اقتصاد

العقاري يمنح قروضاً استهلاكية

| علي محمود محمد 

وقّع المصرف العقاري والمؤسسة العامة الاستهلاكية اتفاقاً يتضمن قيام المصرف بتقديم قروض للعاملين في الدولة لشراء سلع معمرة منتجة محلياً من المؤسسة بسقف 300 ألف ليرة سورية وفائدته 13 بالمئة سنوياً والحد الأقصى ثلاث سنوات، وذلك لتشجيع قيام الشركات الصغيرة والمتوسطة في أقرب وقت.
ومن ثم نلحظ التناقض الواضح فالنهوض بواقع قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتحفيزها على الاستثمار اعتماداً على قدراتها الذاتية واستناداً إلى دعم حكومي معزز بمنح تمويل لهذه المشروعات يعتبر حجر الأساس لتمكينها من البدء في الإنتاج والتشغيل لأن نقص الإنتاج بات اليوم شكلاً من أشكال الفساد.
صحيح أن القروض الاستهلاكية تمكّن العاملين في القطاع العام من اقتناء حاجياتهم الكثيرة والمتزايدة، وأنّ هذه القروض يراها المواطن السوري «ملحة» لتغطية عجز ميزانيته الضئيلة مقارنة بغلاء الأسعار وارتفاع نسبة التضخم، فأسعار المنتجات (بما فيها السّلع المعمرة) ازدادت بشكل هائل خلال سنوات الأزمة التي تمر بها سورية سواء المنتج الوطني أم الأجنبي المستورد، وهو ما يعتبر سبباً جوهرياً في اللجوء لهذه القروض الاستهلاكية رغم تكاليفها العالية التي قد يعجز المواطن عن سدادها.
من ناحية أخرى، يشكل القرض الاستهلاكي في المرحلة الحالية نكسةّ للاقتصاد الوطني لكونه يشجع على الاستهلاك دون الإنتاج، ناهيك عن مخاطره وعدم تسديد نسبة مهمة من المستفيدين لهذه القروض والغياب الكلي لثقافة الاستهلاك في مجتمعنا وما ينتج عنها من شراء غير عقلاني للسلع وما يقابله من تبذير كبير.
وبالمحصلة فهذه القروض الاستهلاكية التي أعلن عنها المصرف العقاري تسهم في تلبية الاحتياجات الفردية على المستوى الضيق، إلا أن ضررها على الاقتصاد كله يفوق إيجابياتها المحدودة والمتمثلة ربما في تسويق السلع المعمرة المنتجة محلياً عبر المؤسسة العامة الاستهلاكية.
ومن ثم فربط القدرات التمويلية للمصارف الحكومية (ولا سيّما المصرف العقاري والتجاري) بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة وتوفير الدعم للإنتاج والصادرات وإعطاء الأولوية والمزايا لهذه الشركات هو ما تحتاجه سورية في الوقت الحاضر تمهيداً لفترة مقبلة يكون فيها الإنتاج والصناعة العمود الفقري لاقتصاد معافى، ماضياً بثقة وقوة لرفع معدلات النمو الاقتصادي وتحسين المؤشرات الاقتصادية كافة وصولاً إلى تحقيق تحسن واضح وملموس في مستوى معيشة المواطن.
من هنا فمن واجب الحكومة على الفور أن تقوم برسم السياسات اللازمة لتطوير قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بما يعزز مساهمتها في الاقتصاد الوطني ويتلاءم مع خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة في سورية، وخاصةً لما تتمتع به من خصائص يأتي في مقدمتها سهولة تأسيسها وانخفاض قيمة رأس المال المطلوب لذلك، وسهولة إجراءات تكوينها وانخفاض مصروفاتها الإدارية، والأهم من ذلك أن هذه المنشآت تستطيع استرداد رأس المال المستثمر خلال فترة قصيرة نظراً لارتفاع معدل دوران البضاعة والمبيعات مما يمكنها من التغلب على طول فترة الاسترداد لرأس المال المستثمر فيها ويقلل بالتالي من مخاطرها.
فالأحرى بالمصرف العقاري وبتوجيه حكومي ضخ هذه السيولة لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي سيكون لإقلاعها الأثر الكبير في الاقتصاد الوطني في هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها البلد بدلاً من إنفاقها على الاستهلاك.
محلل اقتصادي ومالي

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن