سورية

الرئيس التركي يعوِّل عليها لتعزيز موقفه أمام بوتين … التحالف السعودي القطري التركي يؤكد وقوفه وراء «ملحمة حلب».. وأردوغان: «المعارضة» خلقت «توازناً» جديداً

| الوطن- وكالات

لم يخف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقوفه خلف مجريات الأوضاع في حلب، في وقت يستعد فيه للاجتماع غداً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وذكرت مصادر مقربة من المعارضة مطلعة على بواطن الأمور لـ«الوطن»، أن الأتراك تناسوا خلافاتهم مع السعوديين بشأن محاولة الانقلاب الفاشلة على أردوغان، وحول سبل التعامل مع العملية السياسية ومحادثات جنيف، وقرروا تعزيز التعاون فيما بينهم من أجل رد التقدم الذي حققه الجيش العربي السوري وحلفائه في حلب، وقطعهم طريق الكاستيلو قبل نحو شهر.
ويعول أردوغان على ما سماه «التوازن الجديد» الذي خلقته «المعارضة» في حلب، من أجل تعزيز موقفه أمام سيد الكرملين، والذي يلتقيه غداً في سانت بطرسبورغ.
وتقرر بعد اجتماع في العاصمة التركية أنقرة حضره ممثلون عن جميع التنظيمات الإرهابية والمسلحة في الشمال، بما في ذلك «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة سابقاً) والائتلاف و«الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة إطلاق عملية حلب. وترافق الاجتماع مع زيارة وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني إلى أنقرة ولقائه أردوغان.
وحسب المصادر، لعبت الاستخبارات التركية والقطرية الدور الأكبر في التنسيق بين التنظيمات الإسلامية في إدلب والتنظيمات المسلحة في حلب.
وجاء اجتماع أنقرة بعد أيام من فك «النصرة» ارتباطها بتنظيم القاعدة الإرهابي وتغيير اسمها إلى «جبهة فتح الشام». وذكرت المصادر أن الدوحة بذلت مساعي مكثفة لدى قادة الجبهة لذلك، وعرضت عليهم تمويلاً بأكثر من 10 ملايين دولار، مقابل هذه الخطوة.
وذلل إعلان زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني تغيير اسم الجبهة، عقبة أمام التحالف بين غرفة «عمليات فتح حلب» و«جيش فتح إدلب» الذي تقوده «النصرة» ويتمركز في إدلب. وربما خفف العبء أمام الثلاثي السعودي التركي القطري الذي كان يضغط من أجل هكذا إعلان منذ سيطرة الإرهابيين والمسلحين على مدينة إدلب.
وخلال مقابلة مع قناة «الجزيرة» القطرية، أكد أردوغان أن الوضع في سورية سيكون أهم القضايا التي سيبحثها مع نظيره الروسي خلال زيارته المرتقبة إلى مدينة سانت بطرسبرغ الثلاثاء، مشيراً إلى أن المباحثات ستتطرق أيضاً إلى قضايا اقتصادية وسياسية. وأعاد الرئيس التركي إلى الأذهان أن بوتين اتصل به هاتفياً بعد يوم من المحاولة الانقلابية وأكد وقوف بلاده مع تركيا.
ويأتي التقارب التركي الروسي في حين تمر العلاقات التركية الغربية بأزمة حادة على خلفية موقف الغرب عموماً الفاتر من دعم أردوغان في مواجهة الانقلاب. ولوح وزير الخارجية الأميركي جون كيري بورقة إخراج أنقرة من حلف شمال الأطلسي «الناتو» على خلفية عمليات التطهير التي شنها الرئيس التركي بحق مؤسسات الدولة والجيش في تركيا. كما هددت دول أوروبية بقطع مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي إذا ما أعادت أنقرة فرض عقوبة الإعدام. وحذر مسؤولون ألمان من التمادي بعيداً في استعداء أردوغان، ورميه في أحضان روسيا والصين، وشددوا على ضرورة استمرار مفاوضات الانضمام من أجل إبعاد تركيا عن الدولتين الكبريين.
وأشار أردوغان إلى أن تركيا تتابع باهتمام الوضع في مدينة حلب والشمال السوري، واصفاً الوضع في المدينة بـ«المحزن»، لكنه قال إن «المعارضة السورية» (مشيراً إلى «جيش الفتح» الذي تتزعمه «فتح الشام» أعاد في الأيام الأخيرة «التوازن على الأرض»، بعد «فك الحصار عن مناطق كبيرة في المدينة».
وطرح الرئيس التركي مبادرته لعقد «اجتماع إقليمي» تستبعد منه على ما يبدو الدول الكبرى سواء الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين أو الدول الأوروبية. ودعا إلى انعقاد «اجتماع إقليمي بين دول المنطقة لمناقشة الأزمة السورية والعمل على إيجاد حلول لها»، كما جدَّد مطالبته بإقامة منطقة خالية من الطيران شمال سورية، مؤكداً ضرورة تدريب السوريين في تلك المنطقة، ليكونوا قادرين على حماية أنفسهم، وحماية مناطقهم.
وبالترافق مع ذلك، كثف أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني تحركاته عشية زيارة أردوغان لسانت بطرسبورغ.
وأجرى تميم محادثات في مدينة طنجة شمالي المغرب مساء أول من أمس مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز تناولت عدداً من القضايا والمستجدات على الساحتين العربية والدولية، حسبما أفادت وكالة الأنباء القطرية «قنا».
كما تناولت المحادثات، حسب «قنا»، العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها، بحضور عدد من الشخصيات يتقدمهم ولي ولي العهد السعودي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع محمد بن سلمان بن عبد العزيز.
ورجحت المصادر، أن تكون المباحثات قد تطرقت إلى عرض يعتزم أردوغان بسطه أمام الرئيس الروسي بشأن سورية يأخذ بالحسبان ما يجري في مدينة حلب (تقدم الإرهابيين والمسلحين)، فضلاً عن أخذ رأي الملك السعودي بمقترح الرئيس التركي عقد اجتماع إقليمي لمناقشة أزمة سورية. وأشارت المصادر إلى أن أمير قطر يعمل على تنقية الأجواء بين أنقرة والرياض جراء الاستياء التركي من الموقف السعودي من المحاولة الانقلابية الفاشلة.
وفي هذا السياق، وصف السفير التركي لدى الرياض يونس دميرار تركيا والسعودية بأنهما «ركيزة الاستقرار في المنطقة»، مؤكداً أن التعاون بينهما سيعطي استقراراً ودعما للدولتين ومن ثم المنطقة. وشدد في حوار صحفي نشر أمس، على أن «العلاقة السعودية التركية أكبر بكثير من المحاولات الخبيثة التي تريد تعكير صفو العلاقة بين البلدين لتحقيق هدفهم الرئيس في إحداث خلل في استقرار المنطقة». وأوضح دميرار، أن العلاقات السعودية التركية تتسم بتطابق الرؤى للتعاطي مع مختلف القضايا الإقليمية والدولية، نظراً لتاريخية العلاقة التي تربط البلدين الشقيقين. وأشار إلى أن الشعب التركي يثمن عالياً «المساندة منقطعة النظير» من المملكة أثناء وبعد عملية الانقلاب الفاشلة من خلال ما لقيته تركيا من موقف قوي ودعم لافت من المملكة خاصة بعد الاتصال الذي أجراه الملك سلمان مع أردوغان.
لكنه أشار إلى وجود عتب على «بعض الدول» لم يحددها بدقة نأت بنفسها عن أخذ موقف معين أثناء المحاولة الانقلابية الفاشلة. وقال: «تركيا لها علاقات إستراتيجية مع العديد من الدول، وأنقرة لن تغير تعاملها مع هذه الدول»، واستدرك قائلاً: «لكن بعض الدول أثناء محاولة الانقلاب الفاشلة، وبعده، لم تظهر مواقفهم بشكل واضح». وأضاف بلغة لا تخلو من التهديد «تركيا ستأخذ ذلك بالحسبان»، لكنه أوضح أن «أنقرة لن تغير من تعهداتها التي أعطتها للدول الأخرى في قضايا متفرقة»، من دون أن يوضح ما إذا كان يتحدث عن تعهدات للرياض بخصوص السياسة التركية تجاه أزمات المنطقة.
وبالنسبة للقضايا الإقليمية وعلى رأسها سورية والعراق واليمن، قال دميرار: إن «أنقرة لن تغير من سياستها، لأن تركيا تتعامل مع هذه القضايا من خلال مبادئها وهي مستمرة، خاصة أن المملكة وتركيا متفقتان تماماً على هذه الملفات».
وفيما يخص العلاقات التركية الإيرانية، أوضح أن «إيران هي جارة لتركيا جغرافيا ونحن نحرص على التعامل مع طهران من منطلق الجيرة ونتعامل معهم وفقا للعلاقات الدولية بين الدول ولكننا نختلف مع إيران في العديد من الملفات، ونحن نعلن في العديد من المناسبات عن ذلك خاصةً بشأن (سورية والعراق واليمن)».
وأكّد الدبلوماسي التركي، أن بلاده تؤيد الخطوات التي تقوم بها قوات التحالف في اليمن، مؤكداً رفضها دعم الميليشيات الإرهابية في سورية (في إشارة إلى الدعم الذي توفره الولايات المتحدة لقوات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي) والمساعدات التي تقدم لهم ستساهم في الفوضى وعدم الاستقرار. وتعتبر أنقرة «الاتحاد الديمقراطي» ذراعاً سورية لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.
وتريد أنقرة موقفاً سعودياً ضاغطاً على واشنطن من أجل أن توقف دعمها لـ«الاتحاد الديمقراطي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن