اقتصاد

منح القروض.. قفز للمجهول؟

| علي هاشم 

يصلح قرار السماح لمصرفي التوفير والتسليف برفع سقف قروضهما للدخل المحدود مثالاً جيداً لما تتسم به سياستنا المصرفية من تضارب فج بين شعاراتها والممارسة، فبالتزامن مع ما أنفقه حكوميونا (الجدد) من شعارات دعم الإنتاج وتنمية كتلة السلع المحلية والتشغيل وما إلى ذلك.. ها هم يذهبون بلهفة في ممارستهم نحو الاتجاه المعاكس تماما، ويمنحون الاستهلاك دفعة جديدة من النشاط.. قبل شهرين من الآن، تمكن المصرف المركزي -بصعوبة بالغة- من كبح انخفاض الليرة عند حدود الـ500 ليرة أمام الدولار عبر لجم السيولة الفائضة في الأسواق، فعل ذلك من خلال التقييد الجزئي للسحوبات وتأخير تمرير أثمان موسم القمح إلى المصرف الزراعي.
اليوم.. مع التوسع في الإقراض وسط استمرار مؤشرات «ضعف الاقتصاد» ذاتها، لم يعد للمرء أن يفهم التوسع الجزئي المستجد في الإقراض الاستهلاكي إلا على خلفية تضميد جراح التجار من الركود الذي أطل برأسه جراء التضخم!
لكن هذا الطراز من المعالجة ليس غير ناجع فحسب، بل هو أقرب للقفز إلى المجهول، إذ زيادة عن «حتمية» معاودة الركود كرته السابقة جراء إنفاق القروض مضافاً إليها جرعة أخرى ستكرسها الضغوط الناجمة عن استحقاق دفع أقساطها مع فوائدها، فإن المعادلة القائمة بين كتلتينا السلعية والنقدية، متوفّزة للاستجابة التلقائية لكل قطرة جديدة تضاف إلى السيولة المتداولة، وقد يقيض لذلك أن يضع حدا للتوازن الهش بينهما، وبعدها، ستبدأ مسيرتنا المتجددة في البحث عن سعر توازني لليرة أمام الدولار! وبالطبع، ففي ظل الظروف الموضوعية القائمة وتاريخ الممارسة الحكومية القريبة والبعيدة، سيكون على ذوي الدخل المحدود هؤلاء -ولا أحد سواهم- دفع الثمن من جيوبهم عبر المعادلة البسيطة التالية:
يتأفف التجار من الركود.. فتنبري الحكومة لضمان استهلاك سلعهم بمزيد من إقراض ذوي الدخل المحدود، وما إن ينشط الاستهلاك، حتى ينطلق التضخم في دورة صاعدة تجعل من ذوي المحدود أولئك مضطرين لشراء سلع أقل بما استجروه من قروض، ولأن الخزينة ليست في وارد تحمل أكلاف متزايدة للسلع شبه المدعومة، فهي حاضرة -كالمعتاد- لمد يدها إلى جيوبهم عبر رفع أسعار السلع الأساسية وما يليها، وبالطبع فذوو الدخل المحدود وحدهم من سيشترون سلعهم المستقبلية هذه بأسعار جديدة أعلى ودخل حقيقي أخفض قيمة، وكل ذلك سيتم برواتب منقوصة جراء دفع أقساط ما اقترضوه سابقاً لحل مشكلة التجار مع الركود؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن