ثقافة وفن

اليوغا تعلمنا الخدمة الغيريّة وتذويب الأنا … رئيس اللجنة العليا لليوغا مازن عيسى لـ«الوطن»: الوطنية القائمة على المحبة تعمر البلد

| سوسن صيداوي

جمع التاريخ الكثير من الحضارات القديمة التي تنوعت بتنوع قارات العالم واختلفت في اللغة ولون البشرة كما اختلفت بالعادات والتقاليد ولكن على الرغم من كل الاختلافات الشكلية أو الظاهرية إلا أنه كان هناك أمر واحد يمكن الالتفاف حوله والسعي بكل ما يمكن إلى تحقيقه… وهو سمو الأخلاق البشرية، ونحن اليوم نواكب الحضارة ويقع على عاتقنا التزام بالحصول على كل ما يمكن تسميته «مكتسباً حضارياً» سواء أكان تسريحة شعر جميلة وعصرية أم نوع موبايل من أحدث طراز وحتى أنواع المأكولات والمشروبات، والأمر ممكن كذلك برقصة ما أو حتى برياضة، ولكن ماذا عمّا يسعى بالتمثّل بحضارات قديمة واتباع نهجها في التخفيف من الألم والتوتر وفي الابتعاد عن العنف، مثلا شاعت في الهند ومنذ أكثر من خمسة آلاف سنة «اليوغا» كرياضة روحية وجسدية تدفع بالجسم نحو الصحة، طبعا سأقف عند هذا الجانب بعيدا جدا عما يتناقله الكثيرون حولها من أمور سحرية غريبة وغير واقعية.

اليوغا… ضرورة
انتشرت اليوغا في أنحاء العالم وعرفها الغرب في القرن التاسع عشر ليست كرياضة فقط، بل كنشاط فاعل للروح والجسد والعقل، يقلل من التوتر والقلق ومهدئ للنفس، وخاصة بأنها لا تعرف عمرا محددا وهي مناسبة للكل بغض النظر عن المستوى الفكري والثقافي وحتى المادي، ليس هذا فقط بل تبَّنوا اليوغا لنشر الوعي وهذا ما شرحه رئيس اللجنة العليا لليوغا في الاتحاد الرياضي العام مازن عيسى: «كلمة يوغا تعني اتحاد النفس الفردية بالذات الكونية للوصول إلى حقيقتها المتمتعة بالسلام، ونحن توجهنا لليوغا من أجل نشر الوعي بالدرجة الأولى في المدارس، وخصوصا، تلاميذ الصف السادس، حيث انطلقنا في هذه التجربة من عملية الوعي جسدا، فكرا، روحا، شارحين لهم بأن الوعي الجسدي يبدأ من فهم الجسد بما يضره وما ينفعه ابتداء من وضعيات الجلوس الصحيحة ووضعيات النوم الصحيحة، حتى إننا شرحنا لهم أهمية مضغ الطعام جيداً عند تناوله مع ضرورة تذوقه، وحين يصبح التلميذ قادراً على التمييز بين الجيد والسيئ فهنا يكون تشكّل لديه الوعي، وفي المرحلة التي بعدها ومن خلال عملية تركيز التأمل يصبح للتلميذ وعي الدماغ أو الفكر وبالتالي يقدر على تحويل كل ما يطرأ على دماغه من أفكار إلى أفكار إيجابية، ويجب الانتباه إلى نقطة مهمة جدا الأفكار مثلا لها تأثير قوي على الجهاز المناعي للجسم، وعندما نحقق الوعي بالجسد والفكر نكون قد وصلنا إلى مرحلة وعي الحالة الروحية التي تُجسد سلوك وأخلاق التلميذ أو الطفل».

اليوغا… رياضة
هناك سلوكيات نتبعها وأصبحت عادة في حياتنا ولكننا رغم معرفتنا بأنها ليست صحيحة إلا أن العادة هي من تحكمنا، الاتشاريا مازن عيسى « انطلقنا في هذه التجربة من ضرورة توجيه الأمور السلوكية للتلاميذ، فمثلا لاحظنا أن جلوس التلاميذ في مقاعد الصف يكون بوضعيات خاطئة وحتى من كثرة الجلوس أمام الكمبيوتر في المنزل فإنه أصبح للطفل تحدّب في الظهر لهذا توجهنا للتلاميذ بوضعيات مثل «وجه البقرة» حتى لا يصبح عندهم تحدّب، وأيضاً ما كان واضحا أن بعضهم لا يتمكن من الرؤية بشكل جيد من السبورة لهذا قدمنا لهم تقنيات تقوي النظر، إضافة إلى تقنيات تطوير حاسة السمع».

شكر وخدمة غيريّة
هي قاعدة يمكن تطبيقها على كل شيء وفي كل الأزمنة ولن تتغير أبدا (ما تزرعه… تحصده)، ونحن اليوم في ظل الأزمة التي تناسينا فيها ما يجب أن يكون من صفات إنسانية متأصلة فينا، أو أن الأزمة جاءت لتعزز ما هو في الحقيقة موجود ومتأصل من أمور بعيدة عن الإنسانية، وللأسف الشديد أصبح الشائع والطبيعي هو اللامعقول واللامألوف، صحيح ليس سهلاً زرع الأفكار لأننا نحتاج وقتا طويلا وصبرا جميلا كي تصبح عادات مكتسبة. الاتشاريا مازن عيسى: ما قمنا به بتجربتنا كان تعليم الأطفال الخدمة الغيريّة وذلك كي يشعر بالآخرين ويتم ذوبان الأنا عنده، فمشكلة الوطن العربي كله «بالأنا»، فالطفل عندما يتعلم الخدمة الغيريّة ويساعد أهله في المنزل وأخوته في واجباتهم الدراسية وأن يكون مسؤولاً عن نظافة غرفته وصفه وأمور كثيرة أخرى، هناك من يستسخفها ولكنها حقيقية ومعنية في حسن تنشئة الطفل».

العائلة ثم المدرسة
التجربة فيها جرأة وبعيدة عما هو معتاد بالسلوك التربوي المدرسي، ولكن يداً واحدة لا تصفق فلابد من التعاون والوعي والمساعدة من أهالي الأطفال في منازلهم، الاتشاريا مازن عيسى «إضافة إلى تعاون وزارة التربية في المساهمة في تطوير سلوك التلاميذ بطريقة إيجابية إلا أن تنمية الشعور والعطف والحب عند الطفل تساهم فيها المدارس وبالطبع التعاون مطلوب من أهالي التلاميذ أيضاً للوصول بالأطفال إلى حالة السلام والتحرر من الخوف والعنف والتوتر الذي يعيشه كثيرون اليوم بسبب الأزمة».

التطوع اليوم… خاطئ
اليوم وبسبب ظروف الأزمة الحالية وما عكست على الكل من هموم وضغوط متفاوتة بالحجم والنوع، إلا أن الكثيرين سعوا من تلقاء أنفسهم باذلين كل مستطاع من أجل الآخرين ومن دون انتظار حتى كلمة شكر، الاتشاريا مازن عيسى «التطوع ليس كما هو مفهوم الآن، يجب في البداية أن نحس بالآخرين، ومن تجربتنا في المدارس نطرح من خلال «اليوغا» ألعاباً جماعية وليست فردية، وليست بغرض التتويج الفردي، بل هي لتعزيز روح الفريق وهدفها تذويب الآنا ضمن الجماعة، فمثلا لا يجوز أن يكون في الصف عريف بل يجب أن يكون كل الأطفال مجموعة يخدمون المكان ويحبون بعضهم بعضا، وأريد شرح ما أسلفت ذكره بأننا من خلال دروس اليوغا نعلّم التلاميذ أنهم لا يعيشون بمفردهم، وعليهم أن يعززوا الخدمة الغيرية بأبسط الأمور وابتداء من غرفهم وفراشهم، فلا يجوز أن يترك للأم أو لأي أحد آخر، يجب أن يدركوا أنهم مجموعة متكاملة أو مؤسسة متكاملة من أب وأم وأطفال وعليهم تحمل المسؤولية وكل ما أسلفته يخالف ما ينتشر من مفهوم خاطئ عن التطوع الحالي والذي مقابله يحصل الأشخاص على مقابل».

المناهج تعليمية بحتة
بين ما يتم تَعلمه في المدارس وبين ما تُعلمه لنا الحياة فرق كبير بالعبر والدروس، الاتشاريا مازن عيسى «نحن نعتبر أن مناهج وزارة التربية تعليمية بحتة في حين إنسانياً فهي بحاجة إلى فلسفة اليوم، وللأسف نحن بحاجة شديدة إلى تعاون حقيقي ما بين وزارة التربية والأسرة، لأنه ولو فرضت الوزارة أنظمة معينة فهناك في الأسرة أنظمة أخرى مبينة على قلة الوعي، ومن خلال توجهنا إلى أهالي الأطفال ولاحظنا أن ما يتعلمه الطفل ناجم عن برمجة خاطئة، فمثلا إذا قلنا للتلميذ «الصبي» عليك أن ترتب فراشك وغرفتك، فيكون جوابه لا هذا ليس عملي لأن البنات خُلقت لتقوم بهذه الأعمال في المنزل وهو في الصف الخامس، وللأسف هذه المفاهيم غير موجودة إلا في الوطن العربي حيث يوجد فرق بين بين الفتاة والصبي، لذلك نسعى لأن يتعاون الأهل معنا وأي مركز يتم افتتاحه للأطفال نقوم بدعوة الأهل كي يتدربوا، وطبّقنا هذا الأمر خلال تجربتنا في المدرسة، ولكن للأسف الشديد التجاوب كان جداً قليلاً، فمثلاً كان لدينا ست شعب فيها ثلاثمئة طفل في حين يأتي في اجتماع الأهل عشر أمهات».

أمل الغد مع اليوغا
في البداية كل شيء صعب ولكن المحاولة مع الصبر والاجتهاد والالتزام بضرورة السعي نحو الأفضل والتفكير بأننا نستحقه، إمكانيات تساعد لتحقيق الغاية ولو طال الزمن، الاتشاريا مازن عيسى « تأثر الأطفال بسبب الأزمة التي انعسكت عليهم سلبا، لهذا نحن بالتمارين نعلمهم أن يحفظوا العبارة التالية «أنا لست الخوف إنني الوعي» ومع الترديد مستقبلا يصبح واعيا وبالنهاية يحب نفسه بالاحترام وليس بالأنانية، ونحن كممارسين لليوغا من بداية تأسيسنا في سورية، هدفنا هو تغيير الفكر للوصول إلى الحالة الإنسانية لذلك نحن نعمل من خلال مراكز يبلغ عددها خمسة وعشرين مركزاً خاصاً ومراكز للدولة، حتى نتمكن من تغير الفكر في المجتمع لأن الوطنية القائمة على المحبة تعمر البلد، لذلك من هو وطني عليه أن يحب جاره وأخاه، فالمحبة مطلوبة من داخل المنزل كي تنتقل إلى الوطن وليس من الوطن والداخل فينا فارغ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن