الأولى

بين إدارة الحرب وإدارة الإرهاب

| بيروت – محمد عبيد 

منذ بداية الحرب على سورية في أوائل العام 2011 علت أصوات داخلية وخارجية مؤيدة ومتعاطفة تدعو القيادة السورية إلى الاستعجال في حسم الأمر وإنهاء أي حالة تمرد غوغائية أو مسلحة، وأخرى خائفة في الوقت نفسه من تفاقم هذه الحالات وانتشارها تحث القيادة ذاتها على العسكرة المطلقة ومواجهة الشر بالشر وإظهار رد فعلٍ أكثر حِدةً وربما عنفاً تجاه المتمردين أو الغوغائيين المضللين على حدٍ سواء. وحده الرئيس السوري بشار الأسد بعقله السياسي البارد ومعه بعض القيادة استوعب خلفيات الإشارات الأولى لتلك الحالات من حيث التوقيت المُكَمل لموجة ما سمي «الربيع العربي» وأيضاً لجهة الشعارات البراقة التي تم استنساخها في أكثر من بلد عربي كوصفة ناجحة لإسقاط الدولة والنظام وكذلك إسقاط أي بدائل وطنية أو قومية وحدوية والاستعاضة عنها بإثارة سلبيات المكنونات المذهبية والطائفية والعرقية.
ولم يكن الأمر مفاجئاً لمن تابع مسيرة الرئيس بشار منذ تسلمه مسؤولية الحكم في سورية والتي عمدها بالتحدي الذي لامس حد الهاوية سياسياً وحدود النار عسكرياً. فالبداية تزامنت مع اعتداءات الحادي عشر من أيلول في نيويورك وما تبعها من زيارات مكوكية لمسؤولين أميركيين ككولن باول وريتشارد أرميتاج واتصالات من آخرين عرب وأعراب وإقليميين يحاولون تمرير نصائح خبيثة تخويفية من تداعيات غزو العراق، إلى القرار 1559 وانعكاساته على الوجود السوري في لبنان وصولاً إلى عدوان تموز 2006 والنصر الذي حققه حزب اللـه بمساندة سورية-إيرانية مشتركة ضد العدو الإسرائيلي، كل ذلك مترافقاً مع انفتاح سياسي وتوسع اقتصادي وبحبوحة معيشية لم تشهدها سورية من قبل.
كل ذلك إضافة إلى ما بينته الحرب على سورية من تماه بين الرئيس السوري من جهة والدولة والجيش العربي السوري والأغلبية الشعبية من جهة أخرى وضعت هذا الرئيس في عين الاستهداف السياسي. فالولايات المتحدة الأميركية وأتباعها من الأنظمة السعودية والتركية والقطرية استنفدت كل المحاولات السياسية والإغراءات الاقتصادية والمبادرات الملغومة لدفع حلفاء سورية وفي مقدمتهم إيران وروسيا للتخلي عن دعمه ودعم الدولة السورية، وتضعه اليوم في عين الاستهداف التهديدي عبر العديد من المقالات والتحليلات التي صدرت خلال الأسبوعين الماضيين عن بعض «مراكز التفكير» الأميركية والتي تراوحت بين الدعوة إلى محاكمته أو البحث في إمكانية النيل منه. في حين دعت مصادر أميركية أخرى إلى نقل المعركة إلى العاصمة دمشق باعتبارها الحصن المنيع للدولة والتي من دون إسقاطها لا إمكانية لإجبار الأسد على التنحي وزوال النظام.
من الواضح أنه بعدما يئست واشنطن من إمكانية تحقيق أي اختراق سياسي يدفع سورية ورئيسها إلى الإذعان لرغباتها، لجأت إلى استعمال المحرمات الدولية «الإرهاب» بشكل علني وفاضح في معركة حلب علها بذلك تعيد تثبيت توازنات ميدانية-سياسية تمنحها قوة ضاغطة على طاولة حوار دي ميستورا الذي اختفى فجأة بعد التقدم المحدود الذي حققته التنظيمات الإرهابية التكفيرية في جنوب غرب حلب!
وبالعقل السياسي البارد ذاته الذي حكم تصرفات القيادة السورية منذ بداية الحرب على سورية والذي كان قد حكم أداء قيادة حزب اللـه في مواجهة عدوان تموز الأميركي-الإسرائيلي وأنتج هذا الأداء نصراً، كان القرار باعتماد خطوة «التموضع الاستيعابي» كردٍ على الحملات الإرهابية الشرسة بهدف استنزافها وتعطيل مفاعيلها السياسية والإعلامية وكذلك منعها من تحقيق العنوان الأبرز الذي رفعته وهو تطويق حلب لفك الطوق عن الإرهابيين الذين يحتلون شرقها.
يبقى السؤال الذي من المفترض أن نجد الإجابة عنه عند الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد لقائه مع رئيس النظام التركي أردوغان: هل خضع الأخير لابتزاز واشنطن تشريع حدود تركيا مع سورية لقوافل الإرهاب العالمي مقابل التغاضي عن إجراءاته القمعية واللا إنسانية تجاه الشعب التركي، كذلك ترك أمر إدارة هذه القوافل للخبراء العسكريين والأمنيين الأميركيين بالأصالة وليس عبر وكلاء!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن