ثقافة وفن

محدودية المتاح أسرياً وعقدة التفوق مدرسياً ضعف ما هو مقدم منهجياً … حوَّل الذكاء الطفولي إلى عقدة صعبة الحل

| سوسن صيداوي

دائما ينظر المجتمع إلى أصحاب التفوق العلمي من طب وصيدلة وهندسة ومحاماة نظرة مختلفة، ودائما يرغب الأهل بأن ينال أطفالهم التفوق العلمي وبأن يكونوا بالمستقبل من أحد الاختصاصات المصنفة اجتماعيا بتخصصات الأذكياء وكأن الرفعة كتبت بهذه الفروع، المشكلة ليست بهذه الفروع ولا بالمستوى العالي في التحصيل العلمي، لأنه بالعموم العلم رفعة واحترام وعلينا الطموح له والسعي لاكتسابه حتى ولو كان في آخر الدنيا ولو كنا قد هرمنا وزين الشيب شعرنا، فالأمر المعيب إذاً بالجهل وعدم اكتساب المعرفة وهذه أيضاً ليست بالمشكلة، المشكلة الأهم والتي نشرت مفهوما خاطئا في المجتمع ألا وهو ارتباط الذكاء بمستوى التحصيل العلمي وبالتحصيل الدراسي، فكل من أصبح طبيبا ومهندسا…. وإلخ، يوصف بالذكي والأقل بالغبي، ولكن ما يغفل عنه الكثيرون من هؤلاء بأن كل من حصل على تقديرات عالية ومستوى تحصيله العلمي مرتفع فهذا نتيجة المثابرة والإجهاد في عملية الدراسة، والنسبة قليلة لمن كان تمتعه بالذكاء العالي سبباً مباشراً في حصوله على تقديرات دراسية مرتفعة، مدربة التنمية البشرية هدى الصيداوي والمستشارة في العلاقات الأسرية اعتبرت «حصر مفهوم الذكاء بالمجتهدين في الدراسة والحاصلين على التقديرات العالية هو خطأ فتبعاً لأنواع الذكاء هناك أذكياء ومتميزون وحتى عباقرة لم يدخلوا المدارس… وهناك أذكياء على المستوى التقني والمعرفي والمهاراتي، والتحصيل الدراسي والعلمي يساعد على تطوير الذكاء ولكن الذكاء ليس حصراً على فئة معينة».

الذكاء والغباء بالفطرة
يولد الطفل وتكون لديه الغرائز الفطرية وبعدها يتم اكتساب الخبرات التي تتكوّن لديه من خلال مواقف حياتية ستكون الركيزة الأساسية التي عليها سيتم بناء جزء ضخم من شخصيته في مستقبله، وبما أن الأطفال هم زينة الحياة الدنيا دائماً يسعى الأهل من خلال تربيتهم إلى غرس الأدب والأخلاق وبذرة الطموح والسعي للتفوق كي يكونوا الأفضل سواء بين المحيطين بهم أو في المدرسة، الصيداوي رأت «تلعب الوراثة دوراً مهماً في الذكاء عند الطفل والإنسان، وقد يصل تأثير الوراثة حتى 80% ولكن دور البيئة لا يقل أهمية عن دور الوراثة في الذكاء، والأغلب أن الذكاء فطري وليس مكتسباً فالإنسان يولد حاملا ملامح الذكاء وتتم تنمية ذكائه بالاكتساب (التربية.. المدرسة.. وغيرها) فالبعض يستطيع تنمية ذكائه ليصل لمرحلة ذكي جداً والبعض يهمل ذكاءه فينخفض معدل الذكاء لديه.. لكن لا يمكن أبداً أن يكتسب شخص الذكاء إذا لم يحمل الحد الأدنى منه».

نعمة الذكاء ونقمة المقارنة اجتماعياً
كلما اجتمع عدة أطفال يبدأ الأهل في المناسبة السعيدة بالمقارنة للتفاخر بأبنائهم، وذلك بدايةً في السؤال عن العلامات التي تم الحصول عليها في الفصل، وهنا يقع الطفل ولسوء حظه في مصيدة المقارنة، وللأسف الشديد وبالانتقال إلى فقرة «برنامج من سيربح المليون» ومع الأسئلة المتنوعة، هنا سيتنفس أهل الطفل المثابر دراسيا الأنفاس الطويلة التي ستجعل من صدورهم منفوخة بقدر البالون، والأمر القاسي بأن هذه الحادثة ستكون مسلسلاً لا نهاية له لأنه ببساطة سيصبح الطفل الذي تعثر في الإجابة في المنزل «الغبي» وكلما سئل سؤال متعلق بواجباته المدرسية تم تذكيره بهذه الحادثة، نعم أنا أطيل بالشرح وذلك لضرورة التوضيح ولخطورة ما يتم بثه في عقول أطفالنا من أفكار مغلوطة ومشوهة، صحيح أن الذكاء ليس بمستوى واحد عند كل الأطفال وهذا أمر لا خلاف فيه ولكن من يؤثر في مستوى هذا الذكاء هم الأهل أنفسهم والبيئة المحيطة بهم، المدربة الصيداوي: «ليس كل الأطفال بمستوى ذكاء واحد فيمكن التنبؤ بذكاء الطفل والوصول إليه عن طريق قراءة تصرفات وردود الفعل الخاصة به على الأحداث التي تدور حوله وتفاعله معها، وكذلك بتوجيه عدد من الأسئلة البسيطة المنطقية التي تجعل من البحث في عقل الطفل لتمييز الألوان والأشكال المتعددة الهندسية وألعاب التركيب وقدرته على تركيب الأفعال والجمال في التركيب، ومن الممكن اختبار قدرة الطفل العقلية على قراءة الأرقام والحسابات في الأصل، كما يمكن أيضاً اختبار ذكاء الطفل بالتأمل في الطبيعة فعند الوصول إلى المعرفة الخاصة بالكون يزداد ذكاء الطفل وفهم الطفل للبيئة المحيطة به يدل على ذكاء عال جداً».

طفلك ثرثار كبير ويحطم ألعابه…
هناك تصرفات كثيرة يقوم بها الأطفال تثير جنون الأهل وتفقدهم الصبر، كما أنها توصلهم إلى الشعور بالتعب والملل وغيرها من المشاعر السلبية، فمثلا وهو أمر شائع جداً عندما نحضر دمية للطفل سيلعب بها في اليوم الأول وسيكون متشوقا لها في اليوم الثاني والثالث، وربما قبل ذلك سنجده قد حطمها، طبعا هذا تصرف يثير استياء الأهل واستغرابهم وسينظرون إليه بأنه مهمل، مع فيض كبير من التأنيب والتنبيه ونعته بصفات بأنه طفل «يعشق التخريب والعنف»، كما سيستبدل اسمه بصفة «الأناني» وغيرها من الصفات السلبية، ولكن السؤال لماذا الطفل حطم الدمية فلقد كان متشوقا جداً لها؟ طبعا السبب هو عشق الطفل للاستكشاف وبعد أن لعب باللعبة وعرف مبدأها سيبحث عن أمور جديدة فيها ليعرف مثلا ما المكونات بداخلها والتي تقوم بتحريكها، لهذا وببساطة قام بتحطيمها، إذاً هذا الطفل ذكي ولا يمكن وصفه بالعنيف والمخرب وبصراحة كل ما على الأهل هو إحضار ألعاب يمكن أن تتطور بمراحلها من خلال فكها وتركيبها أو تغيير شكلها، المدربة هدى الصيداوي أشارت إلى بعض الصفات التي يتمتع بها الأطفال الأذكياء «الطفل الذكي يحب أن يتكلم كثيراً، كما أنه قليل النوم بسبب الطاقة العالية لديه، إنه حساس جداً كما يغضب بسرعة وسريع البكاء والشعور بالسعادة، يحب الالتصاق بالعمل الشاق والصعب وتجده جد مستمتع به، يحب تغير الأشياء، يكره الروتين ولا يهتم بالتفاصيل، كما أن البعض منهم يعاني مشاكل في الكتابة بسبب سرعة تفكيرهم التي تفوق فعالية أجسامهم وأداءهم اليدوي».

ما ينمي ذكاء الطفل تهمله المدرسة
الكثير منا يرى بأن أهم المناهج الدراسية هي «الرياضيات، العلوم، اللغة العربية والأجنبية، التاريخ، الجغرافيا….» ودائماً يتم الاستهزاء من الحصص التدريسية الخاصة بـالموسيقا والرسم والرياضة، وغير الاستهزاء بها، رغم أنها متنفساً بالمرتبة الأولى إضافة إلى كونها نقطة انطلاق لتفعيل الذكاء وتنميته، هنا ذكرت المدربة الصيداوي «علينا أن نعلم أن هناك طرقاً تساعد على تنمية ذكاء الطفل فهل راعت مناهجنا وأنشطتنا المدرسية هذه الطرق…. اللعب مثلا ينمي القدرات الإبداعية والخيال لأطفالنا، كما أن القصص وكتب الخيال العلمي تساعد من خلال تقديم التفكير العلمي المنظم في عقل الطفل، وأيضاً الرسم والزخرفة فبالرغم من أن الرسم في ذاته نشاط متصل بمجال اللعب، فهو يقوم في ذات الوقت على الاتصال المتبادل للطفل مع شخص آخر، إنه يرسم لنفسه، ولكن تشكل رسومه في الواقع من أجل عرضها وإبلاغها لشخص كبير، ومن هنا فإن المقدرة على الرسم تتماشى مع التطور الذهني والنفسي للطفل، الممارسة البدنية أو الرياضة مهمة جداً فالعقل السليم في الجسم السليم، ومن الناحية العلمية فإنها تساعد الأطفال التلاميذ على التوافق السليم والمثابرة وتحمل المسؤولية والشجاعة والإقدام والتعاون».

الذكاء وإلصاق الطفل بالتلفاز
مشاغل الحياة تدفع الكثير من الأمهات بوضع الطفل أمام التلفاز لساعات كوسيلة لإبعاده عنها كي تتابع أعمالها المنزلية اليومية، وطبعا الألوان والموسيقا ستشد انتباهه وتأسره وبالفعل ستلهيه عن ملازمة أمه لبعض الوقت، بساطة الأهل وطرافتهم تشعرهم بفيض من السعادة عندما يردد الطفل كلمات للمرة الأولى أو يدندن أغنية، معتبرين أنه أمر حسن ومهم في تطوير ذكاء طفلهم، ولكن المدربة الصيداوي قالت «يعتقد كثير من الأسر أن ترك الطفل أمام الأفلام منذ الصغر وخاصة في أول ثلاث سنوات وهدوء الطفل والإنصات لها هو ميزة، ولكن هذا خطأ، ونظراً للمؤثرات والألوان التي تقدمها الأفلام فالطفل يعتاد المثيرات القوية وفي مراحل متقدمة عند شرح معلمة الصف فإنه يمل بسرعة، كما أن هذا السلوك يجعل تفكيره في نماذج أغلبها خيالي وتصبح تصرفاته مناقضة للواقع وبالتالي تجعل الطفل مع عالم آخر في داخله».
لا تنظروا إليهم بعين الحسد

بعد أن أوضحنا أن الذكاء مستويات وأن العمل على تطوير الذكاء للأطفال ليس بالأمر المستحيل، بل هو من أبسط الأمور من خلال تعزيز اللعب كنشاط تعليمي وترفيهي في آن واحد، أضافت المدربة الصيداوي «ومن طرق تقوية ذكاء الطفل تدريب دماغه على بعض الأمور منها كقراءة شيء له كل يوم مساء قبل النوم فقضاء الوالدين أكبر وقت ممكن مع الطفل خلال السنة الأولى من عمره عمل مهم في نمو وتطور ذكائه لأن الرابطة العاطفية معه تحسن نموه الدماغي، ومن الضروري جداً تشجيع اهتمامات الطفل وفضوله باللعب الحر والاستكشاف، وعلى الأهل تشجيع الطفل على التعلم التفاعلي وتبادل الأفكار، وعلى ممارسة الرياضة وعزف الموسيقا لأن ذلك يتطلب منه تركيزاً دقيقاً».

مستوى الذكاء ونوعية الغذاء
هناك الكثير من الصراعات والمعارك الطاحنة التي تدور في المنازل وذلك ببساطة لامتناع الطفل عن تناول ما تحضّره له أمه من طعام، والأمر المهم هنا نوعية الغذاء فهو عامل أساسي في نمو ذكاء الطفل وتطور مستواه، المدربة الصيداوي: «أثبتت دراسات التغذية أن تناول الأغذية التي تحتوي على الفيتامينات والأملاح المعدنية يلعب دوراً رئيسياً في تنمية مستوى ذكاء الطفل، وأن الطفل الذي ورث الذكاء عن والديه قد يهبط معدل الذكاء لديه إذا لم يحصل على تغذية سليمة، يجب تقديم الأغذية التي تحتوي على فيتامينات (C) و(E)، وهي متوافرة في الليمون والتوت والفراولة والخضراوات الورقية المختلفة على أن تؤكل طازجة، وفي الزيوت النباتية وخاصة زيت جنين القمح وفي المكسرات وزيت عباد الشمس والبندورة والسبانخ والبطاطا وزبدة الفستق والسوداني وفي القرع‏،‏ وينصح بتقديم هذين النوعين من الفيتامينات صباحاً في وجبة الإفطار لضمان أداء أفضل للأطفال في الدراسة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن