من دفتر الوطن

إيدز من نوع آخر

| حسن م. يوسف 

أين كان يختبئ لنا كل هذا «البلاء»، «السواد»، «الوسخ»؟ إلخ.
لست أعرف عدد الأشخاص الذين طرحوا عليَّ هذا السؤال خلال السنوات القليلة الماضية في مختلف أنحاء بلدي الحبيب سورية، لكنني أستطيع القول إنهم بالعشرات إن لم يكونوا بالمئات. والحق أن إجاباتي كانت تختلف باختلاف الظروف وطبيعة علاقتي بصاحب السؤال، لكنني في كل مرة كنت أعيد التفكير بالسؤال والإجابة، وإليكم خلاصة ما توصلت إليه.
يحلو حتى للعقلاء منا أن يقولوا إن ما تتعرض له سورية هو حرب كونية، بعضنا يبررها بمطامع الدول القوية بنفطنا وغازنا وبعض آخر يرى إليها كحلقة في المشروع الاستعماري العالمي والصهيونية منه في المركز. وفي كل من هذين الرأيين الكثير من الصحة لكنهما كلاهما لا يعبر عن حقيقة الوضع برأيي المتواضع.
من المعروف أن الجراثيم والفيروسات موجودة دائماً وفي كل مكان، داخل أبداننا وعلى أجسادنا وفي الأوساط التي نتحرك بها، لكن نظامنا المناعي يتمكن من صدها وتحييدها. والحق أنه ما كان من الممكن لفيروسات التآمر الخارجي أن تدخل إلى جسدنا الوطني بهذا الشكل المأساوي لو كان مجتمعنا يتمتع بالمناعة الطبيعية الكافية.
تعلمون أن نقص المناعة المكتسب المسمى (بالإنجليزية: AIDS؛ وبالفرنسية: SIDA) هو مرض فيروسي وبائي تؤدي الإصابة به إلى التقليل من فاعلية الجهاز المناعي للإنسان بحيث يصبح عرضة لمختلف أنواع الأمراض. وتدلل الإحصائيات أن عدد المصابين بالإيدز في مختلف أنحاء العالم يزيد على خمسة وعشرين مليون شخص وقد أودى الإيدز بحياة نحو ثلاثة ملايين شخص من بينهم نحو نصف مليون طفل.
ما أود قوله هو أن مجتمعنا مصاب بإيدز من نوع آخر يمكن تسميته نقص المناعة الوطنية.
دعونا نعترف أن أعداءنا استثمروا في الشخصية النمطية التي قام نظامنا التعليمي ببنائها، فنحن ربينا أطفالنا على ترديد الشعارات بدلاً من فهم الأفكار، فجاء أعداؤنا واستثمروا آلية التكرار التي ربينا أجيالنا عليها مستبدلين الشعار بشعار مضاد والهتاف بهتاف مناقض: وقد تمكنوا من تحقيق هذه النقلة بسهولة لأن تكرار الشعارات لم يحولها إلى قناعات بل حولها إلى إجراء طقوسي يومي تم استبداله بسهولة بإجراء طقوسي آخر!
وما سهل على خصومنا استمالة من تعلموا في مدارسنا هو اعتمادنا على التلقين لا على الإقناع. فنحن لم ننجح في إقناع الطالب أن التمثال ليس صنماً لذا ظل ما علمناه إياه مجرد قشرة برانية. فالرؤوس التي فشلنا نحن في ملئها بحقوق المواطنة وواجباتها وقيم الحق والخير والجمال، جاء من ملأها بالأفكار الفاسدة المربحة.
دعونا نعترف أن أعداءنا قد استثمروا في جهل أبنائنا فحول الواحد منهم نفسه من شخص بسيط يبحث عن فرصة عمل تؤمن له لقمة عمل كريمة إلى مستثمر في جهله وخاصة أن الأمر لا يتطلب شيئاً سوى أن يرسل لحيته وأن يلغي الخلايا الفعالة في عقله.
وخاصة أن التنظيمات الفاشية تمكنت من خلال ارتباطها بالدول النفطية الغنية أن تقدم لمقاتليها العاديين الذين لا يملكون أي شهادات أو مؤهلات رواتب تعادل رواتب أساتذة الجامعات المخضرمين.
دعونا نعترف أننا لم ننجح في تحويل الشباب إلى شركاء للدولة من خلال تقديم فرص عمل لهم. كما فشلنا في إدخالهم إلى الحياة المعاصرة لذا كان من السهل لهم أن ينكصوا إلى الماضي لأنه ليس لديهم في الحاضر ما يخسرونه فتحولوا بسهولة إلى خوارج.
أما الإخفاق الأكبر فقد كان من نصيبنا نحن أصحاب الفكر البديل المختلف، فبعضنا تلطوا خلف شعارات الحداثة والتنوير والعلمانية والمجتمع المدني… إلخ ثم تبين أنهم مجرد أصحاب دكاكين، «مبدؤهم» الوحيد جمع المال وتنمية الأنا المريضة المتضخمة.
دعونا نعترف أن نظامنا التعليمي بحاجة إلى إعادة بناء وأننا لم نحسن الاستثمار في الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن