ثقافة وفن

الفنان الحقيقي لا يقف لحظةً واحدة عن صقل نفسه … «أويس مخللاتي» لـ«الوطن»: شخصيّة «جابر» في «نص يوم» نجحت نتيجة عملٍ مستمر وتفانٍ جماعي

| عامر فؤاد عامر

عرفته شريحة واسعة من الجمهور في شخصيّة «جابر» التي أتقنها في مسلسل «نص يوم»، وعلى الرغم من سلبيّة هذه الشخصيّة التي يدور فلكها بالمجمل في الشرّ، إلا أن الجمهور أحبّ هذه الشخصيّة لتترك طابعاً لافتاً لديهم، لكنه الممثل الناجح على خشبة المسرح، فقد تابعناه مجسّداً عدداً من الشخصيّات في عروض المعهد العالي للفنون المسرحيّة خلال سنوات دراسته فيه، فكان متقناً لما يصنع. الفنان «أويس مخللاتي» يحدثنا عن تجربته الأخيرة وما أضافت إليه كفنان جادّ يسعى ليثبت نفسه ويحقق طموحه، فكان هذا الحوار عبر «الوطن»:

هل توقعت أن يكون في رصيدك كلّ هذا النجاح الذي حصدته من مسلسل «نص يوم»؟
في الواقع لا يمكن لأي فنان أن يتوقع نتيجة مسبّقة لعملٍ فنيّ، سواء كان لوحة رسمها أو مسرحيّة قدّمها أو عملاً تلفزيونياً كان أم سينمائياً، فهناك حكمٌ هو من يُصدر النتيجة النهائيّة، وأقصد الجمهور، أي المتلقي لهذا العمل الفنيّ، فهو من يعطي النتيجة الحقيقيّة للعمل، وليس رأي الفنان الشخصي في عمله.

إلى ماذا تعزي هذا النجاح؟ هل بسبب طبيعة المسلسل أم التدريب والتحضير قبل الوقوف أمام الكاميرا أم هو استحقاق لك أم الحظ لعب دوره معك؟
برأيي ليس للحظ مكان للعب في هذه الحياة، إنما هو عمل دؤوب، ومستمر، وجدّ، ونشاط، حتى لو كان على الصعيد الفكري والنفسي، ومن ثمّ قليل من الحظ، كسندٍ يؤمن به، ليصل الإنسان مبتغاه من كلّ عمل، بعد بذله الطاقة والوقت من أجل تحقيقه؛ فمن المؤكد أن نجاح عمل «نص يوم» بشكلٍ عام، ونجاح شخصيّة «جابر» في هذا العمل جاء نتيجة عملٍ مستمر، وتفان جماعي، كان واضحاً ابتداءً من الكواليس وصولاً إلى دقائق عرضه الأخيرة.

كيف تصف لنا متابعة الجمهور لمسلسل «نص يوم» في لبنان؟ وردّة الفعل على «جابر» وهي شخصيّة سلبيّة في المفهوم الفنّي؟
لم أتفاجأ بردّة الفعل الإيجابيّة من الجمهور في لبنان، على العكس تماماً، بل زادني إيماناً بأن حبّي للشعب في لبنان، الذي لطالما كنت وما زلت أؤمن بأنه شعب الحبّ، والحرب، والمشاعر، والإنسانية، والفنّ، والموسيقا، لم يذهب سدى، فعلى الرغم من الشرّ الكامل الذي قدّمته في شخصيّة «جابر» بمسلسل «نص يوم» إلا أنه لاقى إقبالاً ورواجاً في الأوساط اللبنانيّة، سواء كانت فنيّة أم اجتماعيّة مدنيّة، وهذا شعور متبادل، يتمناه كلّ فنان من الشعب الذي يعيش ويحيا بين جموعه، ويأكل من خبزه، ويشرب من مائه، ويتنفس من هوائه، منذ ثلاث سنوات وأكثر.

حدّثنا عن تعامل الفنانين «تيم حسن»، و«نادين نجيم» معك، أثناء التصوير؟
في البداية وقبل أن ألتقي كلاً من الفنانة «نادين نجيم» والفنان «تيم حسن» كنت قلقاً، لأنهما نجمين حقيقيّين على الساحة الفنيّة العربيّة، وأنا أخطو خطواتي الأولى بين نجوميّتهما. لكن ما تفاجأت به هو تعاملهما الطبيعي جداً في الحياة، والاحترافي جداً أثناء العمل. فكانت «نادين» في الحياة بمنزلة أخت غالية على القلب، وكان «تيم» هو الآخر بمنزلة أخ، وصديق عزيز على القلب، وهذه الأخويّة الطبيعيّة في الحياة، هي ما توصل العمل مع فريقه الكامل، من فنييّن وطاقم إخراج وكتابة إلى ما وصلنا إليه اليوم من نجاح.

وماذا عن المخرج «سامر برقاوي»؟ ما الذي تودّ قوله وهو ربّان العمل؟
الأستاذ «سامر» كان قائداً حقيقيّاً لعمل «نص يوم»، فمنذ الرسالة الأولى التي أرسلها لي عبر «الفيس بوك»، وبعد ذلك اللقاء الأوّل، فالثاني، اللذان كانا بمنزلة فحصٍ أو تيست لي. وعلى ما أعتقد نشأت بيننا علاقة أخويّة تارةً، ومهنيّة احترافيّة تارةً أخرى، وتنامت هذه العلاقة على طول فترة إنجاز العمل، واستمرت الأخويّة الحقيقيّة إلى ما بعد إنجاز العمل. هذا دعاني لاستنتاج شخصي له علاقة بالإيمان أكثر مما كنت أؤمن بأن الفنّ الحقيقي يحمل رسالة روح الجماعة، تحت قيادة ربّان سفينة واحد. أقول شكراً للأستاذ «سامر» على الفرصة التي أتحتها لي، والطريقة الجميلة الاحترافيّة، التي قدّمتني بها.

جسدّت شخصيّات مسرحيّة مهمّة أثناء دراستك، فأنت ابن المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق. حدّثنا عن تلك المرحلة؟
بدأت في المعهد من تمارين اكتشاف الجسد، في السنة الأولى مع الأستاذ «فؤاد حسن» بمساعدة الأستاذة «رغد المخلوف» إلى مجموعة من الأعمال التي كتبها أصدقاؤنا وزملاؤنا من خريجي قسم الدّراسات المسرحيّة، يعالجون بها مجموعة مختلفة من القضايا التي تطرح وتعالج فكرة (جريمة الشرف ). في السنة الثانية درّسنا الأستاذ «فايز قزق» في تحويل قصص «تشيخوف» القصيرة إلى مسرحيّات صغيرة، مع الدكتور «تامر العربيد» والأستاذ «أكثم حمادة»، إلى مشروع ارتجال في السنة الثالثة أيضاً مع الأستاذ «فايز قزق» وحمل اسم «الحكاية الأخرى للسيدة روزالين» وأيضاً كوميديا «ديلارتيه» مع الأستاذ «سمير عثمان»، وشيكسبيريّات الأستاذ «مانويل جيجي» وأيضاً الأستاذ «فيودر بيريفيريزيف» أستاذ مادّة الصوت، والذي أخرج لنا مشروعين أيضاً بمساعدة الأستاذ «أكثم حمادة» وهما (الناس الفقراء) لـ«دوستويفسكي»، و(قصص قصيرة) لـ«تشيخوف»، مع خبير مادّة الليونة الأستاذ المرحوم «ألكساندر ديبا». ومن ثمّ كلل لنا تخرجنا الأستاذ «غسان مسعود» بمسرحيّة «عرش الدّم» على مسرح دار الأوبرا، وكان هذا الوقوف الأول لي على هذه الخشبة الضخمة، ومن ثمّ كان عرض «هطول المطر» مع الدكتور «سامر عمران».

ما قبل «نص يوم» كان «أويس مخللاتي» شيئاً، وما بعد هذا المسلسل أصبح شيئاً آخر، فبماذا تفكّر اليوم أن تصنع؟ هل تحضّر نفسك جيداً للموسم القادم؟
برأيي أن الفنان الحقيقي لا يقف أو يتوانى لحظةً واحدة عن صقل نفسه، والعمل على زيادة معرفته، وثقافته، وهذا لا يأتي برأيي فقط من الكتب، إنما هناك أيضاً خبرة الحياة، والشارع الذي لا يجب أن نغفل عنه. فنحن كفنانين نحمل رسالة، كما يقال في العادة، وليست فقط الكتب هي من تصقل، إنما الشارع أيضاً فيه الكثير من الآلام والأوجاع، والحالات الغريبة والعجيبة، من الممكن أن تفتقدها الكتب في بعض الأحيان، وهذه الأمور بحاجة أيضاً لعلاج وطرح ومساءلة، وهذه القضايا الملقاة وخاصّة في السنوات الست الأخيرة على أزقة الطرقات، وعلى حواف الأرصفة وتحت شوادر الأمطار والثلوج، فمن واجب الفنان الحقيقي النظر إليها، ومعالجتها بقدر المستطاع، سواء أكان علاجاً فنياً أم إنسانيّاً أم اجتماعيّاً أم توّعويّاً؛ فبالطبع دائماً أحضر نفسي لما هو واقع، وما هو قادم، وعلى جميع الصعد.

كلمة لمحبيك في سورية ولصحيفة «الوطن»؟
أُرسل رسالة من سوري يعيش وسط الزحام اللبناني، المملوء صدقاً بتفاصيل الحرب، والحبّ والحياة، والسلام، والموسيقا، ووسط كلّ ما يجري، ويدور حولنا من أحداث، ووقائع في عالمنا العربي خاصّة، والعالم بشكّلٍ أجمع، نحن شعبٌ واحد، وجلّ من لا يخطئ سواء نحن أخطأنا في ماضينا أم هم أخطؤوا في ماضيهم، لا علاقة لإنسانية الشعب السوري، وإنسانية الشعب اللبناني بتفاهات، وترّهات السياسة، والدّين، والحرب الهدّامة إذا أمكننا القول، نحن شعوب تحبّ الحياة، وتحبّ الموسيقا، وتحبّ الفنّ، وتحبّ العمار لا الدّمار، وأدعو كلّ من لديه نظرة، أو لمسة، أو همسة إنسان بداخله، عدم اتباع أي إشاعة تُقال، أو تُبثّ، من أو عن الطرفين سورياً كان أم لبنانيّاً، والنظر بعين المعرفة، والحقّ، وبكلّ ما أوتينا من قوّة، إلى أننا بشرٌ ولسنا سلعة تجاريّة تُباع وتشترى، كما أننا اليوم في حربٍ، مرّ إخواننا اللبنانيون بحربٍ شبيهة بمرارة الطعم الذي نذوقه، لننظر إلى أنفسنا وجيراننا بعين الحبّ. من يفخخ، ويفجّر ويُدمر سواء كان سورياً أم لبنانيّاً فهو ليس منا، ولا يشبهنا، نحن دعاة حبّ لا حرب، نحن دعاة سلام لا تقطيع رؤوس. من سوري في لبنان كلّ الحبّ من لبنان إلى سورية وأنا أوصل حبّكم إلى لبنان، واللبنانيين. تحياتي لكلّ الشعب السوري ولجريدة «الوطن» وأعاد اللـه أوطاننا، وأهالينا، وشعوبنا إلى خير خير المبتغى والسلام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن