة والجيولوجيا، لأن لدي أسئلة كثيرة عما يحدث داخل الأرض. لذا، أنا أحب الكتب التي تتحدث عن هذا الموضوع، وكثيراً ما أخبر أصدقائي عما قرأته وأتناقش معهم حوله. الحقيقة أني أجد القراءة عملاً ممتعاً.
وتقول زينة محمد (9 أعوام): «إن لديها عشقاً خاصاً للحيوانات» وانطلاقاً من ذلك فهي تفضل القصص التي يكون أبطالها من الحيوانات. وتضيف (أمي كانت تقرأ لي قبل النوم القصص التي أحب وهذا جعلني أتعلق بالكتب وأصبحت الآن أقرأ بنفسي، أنا أحب القراءة، وأقضي من خلالها وقتاً ممتعاً» وفي رأي زينة أيضاً، أن القراءة تجعلها تتعرف إلى العالم وكيف تتعامل من الناس على اختلاف ثقافاتهم، كما أن القراءة تجعلها تتعرف إلى تاريخ الشعوب والبلدان، وتساعد على التعرف إلى أصدقاء جدد. وتشير الدراسات إلى أن الطفل الأميركي يقرأ أحد عشر كتاباً سنوياً في حين كل عشرين طفل عربي يقرؤون كتاباً واحداً. وهناك كتاب وأدباء ومبدعون، كانت القراءة منذ الصغر مفتاحاً لدخولهم عالم المعرفة باكراً. تقول الكاتبة الصحفية (السعد المنهالي) رئيسة تحرير مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية: (إن الدور الكبير الذي يقوم به الأهل في تشجيع أطفالهم على القراءة له دور فعال، من خلال ممارسة القراءة اليومية معهم والحرص على اختيار الكتب المناسبة القادرة على توسيع مدارك الطفل. وتوضح الكاتبة (إن كتب الأطفال يجب أن تتميز بالامتاع وشد الانتباه، وذلك بأن تكون مصورة وقادرة على مخاطبة قلوب وعقول الأطفال، وإن تتميز بالأصالة والإبداع واللغة الجميلة وغيرها من السمات التي ترفع قيمة الكتاب، وعن تجربتها في مرحلة الطفولة التي جعلت منها قارئة مهمة وكاتبة ومؤلفة تقول «كل ممنوع أو غريب هو مرغوب. الكتب الممنوعة والغريبة كانت مغرية جداً وجاذبة، كأنها مغناطيس يشدّك لتغوص في عالم القراءة التي حولتني فيما بعد إلى شخص لا تستقيم حياته إلا بممارستها وتعقب بالقول: «بسبب قصص الجن والعفاريت اشتعلت شرارة الفضول معرفة في نفسي فالتهمت ما وقع بين يدي من قصص ألف ليلة وليلة، أنطلقت رحلتي مع مغامرات الجيب والقصص البوليسية والكتب السياسية التي قالوا إنها ممنوعة وقد تحولت لدراسة العلوم السياسية لأفهم لماذا هي ممنوعة؟ الآن وبعد كل هذا العمر تحولت تماماً عن كل هذه الأنواع من القراءات إلى القراءات الأدبية والفكرية والفلسفية».
إذاً يمكننا أن ندفع طفلاً إلى أن يترك كل شيء ويمسك كتاباً فيه أوراق كثيرة ويكمله، من خلال إثارة فضوله وشغفه ليكتشف كلما قرأ أكثر، مكامن الجمال بأن يجعل من الكلمات والورق أداة لخلق الخيال وتلوين جفاف العادي، وكلما قرأ أكثر زاد شغفه وفضوله ورغبته في القراءة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن