الأولى

انسلاخ أردوغان

| تيري ميسان 

اقتربت تركيا في الأشهر الأخيرة تباعاً من إسرائيل التي كانت ذات يوم حليفاً عسكرياً مهماً جداً، ومن إيران التي حاربتها تحت راية التصدع السني الشيعي، ومن روسيا بعد برود العلاقة معها، إثر تدمير واحدة من طائراتها السوخوي.
كل هذا بدأ قبل محاولة الانقلاب، وينبغي ألا يفسر في ضوء الأحداث الأخيرة.
لقد غيرت تركيا مرة أخرى سياستها الخارجية، وتخلت عن نظرية أحمد داود أوغلو القائلة إن خلق إمبراطورية تركية-منغولية جديدة، يستوجب أولاً استعادة العلاقات مع الجوار، ثم دعم توسع الإسلام السني السياسي. وقد أظهرت الممارسة عقم هذه الإستراتيجية: من المستحيل لأي جماعة، مهما كانت، أن تتمكن من السيطرة على الشرق الأوسط، على حساب الجماعات الأخرى.
إن احترام الجميع لسورية، من خلال علمانية البعث، هو الذي ضمن حتى الآن بقاءها.
لم يتخل رجب طيب أردوغان عن طموحاته الإمبراطورية حتى هذه اللحظة، وقد فسًر إخفاقه كحافز لإنجاز السنية السياسية في بلده أولاً، قبل تصديرها إلى الخارج، فشرع فجأة، في إعادة النظر بدعمه لحماس.
فبينما تواصل أنقرة دعم الإخوان المسلمين الفلسطينيين، أصبحت توافق الآن على مرور قوافل مساعداتها الإنسانية لغزة عبر الموانئ الإسرائيلية، وتفتيشها من الجيش الصهيوني. تماماً كما وافقت مؤخراً على حضور عسكري إيراني وروسي في شمال سورية، من دون أن تتوقف مع ذلك عن دعم مجموعات تركمانية، ومحاربة جماعات كردية.
منطقياً، يجب أن تقود السياسة الخارجية التركية الجديدة أنقرة نحو مراجعة علاقاتها مع الرياض.
يمكن لتركيا أن تستمر، في كل الأحوال، بدعم المملكة العربية السعودية في المواقع التي رسَخت أقدامها فيها، كما هو الحال في المناطق السنية في العراق، وليس في المناطق التي تشهد مقاومة عالية جدا، كمرتفعات قره باغ.
أما فيما يتعلق بسورية، فيجب على تركيا أن تراجع أربعة من التزاماتها:
أولا، لا يمكنها أن تستمر في دعم تنظيم القاعدة على الحدود الإسرائيلية، ولاسيما، وكما أشرنا إلى ذلك الأمر قبل شهرين، أن هناك اتفاقاً بين روسيا والولايات المتحدة بهذا الخصوص، ضد إسرائيل.
ثانياً، ينبغي على تركيا الاعتراف بالتخلي عن حلب الشرقية، وترك الجيش العربي السوري ينجز تحرير المدينة.
ثالثاً، ينبغي على تركيا قبول فكرة انكفاء داعش إلى «سنستان العراق»، مع الأخذ بعين الاعتبار أن من يدعم داعش هناك، هم فقط بعض العشائر السنية والجماعة النقشبندية العراقية، وعدم وجود أي دعم مهم لها في سورية.
رابعاً وأخيراً، حسم المسألة الكردية، حيث إن المشروع المبدئي لأنقرة – بخلاف واشنطن وباريس- هو إقامة دويلة في شمال سورية، وطرد الأكراد- الأتراك من حزب العمال الكردستاني إليها.
مع ذلك، لا يمكن لهذا المشروع أن يعمل من دون مساعدة من حزب العمال الكردستاني الذي لا يهمه أين، بقدر ما يهمه أن يكون له دولة.
على أرضية هذه الموضوعات الأربعة ستدور أعنف المعارك في حلب. ومن المرجح، بناءً على ذلك، أن تطلق حملات تشكيك بالتقارب مع إيران، بدلا من روسيا.
لذلك من المحتمل أيضاً أن نشهد في الأشهر القادمة وضوحاً أكثر في مواقف القيادات الكردية التي تقف حتى هذه اللحظة، إلى جانب أطراف النزاع كافة ضد داعش، لكن المتغيرات ستجبرها لاحقاً على الاختيار بين واشنطن أو موسكو.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن