من دفتر الوطن

برقيات تشبه الشعر!

| عصام داري 

أخطف من دفاتر صبايا كتبت لهن ذات يوم قديم عبارات تقترب من الشعر، وتجاور الحب، وتلامس شغاف القلب، كي أستعيد أشرعة كانت زوارقي تبحر بها، وأجنحة كانت تحملني إلى عوالم الأنثى التي هي لوحة رائعة التكوين أبدعها الخالق، وكتب أن تكون عالماً سهل الحروف، صعب التفسير.
أسرق صفحة من دفتر نسمة ناعمة عبرت أفق حياتي، وأتذكر أنني رسمتها بأحرفي وريشة من نور وعبير.

البرقية (1)
تخجل الشمس عندما تشرق قبل أن يشرق وجهك الساحر، ويخجل القمر عندما يودع لياليك ويتركك ساهرة على ضفاف القلب وفي سهول العقل، وبيارات العيون، لم أكتشف بعد لغة أخاطبك فيها وحدك، لأنك أكبر من لغات العالم، وأرحب من أبجديات الدنيا.

البرقية (2)
يا شقيقة القمر.. ووريثة السحاب والضباب والمطر..
أجمل ما كتب في لوح القدر..
أعذب أغنية وعزف وتر..
يا مواسم الزهر وبيارات البرتقال والليمون..
أنا التائه أبداً.. بين الجنون.. والجنون..

البرقية (3)
لم أجد بين حروفي كلمات على مقاس سحرك، ولم أغزل من قبل شالاً من خيوط الضوء أهديك إياه، ولم أدرك خطورة المغامرة التي بدأتها مع سبق الإصرار والترصد عندما رسمت لك من دمي أول كلمة غزل تشبه الشعر.. النثر.. الزجل.

البرقية (4)
قبل شروق الشمس، وقبل خروج العصافير من أعشاشها بحثاً عن رزقها المكتوب، وقبل ولادة أزرار الورد، و«هرهرة» الياسمين على شوارع العشاق، وقبل هبات النسائم الطرية المنعشة، أكتب لك برقيتي اليومية بشرايين القلب وزهر الرمان، برقية الوله والعشق الذي كان، وسيدرس في مدارس العشق في كل الأزمان، لحتى كان!.

البرقية (5)
صباحك قطف البساتين من غلال الورد والشذا وبوح الملائكة. صباحك عشق الورد للندى، العصافير للغناء، الفراشات للألوان المزركشة، النسائم للربيع والينابيع للجداول والحقول، صباحك لا يشبه صباحات كوكبنا، إنه من عالم آخر، وكواكب بعيدة لا تعرف إلا لغة الحب وموسيقا العنادل والحمائم والعصافير.

البرقية (6)
تأخرت قليلاً.. فاعذريني فأنا مشغول بجمع النجوم والكواكب لأصنع عقداً وسواراً وأقراطاً تليق بجمالك الساحر المسروق من الجنة، اعذريني، فأنا أبحث في مناجم اللغة عن حروف ما عرفها سيبويه، ولا كتب بها نزار قباني، ولم يكتشفها الكتاب والأدباء من آدم إلى يوم ربما يكون آخر يوم لكوكبنا الآيل إلى الزوال.

البرقية (7)
من خصال شعاع الشمس نسجت لك شالاً مزركشاً بالكواكب والنجوم، وعزفت لك على أوتار القلب لحناً يصور جميع حالات الإنسان، من فرح وحزن، من سعادة وكآبة، وحب وغيرة، وأحاسيس ومشاعر.
فهل قلت لك إنك اختصار الكلام والجمال والرقة والحب؟ وخلاصة كل شيء جميل في عالمنا الذي يتهاوى لأنه يفتقد إلى نفوس تشبهك، وأنوثة تلامس أطراف أنوثتك، وقلب بحجم قلبك الرحب، وإلى سيدة هي كل السيدات، وأميرة هي الأميرات جميعاً، سأوظف الأبجدية لتحكي عنك طوال ألف عام وعام، من أول كلمة نطقها إلى نهايات الكلام.
لم أقترف نظم الشعر يوماً، لكنني، أظن أنني بلغت شواطئ الشعر وسواحله، وهي تجربة في تجاربي وحكاياتي، الناجحة والفاشلة، على مرِّ السنين، وربما أشاهد يوماً ابتسامة مرسومة على شفاه صبية تقرأ حروفي وبوحي، وذلك وحده يساوي عندي كنوز العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن