ثقافة وفن

الشعر ضد الأشكال والبلاغة الجاهزة… إنه دهشة يقتلها الشكل قبل أن يتحقّق كقصيدة … رشا معتز الخضراء لـ«الوطن»: إيحاء الشعر جعلني أنحاز إلى كتابته

| سوسن صيداوي

الاسم لشاعرة وصحفية وبين الاثنين هي مدرسة لمادة اللغة العربية، رشا معتز الخضراء حاصلة على شهادة البروفيل للغة الإنكليزية من الجامعة البريطانية، اختارت الشعر مرآة لما يتماوج داخلها من مشاعر وأحاسيس، نتاجها الشعري للآن ستة دواوين شعرية وآخرها… فلسطينية أنا.. وأوراق على جدار الزمن، كل ما يتعلق باللغة العربية يعينها والعمل في مجاله من رغباتها الملحة فاتجهت نحو التدقيق اللغوي للعديد من الأعمال التلفزيونية، كما عملت كمعدة لبرامج أطفال بعنوان ميمو والعم فرحان، وبرنامج حكايا وعبر للأطفال، وكتبت في العديد من الصحف والمجلات العربية، وهي منتسبة إلى اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين في سورية.

أي حب دفعك لكتابة الشعر وأنت في المرحلة الثانوية؟
القصيدة تمر بشفافية عالية من الاحتدام الإبداعي بين جميع العناصر المكوّنة لبنائها، الموهبة، الوحي، الإلهام، المعرفة، الحلم، اللغة، البلاغة، الفكر، الفلسفة، التاريخ، الجغرافية، الرؤية، الإحساس، الجمال، الإيقاع، الرؤيا، الحدس، الموسيقا، الصّور والحواس الّلا متناهية.. وكل ما سبق لا يحتاج، ليكون هناك، حب، قد تعرضت له، وإنما ما ذكرت من مشاعر حول الكتابة لها وقع صدق في نفسي، أكثر ما يكون قد دفعني للكتابة موضوع الحب، لأن الكلمة وفنونها ليس لها وقت محدد في حياة الشاعر.
بمن تأثرت من الشعراء؟
أنا منحازة بقراءاتي للشاعر جبران والشاعر توفيق زياد ومحمود درويش وفدوى طوقان.

لماذا التزمت في كتابة الشعر دون غيره من الأساليب الأدبية؟
الشعر لديّ شكل من أشكال الفن الأدبي في اللغة، التي تستخدم الجمالية والصفات، إضافة إلى، أو بدلاً من، معنى الموضوع الواضح، وقد تكون كتابة الشعر بشكل مستقل، وقصائد متميزة، أو قد تحدث جنباً إلى جنب مع الفنون الأخرى، كما في الدراما الشعرية، التراتيل، النصوص الشعرية، أو شعر النثر، أما من الناحية المعنوية فإن الشعر مأخوذ من كلمة الشعور أي الإحساس، وعادة يحاول الشعر إيحاء أو زرع بعض الأحاسيس أو المشاعر في القارئ هذا هو السبب الرئيسي الذي جعلني أنحاز إلى كتابة الشعر بعيداً عن غيره من الأساليب الأدبية الأخرى.
التدريس نبله مثل نبل الشعر… هل كان وما زال التدريس يغذي قصائدك؟ وماذا يعني التدريس لك؟ وهل من تلاميذك من يأخذ رأيك بقصائده أو خواطره كمدرسة للغة العربية وكشاعرة في ذات الوقت؟
بما أنني مدرسة لمادة اللغة العربية هذا الجانب عزّز لدي صلتي القوية بالشعر وبفن النقد، وغير ذلك فإنني أشجع طلابي على الكتابة، وإلى الآن هناك الكثير من يتواصل معي على مواقع التواصل الاجتماعي من هؤلاء الطلاب لتدقيق قصيدة أو خاطرة مكتوبة، كما يمكنني أن أطلق عليهم لقب «أصحاب الأقلام الواعدة»، وهذا طبعاً جاء نتيجة حبي للتدريس لأن اللغة العربية لديّ جوهر وبوتقة تضم مفردات الشعر.

شاركت في إعداد برامج الأطفال.. ماذا تعني لك الطفولة؟ وأين الطفولة العربية بقضاياها في قصائدك؟
الطفولة ذاك العالم السحري الذي يستدرجك للابتسامة لحظة أن تتذكره حتى وإن شابته بعض مظاهر الشقاء، تبق صوره نقية تشع صدقاً مهما توالى الزمن أو عششت فيه حوادثه، اتخذ البراءة له عنواناً، ومن الطهر حاك جلبابه، أوجد في كل واحد منا مخلوقاً صغيراً وسماه طفلاً، لا يكبر كما نكبر، ولا يعتريه التغيير الذي يعتري بني البشر، يرعاك وأنت لا ترعاه، تستحضره كلما دعتك الحاجة إلى التمتع بسحره فيرسم ابتسامة صافية على محياك، وربما استرد لك فرحة طالما تمنيت أن تأتيك، هذا الكائن الذي تأوي إليه عندما تُثقل صدرك الهموم فيداويها، أو إذا دثّرتك وحشة الطريق فيصاحبك، أو إذا أدمعت عينك الظروف شرب دمعتك، هذا كله ما دفعني في ديواني الجديد الذي هو قيد الطباعة، إلى أن أتغنى بطفولة أبنائي.

هل كل شاعر فلسطيني معني بشعر المقاومة… أم الحالة هي التي تفرض نفسها؟ وكيف هي الحالة الفلسطينية والقضية لديك؟
الحالة التي تراود الشاعر لديّ هي التي تفرض نفسها على الورق، فأنا كشاعرة أي موقف يعتريني أو أي مشهد يثيرني يدعوني إلى ملامسة ورقتي، أما عن وضع القضية الفلسطينية وكما هو مفروض على أرض الواقع فنجح الفلسطينيون في تحريك الانتفاضة، ونادوا بالأرض مقابل السلام، إلا أن الإيديولوجية الصهيونية تشكل عائقاً أمام حصول الفلسطينيين على حقوقهم.

باعتبارك عضواً في اتحاد الكتاب الفلسطينيين في سورية. هل أنت راضية عما يقدمه الاتحاد للكتاب؟
أنا عضو لاتحاد كتاب فلسطين منذ أكثر من ثماني سنوات، وهذا فخر لي لأن هيئة الاتحاد تقوم بواجبها، بدءاً من ندوات حول فنون الأدب وانتهاءً بتكريم الأدباء، كما أنني أرى أن انتمائي لمثل هذا الاتحاد يعطيني قوة وصلابة لحب أرضي فلسطين، لأن روح المحبة والتآخي والكلمة الموحدة وحب الصمود والرؤية نحو فجر نصر قريب هو ما يجمع عليه أعضاء الاتحاد في كل اجتماع دوري لهم.
يُلاحظ أن قصيدة النثر بدأت بالانحسار لحساب شعر التفعيلة، الذي ما يزال يؤكّد جدارته الفنية، من حيث الشكل، في استيعاب الطموحات الشعرية لدى الكثيرين من الشعراء العرب المعاصرين. ما رأيك؟
بصراحة لا ألحظ ذلك، فنظرة سريعة إلى المجلات الأدبية والصفحات الأدبية في الصحف اليومية، على سبيل المثال، تجعلُنا نكتشف دون عناء أن أكثر من 80% ممّا يُنشر من شعر ينتمي لحقل قصيدة النثر، هذا من وجهة نظري الخاصة، وهذا طبعاً لا يُلغي الجزء الثاني من فرضية السؤال الذي يقول إن «شعر التفعيلة ما يزال يؤكّد جدارته… إلخ»، فأنا أيضاً مؤمنة بذلك، ولكنني أيضاً مؤمنة بأن قصيدة النثر قد أكدت جدارتها على هذا الصعيد، وقبلهما القصيدة العموديّة، وأنا هنا لا أحاكم الشكل، ولا أنحاز تقييمياً لشكل على آخر، وإن انحزت إبداعيّا مثلاً لشكل معيّن، شرط ألا يكون شكلاً جاهزاً قبل تكوّن القصيدة.

أيضاً ثمة انحسار آخر للشعر العمودي، الذي يكاد يختفي عن الأنظار، ولا يظهرُ للعيان إلا في بعض المناسبات الرسمية والتظاهرات الوطنية.
هذا أسوأ ما في الأمر، أعني أن يرتبط شكل معيّن من أشكال الكتابة الشعرية بموضوعات بعينها، كأن ترتبط القصيدة العموديّة بما يسمّى القصائد الوطنية، وقصائد المديح تحديداً. لعل هذا أحد أسباب الانحسار الذي يشير إليه السؤال، الشعر ضدّ الأشكال الجاهزة، وضدّ البلاغة الجاهزة، بل هو ضدّ كل ما هو جاهز وناجز مسبقاً، الشعر دهشة متناسلة عن بعضها البعض، ولا يقتله أكثر من أن يجد نفسه محاصراً بالشكل، قبل أن يتحقّق كقصيدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن