الأولى

البازار التركي

| وضاح عبد ربه 

لم يكن مطلوباً يوماً من نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يغير من موقفه تجاه مصير الرئيس بشار الأسد، فهذا أمر بيد السوريين حصراً، وليس بيد أي نظام آخر أردوغانياً كان أو غيره من مشيخات وممالك و«ديمقراطيات» تريد، بذرائع واهية، الهيمنة على دول وتقرر مصير شعوبها.
كل ما كان مأمولاً من النظام التركي، هو أن يغير موقفه من الإرهاب، وأن ينتقل من داعم وممول له إلى شريك في اجتثاثه، أو على الأقل، أن يطبق القرارات الدولية ويغلق الحدود ويمنع التمويل والعبور لمئات الآلاف من المرتزقة.
نظام أردوغان أعلن أمس موقفه غير المتغير، وقد يكون ذلك مجرد إعلان لحفظ ماء الوجه أمام السيد الأميركي والشركاء في تدمير سورية من قطريين وسعوديين وغربيين، وقد يكون كلام الرئاسة التركية التي أعلنت أمس أن لا تغيير في الموقف تجاه دمشق ومصير الرئيس الأسد، رسالة أيضاً، وخصوصاً أنها أتت على لسان الناطق باسم الرئاسة وليس أردوغان نفسه الذي اعتاد على استغلال المنابر لبث سمومه من دون خجل، والرسالة مفادها أن النظام التركي ورغم الزيارة إلى روسيا والعلاقات والكلمات الودية والوفود التجارية والعسكرية، ليس بوارد التخلي عن المال الخليجي والتعاون العسكري مع الأطلسي ومستمر في الموقف ذاته دون تغيير في المضمون، داعياً حلفاءه، أو مستغرباً، عدم زيارة أي رئيس دولة إلى بلاده بعد محاولة الانقلاب الفاشلة.
ربما يطمح أردوغان بمقايضة موقفه من الإرهاب بمزيد من المال السياسي والرضا الأميركي والتعاون مع إسرائيل، فالمعروف أن نظام أردوغان الإخواني يمارس التجارة في السياسة مثله مثل كل جماعة الإخوان المسلمين الذين منهم من باع بلاده إلى مشيخة قطر، ومنهم من باع قضيته بقصر وسيارات وحفنة من الدولارات الشهرية، في حين يقبع رئيسهم الروحي في أحضان الأمراء ليفتي لهم بشرعية دعم الإرهاب مقابل الامتيازات والمال.
لا شك أن النظام الإخواني في تركيا يجد اليوم فرصة جديدة لممارسة الدعارة السياسية، فمن جهة هو مستمر في سرقة وقتل السوريين وتدمير البنى التحتية ودعم الفصائل والجيوش الإرهابية التي أسسها ومولها، ومن جهة ثانية يتوجه إلى موسكو التي تشكل رأس الحرب على الإرهاب بالشراكة مع الجيش السوري وإيران والمقاومة اللبنانية، برفقة وفد تجاري وعسكري للبحث في التعاون، دون ذكر التعاون في مكافحة الإرهاب.
أردوغان ليس على عجلة من أمره لتغيير موقفه تجاه الحرب على سورية، فهو الآن وبعد زيارة موسكو خاصة، بات بانتظار العروض المالية والسياسية، وقد يستمر في ابتزاز الغرب طويلاً بملف اللاجئين، ويبتز روسيا بملف مكافحة الإرهاب، فهذه فرصة جديدة قد لا تتكرر تتيح له ولنظامه، الاستفادة قدر المستطاع من الدعارة السياسية التي باتت عنوانا للسياسة التركية الخارجية في السنوات الخمس الأخيرة، ولن نتطرق إلى سياسته الداخلية التي لا يمكن أن توصف بكلمات.
لننتظر قليلاً ثم نر إلى أين تتجه تركيا وإلى أين يتجه النظام الإخواني التركي، وخلال الأيام القليلة المقبلة قد تشهد أنقرة زيارات لعديد من الوفود التي ستبحث في «كلف» موقف أنقرة وتجلس على البازار، وربما كل ذلك جعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتخذ قرار رفع العقوبات تدريجياً تجاه تركيا بانتظار قرار أردوغان النهائي: أن يبقى ويستمر في دعم الإرهاب، أو أن ينتقل إلى جبهة مكافحة الإرهاب ما يعني الانتقال إلى الشراكة مع روسيا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن