ثقافة وفن

في ذكراها في دمشق تجلت وحملت اسم المكان «الصوفانية» … الأب الياس زحلاوي يروي معجزة الصوفانيّة لـ«الوطن»: «احملوا الشرق في قلوبكم» هنا انبثق نور من جديد

| عامر فؤاد عامر – تصوير طارق السعدوني

لقد كتبت هذه التجربة وتفاصيلها في كتب باتت معروفة، وتُرجم بعضها إلى الفرنسيّة والإنكليزيّة والبرتغاليّة. ولكن ما رأيت منذ زيارتي الأولى، ولّد لدي القناعة بأن هنا شيئاً ما يحدثُ، ويجب أن أتابعه، وتابعته. واتضح لي شيئاً فشيئاً، أن هناك فعلاً تدخلاً من عالمٍ آخر. وهذا يذكّرني بكلمة قالها «يسوع» في آخر الإنجيل، لتلاميذه: «اذهبوا وتلّمذوا كلّ الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والرّوح القدس، وها أنا معكم كلّ الأيّام إلى انقضاء الدهر». وكنّا نسمع ونقرأ عن ظهورات هنا وهناك، في فرنسا، في كندا، في يوغسلافيا، في اليابان… إلخ.

فما يحدث خارج الوطن العربي، لِمَ لا يحدث عندنا؟ ولكن اقتضى مني ذلك مراقبةً دقيقةً جداً، وصارمة. واتضح لي شيئاً فشيئاً أن ههنا تدخلاً ربّانيّاً. فالصلاة تتواصل ليلاً ونهاراً. الزيت ينسكب بصورةٍ متقطعة. الزيت يظهر على يدي «ميرنا»، وهي عروس. وهذا يذكّرنا بقدسيّة الزواج. ثمّ حدثت أشفية. أوّل شفاء حدث كان لسيدة مسلمة من حي ركن الدين، تدعى «رقيّة كلتا»، وبحضور طبيبٍ مسيحيٍّ أردني، يدعى «جميل وجي»، وهو لاجئٌ سياسي، ولكنه ملحد! جاء ليفسّر الظاهرة باسم العلم. وعندما شاهد السيدة «رقيّة» قبل شفائها، ويدها المشلولة لا تتحرك، وفجأة رأى يدها بعد لحظات تتحرك، فيما هي تحاول أن تصرخ، ولكنها لم تعد تستطيع أن تنطق بكلمة. قرأ هذا الطبيب التقرير الذي كان الدكتور «سمير روماني» قد كتبه لها قبل يوم واحد، وكان ابنها يحمله في جيبه. قرأه ثم فحص السيدة، وعاد وقال لي: «أبونا أنا رميت سلاحي… هذا شيءٌ يفوقني ويفوق كلّ إنسان!»، وشيئاً فشيئاً أخذت تحدث أمورٌ أخرى. ظهرت السيدة العذراء للصبية «ميرنا». في أوّل ظهور، هربت لأنها خافت. ثم استعدّت. بعد ذلك ظهرت لها السيدة العذراء 4 مرّات. وهي المرّة الأولى في التاريخ التي تتكلم السيدة العذراء فيها بالعربيّة. الرسالة الأولى بالفصحى، والثانية والثالثة بالعاميّة، والرابعة بالفصحى. أوّل كلمة قالتها: «أبنائي أذكروا الله لأن الله معنا». وتابعت: «أنتم تعرفون كلّ شيء، ولا تعرفون شيئاً»، وتابعت: «أنا لا أطلب مالاً يُعطى للكنائس، ولا مالاً يوزّع على الفقراء، أطلب المحبّة». والرسالة الأولى أنهتها بهذه العبارة: «أعطوا، لا تحرموا أحداً ممن يطلبون النجدة». وكان الزيت يتواصل، والمصلّون حاضرون ليلاً ونهاراً. وقد علّق صاحب البيت إعلاناً عند مدخل البيت، جاء فيه: «نرفض أيّ تبرعٍ، أيّاً كان!»، وتواصلت الأمور. وكانت الصلاة تستمر. وحدثت أشفيةٌ عديدة… يومها كانت «ميرنا» وهي في الثامنة عشرة من عمرها، ولم تكن قد تقدّمت من الشهادة الثانويّة. وعندما سألتها أوّل مرّة على انفراد، بعد أن استأذنت زوجها: «ميرنا شو حاسّة؟»، قالت: «قلبي مقطوع. ما عرفانة شو صاير فيي». قلت: «كنتٍ تصلين؟» قالت: «أبونا، لا تتوهم، أنا مثل أيّ صبية تانية. بعرف أبانا والسلام بس، ما بعرف شي تاني». بعد سنة فوجئنا إذ كانت «ميرنا» واقفة تصلّي، أخذ الزيت ينسكب من رأسها ويديها، وفقدت توازنها، حملوها إلى السرير. ظلّ الزيت ينسكب، ثم رسمتْ علامة الصليب على صدرها، وغابت عن العالم الخارجي. كنّا نأتي دائماً بالأطباء من مختلف الاختصاصات. يراقبون ما يجري. وبدأنا نصوّر للتوثيق بـ(الفيديو). وكانت «ميرنا» تغيب خلال هذه الحالة، فلا ترى، ولا تشعر، ولا تسمع. والأطباء كانوا يُخضعونها خلال الانخطاف لاختباراتٍ قاسية. أحدهم أدخل سكيناً بين اللحم والظفر، نفر الدّم، لم تشعر بشيء. وقد حدث لها هذا الأمر 37 مرّة، وفترات الانخطاف تراوحت بين 5 دقائق وساعة ونصف الساعة. كنّا نسألها ما الذي رأيته؟ كانت تقول أحياناً: رأيت نوراً… وأحياناً رأيت السيدة العذراء، وقالت لي كذا… فكنا نكتب ما تمليه علينا… وبدءاً من 31 أيار عام 1984، كان يومها عيد صعود السيد المسيح إلى السماء، فوجئنا بانسكاب الزيت من عينيها، ثمّ بعد نصف ساعة، فتحت عينيها وأملت الرسالة التي قالها لها السيد المسيح. وكان يسوع لأوّل مرّة في التاريخ، يتكلّم اللغة العربية. وتوالت بعد ذلك حالات الانخطاف، وتناوب يسوع الحديث مع السيدة العذراء، تارة هو، وتارة هي. كلّ ذلك مُسجّل، سأعطيكم كتيباً في نهاية اللقاء. تقرؤون فيه كلّ ما قاله السيد المسيح والسيدة العذراء، وقد نُقِل بأمانة مطلقة. ما قالاه كان يشير أوّل ما يشير إلى أمور خطرة ستجري في سورية.
في 4 تشرين الثاني من العام 1983، قالت السيدة العذراء لـ«ميرنا» في الانخطاف: «قلبي احترق على ابني الوحيد، ما رح يحترق على كلّ ولادي». هذه العبارة أثارت لدينا تساؤلات: ترى ما الذي يمكن أن يحدث! ولكن الرسالة كانت تشير إلى شيء خطر جداً. وتوالت الرسائل، إلى أن أتتنا رسالة عام 2004 يوم سبت النور، في 10 نيسان منه، ويومها كان حاضراً إعلاميون ولاهوتيون على نطاق العالم، وأطباء كبار من مختلف أنحاء العالم. وكانوا يسجّلون كلّ مشاهداتهم بالفيديو. وفي العام 2004 بالذات، أخضعوا «ميرنا» لاختباراتٍ طبيّة مختلفة، لئلا يكون هناك ما يمكن أن يكون احتيالاً. وإليكم حرفيّاً رسالة يوم سبت النور من عام 2004. قال السيد المسيح: «وصيتي الأخيرة لكم ارجعوا كلّ واحدٍ إلى بيته، ولكن احملوا الشرق في قلوبكم. من هنا انبثق نورٌ من جديد، أنتم شعاعه لعالمٍ أغوته المادة والشهوة والشهرة حتى كاد أن يفقد القيم. أمّا أنتم، فحافظوا على شرقيتكم، لا تسمحوا أن تُسلب إرادتكم، حريتكم، وإيمانكم في هذا الشرق». يومها كان أطباء من الولايات المتحدة وألمانيا والنمسا وفرنسا والسويد والدانمارك والنرويج ولبنان وسورية. أمّا الطبيب الذي قدم من الولايات المتحدة، فقد كان الدكتور «أنطوان منصور»، الذي رافق الظاهرة، منذ عام 1986، بفضل صديقه المطرب «طوني حنّا». فمنذ عام 1986، لم يعد يغيب عن الصوفانيّة في أسبوع الآلام. وهو كان أوّل من دعا «ميرنا» للسفر إلى أميركا، إثر الرسالة التي أتت عام 1987، والتي أكد السيد المسيح فيها لميرنا، فيما قال: «اذهبي وبشري في العالم أجمع، وقولي بلا خوف أن يعملوا من أجل الوحدة…». يومها اتصل بي الدكتور «انطوان منصور» من لوس أنجلوس، ليعلم ما حدث. فأخبرته وأمليت عليه الرسالة كاملة. وإذ به بعد 4 أيام، يقول: ادعوا «ميرنا» لتبدأ جولاتها من أميركا. ظللنا الأب معلولي وأنا سنة كاملة نتردد. «ميرنا» لا تملك لغة، حتى لغتها العربيّة قاصرة. ثقافتها عادية جداً. وأميركا غول. أين تريد لنا أن نزجّ بـ«ميرنا» في أميركا؟ وبعد سنة سمحنا لـ«ميرنا» بأن تسافر مع زوجها وطفلتهما، وكتبنا رسالة لـ«ميرنا» وزوجها نقول لهما فيها: احرصا على إقامة الصلاة فقط. لا تؤخذا بالإعلام، ولا بالسهرات، ولا بالدولارات. أنتما ماضيان للصلاة فقط. أقاما عند الدكتور «منصور» 6 أشهر، بعد أن تلقيا دعوة من أسقف في أميركا. وفي بيت الدكتور، عاد الزيت ينسكب من نسخ صورة سيّدة الصوفانيّة. وبات الناس يأتون بالمئات ليصلّوا. وحدث لميرنا انخطاف يوم 15 آب عام 1988. يومها كان الفنان «وديع الصافي» موجوداً في البيت. وأتت رسالة خاصّة بأميركا. هذا كلّه مدوّن وموثّق توثيقاً دقيقاً. منذ ذلك الحين، سافرت ميرنا إلى أميركا 15 مرّة. الآن هي في أميركا وستعود بعد 10 أيّام. سافرت إلى كندا 9 مرّات. إلى أستراليا مرّتين. إلى أوروبا عشرات المرّات. وفي الوطن العربي وسورية عدد من الجولات لا يحصى. وكنت في الغالب أرافقها مع زوجها. وكنت أشاهد الناس في هذا الغرب المادي، يأتون بالألوف، بل بعشرات الألوف. بعض الصلوات كانت تستمر 5 ساعات. شيء لا يصدّق. كنت أقول للناس أنتم تعيشون في ماديّة. ولكن وجود «ميرنا» بينكم وظهور الزيت، كشفا لي أنكم تعيشون على بحارٍ من الإيمان، كما نعيش نحن العرب على بحار من النفط. تحتاجون إلى من يحرككم ويوقظ الإيمان فيكم. وكانوا على العموم غربيين يأتون. وكنت أراهم يصطفون في تواضعٍ مذهل. وكثيراً ما كانوا يبكون. وطلبت من الكثيرين منهم أن يكتبوا شهاداتهم، وبهذه الشهادات ملأت الكتب التي نشرناها بالعربيّة والفرنسيّة والإنكليزيّة… مجلد واحد عام 1990، ومجلدات ثلاثة عام 2008. سأريكم بعد لحظات أرشيف الصوفانيّة… بعض الوثائق وشهادات الأطباء وردت كلّها في هذه الكتب. وقد وضع حتى الآن لا أقلّ من أربعين كتاباً، في مختلف لغات العالم، من أطباء ولاهوتيين وعلماء في الغرب. وكلّها عندي.
إذاً ما أريد أن أقوله هو أنه حدث في دمشق شيء خارق. ولكن الناس كانوا يأتون، يشاهدون، ثمّ ينسون. لم أشر إلى ظاهرة انفتاح الجراح في جسد «ميرنا». أوّل مرّة انفتحت الجراح يوم الجمعة 25 تشرين الثاني عام 1983. يومها دعونا 8 أطباء، وبعضهم حيّ حتى اليوم. الجراح انفتحت بعد الظهر الساعة 16:00، والتأمت كليّاً الساعة 23:00 في اليوم نفسه. بعض الأطباء شاهدوا، ولكنهم رفضوا أن يكتبوا الشهادات. آخرون كتبوا شهاداتهم، وهم مدهوشون. وتكرر فتح الجراح في الأعوام التي كان الكاثوليك والأرثوذكس يحتفلون فيها بعيد الفصح معاً. وهي الأعوام: 1984 – 1987 – 1990- 2001- 2004. وكان الأطباء واللاهوتيون والإعلاميون يأتون في هذه السنوات خصيصاً من بلدان كثيرة، ليشاهدوا بأمّ العين ويصوروا بأنفسهم. هناك كتابات رائعة كتبت. أنا شخصيّاً دونت ما شاهدت. وما كتب آخرون من أطباء وعلماء ولاهوتيين وأناس عاديين، وجدت من واجبي أن أجمع بعضها، وأن أضمّها في كتاب، والكتاب بات وثيقة. هذا الذي حدث يفقأ العين التي لا ترى، ولكن أهل الشام ما يزالون حتى الآن يرفضون ويقولون حتى اليوم أين المعجزات؟ المعجزات تجري تحت عيونكم. وكثيراً ما أعاتب الناس في الصلاة. أحياناً تكون الكنيسة هنا مكتظة بالناس، وأرى من واجبي أن أذكّرهم بما حدث، لأذكّرهم بأن ما يقال في الإنجيل وما يُقرأ فيه، لم يكن في الماضي فقط. تكرّر حدوثه في زماننا. لا بل هَيَّأَنا لهذا الزمن الصعب. ولكن الناس يصرّون على الرفض. لست أدري ما السبب، بالفعل لست أدري. يؤلمني هذا الواقع. أنا بالنسبة إليّ مثلاً، الذي يحدث في سورية، أحاول أن أفهمه، أقرأُ، أتابعُ، لدي مكتبة كبيرة. كنت اتوقع، ولكني لم أكن أتوقعُ أن يكون على هذا القدر من الهمجيّة التي نراها. كنت أتوقع شيئاً مرعباً، ولكن لا بالقدر الذي نراه. ومع ذلك أظل ثابتاً، هادئاً، واثقاً من أن هذه الأزمة سائرة إلى نهايتها، استناداً إلى ما جرى في الصوفانيّة، واستناداً إلى ما قاله السيد المسيح والسيدة العذراء، وقد قلت ذلك علناً على التلفزيون، في ثلاث حلقات على محطّة «تلاقي». وأيّاً كان الذي يسألني أقل له: «لي تحليلي ولكم تحليلكم. ولكن مستندي الأكبر هو الصوفانيّة وما حدث فيها».
وفي عام 2014 اجتمع 3 شبّان مسلمين، وطلبوا مني أن يصوروا أحداث الصوفانيّة في عمل تلفزيوني. واطلعوا على وثائق الفيديو والتسجيلات، وكانوا يأتون أحياناً ويصلّون معنا. يوم 17 نيسان 2014، أتاني المسؤول عنهم واسمه «أحمد»، وقال لي اسمح لي أبونا أن أضع الكاميرا لأصوّر. قلت له: «أحمد، مضى 10 سنوات لم يجرِ شيءٌ خلالها، فما الذي يجعلك تتصور أن شيئاً ما سيحدث؟». قال: «أبونا معلش قلبي قايلي». قلت له: «ضع الكاميرا». وضع الكاميرا الساعة 16:00. فجأة انتاب ميرنا وجع رأس قاسٍ، بحيث إنها لم تعد تتمالك نفسها. فاضطجعت في سريرها وفي الساعة 16:15، بدأ الزيت ينسكب من يديها وعينيها. يومها كان عيد الجلاء في سورية، وكان يوم الخميس 17 نيسان. أقمت القدّاس. ظلت «ميرنا» في الغرفة مع عدد من المؤمنين والأب «بولس فاضل». أنهيت القدّاس في الساعة 18:00. خرجت ميرنا من الغرفة مع المؤمنين وأبونا «بولس». وأعطاني أبونا «بولس» ورقة صغيرة جاء فيها ما قال السيد المسيح لميرنا: «الجراح التي نزفت على هذه الأرض هي عينها الجراح التي في جسدي، لأن السبب والمُسبّب واحد، ولكن كونوا على ثقة بأن مصيرهم مثل مصير يهوذا». هذه الرسالة ما كان لأحدٍ أن يتوقعها. أتت لتكرّم جميع شهداء سورية، وجميع منكسري القلوب في سورية، «الجراح التي نزفت»… بهذه العبارة يقول السيد المسيح: «أنتم أنا، وأنا أنتم. نحن نؤمن في المسيحيّة أن المسيح صُلب ليفدي البشر، وأنه قُتل ومات، ولكنه قام. وفي هذه الرسالة يقول «يسوع» أنتم تتألمون كما تألمت أنا، فداء عن البشر، وبالتالي أنتم تتألمون فداء عن البشريّة. وهو يضع في مرتبته بالذات شهداء سورية ومعذَّبي سورية، وبالتالي يؤكد خروج سورية كما خرج هو من القبر. هذا إيماني، وهذا تحليلي للأمور. وقد أردف السيد المسيح يقول: إن السبب والمُسبّب واحد. من يعرف لِمَ قُتل يسوع، ويعرف التاريخ، يعرف بأن الذين قتلوه هم اليهود، وقتلوه ليستأصلوا التوجّه الروحي الذي حمله لهم، كما حمله لهم الأنبياء من قبله. أرادوا التخلص منه، ولكنه أضاف: «ولكن كونوا على ثقة بأن مصيرهم مثل مصير يهوذا». يومها كانت داعش تحتل ثلاثة أرباع المساحة في سورية والعراق. أين هي اليوم؟، كونوا على ثقة،… الرسالة حملت كرامةً لكلّ إنسانٍ في سورية، وحملت أملاً ويقيناً بخروج سورية من الصلب الذي أرادوه لها. لذلك أعيش أنا في طمأنينة، وإن كان قلبي يبكي ليلاً ونهاراً، لأن ما جرى في هذا البلد، لم يجرِ مثله في العالم أبداً.
أريد أن أشير إلى شيئين أخيرين: الصورة التي نضحت زيتاً، لم نكن نعرف منشأها، فأطلقنا عليها اسم «سيدة الصوفانيّة»، باسم الحارة التي حدثت فيها المعجزة. وفي عام 1989، عرفنا أن هذه الأيقونة إنما هي نسخة من أيقونة مشهورة تُعرف باسم سيدة قازان، وهي شفيعة روسيا. وعندما رفعت روسيا الفيتو في هيئة الأمم، فهمتُ لماذا هذه الصورة بالذات هي التي نضحت زيتاً… والشيء الثاني هو أن الزيت الذي ظهر في عيني «ميرنا» وفي الأيقونة، فحصناه في مركز البحوث بدمشق، وفُحص مرتين في مخبرين في ألمانيا، دون أن يشار إلى مصدر الزيت، وفحص في باريس، وفحص في روما. والنتائج جميعها أكدت أن الزيت إنما هو زيت زيتون صافٍ 100%. هذه معجزات جرت في دمشق. وإذا كان الناس يرفضون أن يروها، فالحق ليس على الله الذي أجرى المعجزات، بل علينا، لأننا نرفض أن نرى. وأنا أتساءل في خضم هذه الجحيم التي فُرضت علينا: ما الذي يستندون إليه في مواجهة هذه الحالة الهائلة من اليأس؟ أنا أستند إلى الصوفانيّة. والصوفانيّة ليست «ميرنا». كثيراً ما أقول للناس هنا وفي العالم: كان بوسع الله أن يختار محل ميرنا أي صبية. ليس لـ«ميرنا» أي صفة تؤهلها لهذا العمل. وتاريخ المسيحيّة مملوء بأشخاص ما كانوا يملكون أية صفة، الله حرٌّ في اختياراته… إن من يراها اليوم بعد 34 سنة، ويرى مدى بساطتها وتواضعها، فإنه يقول: إن الله لم يخطئ في اختياره، لأنها برهنت عن تواضع حقيقي، عن امحاءٍ مطلق، وعن تجرّدٍ مذهل. فهم حتى اليوم لا يقبلون قرشاً واحداً، والبيت مفتوح للصلاة. ثمّ لا تنس: عندما يختار الله إنساناً ما، يمنحه من عنده ما يحتاج إليه، لكي يتجاوب مع هذا الاختيار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن