من دفتر الوطن

أحلى الكلام!

| عصام داري 

كنت أكتب منذ سنوات خلت في مجلة «الشهر» زاوية شهرية وعلى مساحة صفحتين بعنوان: (أحلى الكلام)، أخصصها للموضوعات الرومانسية والوجدانية الرقيقة والجذابة، أو هذا ما أظنه أنا على أقل تقدير.
ومنذ أيام قالت لي صديقة: كلامك حلو، فأيقظت في نفسي تلك الأيام التي سرقتــها من زمن ظالم لا يرحـم، ومن قبـح كان حولنـا، لكننـا كنـا قادريـن على تجاوزه بالجمال والحب والرغبة في اصطياد لحظة الفرح من محيطات الحزن الهادرة، وطبعاً تذكرت تلك الزاوية، وسألت نفسي: هل أستطيع بعث الماضي والعودة إلى مساحة الحب التي كانت، و«أحلى الكلام»؟
هل نستطيع نبش دفاتر الماضي، واستعادة تلك الأبجدية التي كانت حينها مطواعة ولينة وسهلة التشكيل، لتتحول إلى كلمات وجمل وعبارات خلابة تتسلل إلى النفوس، وتداعب الأرواح؟
و.. من يستحق أن ننسج له من هذه الأبجدية شالاً مزركشاً بأحلى الكلام وأروع العبارات وأجمل المعاني وأعذب الشعر والنثر؟
الكلام الجميل موهبة وأسلوب حياة مكتسب من خلال التجارب والعلاقات المتشعبة بين بني البشر، وفحش الكلام هو أيضاً من العادات المكتسبة، وربما تسهم البيئة الاجتماعية في تكوين ثقافة الحب والجمال والخير، و«ثقافة» الكراهية والقبح والشر، لذا قالوا: «الإناء ينضح بما فيه».
لست في وارد التحليل النفسي والحديث في الفلسفة وعلم النفس، ولا توزيع النصائح والحكم وسرد الأمثال، لكنني أردت فقط إيضاح رؤيتي في فلسفة الكلام والحب والجمال، فوجدت نفسي وكأنني ابتعدت عن جوهر الموضوع وهو «أحلى الكلام».
أريد فقط أن أدافع عن ثقافة الكلام الجميل والتخاطب الحضاري بين البشر، فالإنسان يستطيع استخدام الكلمة الحلوة ولكنه قادر أيضاً على التفوه بفاحش الكلام، بل إن الكلمة الواحدة يكون لها وقع مختلف بين شخص وآخر وفقاً لنبرة الصوت وشدته وقوته وطريقة النطق، فقد تعبر هذه الكلمة عن الرجاء، أو الأمر، أو الاستنكار، أو الغضب وغير ذلك، الأمر الذي يسهم في تحديد العلاقة بين شخصين أو أكثر.
اللجوء إلى الكلام الجميل والرقيق دليل على رقي ورقة وأخلاق حميدة، وحب بالتقرب من الناس ونيل محبتهم وصداقتهم، لكن عدم وجود هذا الأسلوب الرشيق والسلس لا يعني أن هذا الشخص لا يتمتع بالرقي والأخلاق الحميدة، فربما هو اعتاد سلوكاً في الحياة يتسم بالجدية وعدم المبالغة في الكلام والوصف والإغراق في استخدام كلمات التودد والتبجيل والتفخيم وغير ذلك.
وإذا كنت شخصياً أميل إلى استخدام أحلى الكلام في تعاملي مع الناس، فهذا لا يعني بالضرورة، بل لا يعني مطلقاً أنني أضع الناس في مرتبة واحدة، فالكلمة التي أقولها لصديقة هي نفسها التي أقولها لصديقة أخرى، لكن هناك فارق بين الصديقتين من حيث القرب والمودة والمحبة، وربما الحب!.
نستطيع التقرب من كل الكائنات بأحلى الكلام والألحان، وأثبتت التجربة أن الموسيقا تسهم في شفاء الكثيرين من المرضى، وبحلو الكلام، لذا يجب أن تقوم العلاقات بين بني البشر على الحب والاحترام والتقدير، لكن كل ذلك سيكون أجمل وأروع إذا استخدمنا في حواراتنا وخطابنا مع الآخرين الكلام المنمق الجميل الذي يمهد الطريق لأرقى وأقوى وأجمل العلاقات، فما رأيكم في ذلك: حلو الكلام؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن