ثقافة وفن

مجرد مقارنة..

| اسكندر لوقا 

لم أعد أذكر اسم الفنانة ذات الإحساس المرهف التي دعت إلى الرفق بالكلاب في بلدها فرنسا.
هذه الفنانة، إن لم تخني الذاكرة، في أثناء زيارتها لإحدى مزارع الكلاب الضالة في ضاحية قريبة من العاصمة باريس، قالت وهي تكاد تدمع عيناها لمشاهدة عدد من الكلاب على مقربة من الأسلاك التي تحيط بالمزرعة، قالت -إن لم تخني الذاكرة- إنني لا أصدق أن يتحجر قلب الإنسان، في هذا العصر، إلى درجة أن يتخلى سكان فرنسا، سنوياً، عن 200 كلب على أقل تقدير.
وفي نهاية كلامها، وهي تحدث المسؤول عن شؤون الكلاب الضالة في المزرعة، قالت، بصوت متهدج: على الشعب الفرنسي أن يبادر إلى احترام نفسه وأن يلتقط الكلاب الضالة، ويشرف عليها في البيوت.
وعند مغادرتها المزرعة ملوحة بيدها علامة «باي باي»، أضافت قولها: إنني عندما أحنو على كلب أو أي حيوان أليف آخر، أشعر بالتوازن بيني وبين نفسي.
طبعاً، لا أحد يعارض رأياً كهذا، من حيث المبدأ، وخصوصاً عندما يقع الظلم عمدا على أي حيوان أليف، سواء كان في مزرعة أو شارع أو حديقة أو أي مكان يعيش فيه. ذلك لأن أحدا لا ينادي بإيقاع ظلم، بلا مبرر، على حيوان أليف. ولكن، ونحن نقرأ نبأ كهذا، ألا نتساءل بيننا وبين أنفسنا لماذا لا تصل إلى القلوب الرقيقة كقلب هذه الفنانة الفرنسية صور الوحشية التي تمارس ضد أطفالنا لا الكبار منا فقط؟
في اعتقادي أن القلب الذي تملكه هذه الفنانة الفرنسية، من القلوب النادرة في هذا العصر. ومن هنا كل ما تعانيه سورية، من تبعات الهجمات الوحشية على صغارها وكبارها، على نسائها ورجالها، على شبابها وشيوخها. من هنا باتت القلوب المتحجرة هي الطافية على سطح الأحداث، على نحو ما هي عليه في زمن الحرب المعلنة على سورية. ومن هنا أيضاً بات البحث عن القلوب الطيبة عملاً شاقاً جداً.
وفي زمن الحرب، كما نعلم، وكما يحدثنا تاريخ الحروب، لم تعد الكلاب وحدها لا تجد من يحميها أو يوفر لها متطلبات عيشها، بل كاد الإنسان يفقد إحساسه حتى درجة اللامبالاة بتداعيات أي حدث يتعرض له سواه من بين معارفه أو حتى نفسه في بعض الحالات. في زمن الحرب يسقط الإنسان في الإنسان، ويطفو الكائن المفترس على سطح الأرض. وكلما ازداد الدم، ازدادت الشروخ أكثر.
يقول الفيلسوف والمؤلف الأميركي هنري ديفيد ثورو [1817- 1892]: الذي يريد التفوق، كيفما كان هو الذي يريد الحرب كيفما كانت، وفي النهاية هو من يدفع ثمن غروره.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن