سورية

أصوات تركية معارضة تنادي بتبديل السياسة تجاه سورية ووقف دعم الإرهابيين…بين سيناريوهات تشكيل ائتلاف حكومي وشروط المعارضة.. أوغلو يستقيل وأردوغان وحزبه يدفعان مواقفهم من سورية

الوطن- وكالات: 

يغرق المشهد السياسي التركي أكثر فأكثر في تفاصيل أخطاء وفساد حكومة العدالة والتنمية المتراكمة منذ سنوات، والتي فجرتها نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة المخيبة لطموحات الرئيس رجب طيب أردوغان، ليشكل توغل السلطة التركية في الأزمة في سورية دعماً للإرهاب واستباحةً للحدود، الفاتورة والعقدة الأكبر ضد أردوغان ورئيس وزرائه المرشح للتكليف أحمد داوود أوغلو رغم قبول الأول لاستقالته وتكليفه تسيير الأعمال.
وسيكون من الصعوبة بمكان صرف تلك الفاتورة في خفايا المشهد والتشكيلة الحكومية «الائتلافية» القادمة -فيما لو نجح داوود أوغلو في تشكيلها – خصوصاً مع التصريحات المتوالية منذ سنوات لشخصيات حزبية وسياسية معارضة باتت تملك من مقاعد البرلمان اليوم رصيداً لا يمكن لأردوغان تجاهله.
وفي آخر هذه التصريحات، أكد رئيس حزب الشعوب الديمقراطي التركي صلاح الدين دميرتاش ضرورة قيام تركيا بوقف دعمها للتنظيمات الإرهابية في سورية فوراً كشرط أساسي لإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي في العلاقات الخارجية التركية للحكومة الجديدة.
وقال دميرتاش في حديث لقناة «سي إن إن» الأميركية ليل الإثنين: إن «هذا الطلب يمثل أحد الشروط الرئيسية لأي ائتلاف حكومي بين حزب العدالة والتنمية وأي من الأحزاب السياسية الثلاثة»، لافتاً إلى أن الأحزاب الثلاثة لن تستعجل اتخاذ أي قرار فيما يتعلق بصيغ الحكومات المستقبلية بسبب الوضع المعقد للتوازنات السياسية داخل البرلمان.
ووصف دميرتاش انتصار حزبه في الانتخابات البرلمانية بأنه «تاريخي وسيؤثر بشكل كبير في مجمل الحسابات السياسية الخاصة بالقضية الكردية داخلياً وإقليمياً».
يذكر أن حزب الشعوب الديمقراطي الذي تعرض لضغوط كبيرة وتعديات من مسؤولي وأعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم تخطى عتبة العشرة بالمئة من أصوات الناخبين وحصل على تأييد 13.5% من الأصوات ما شكل خسارة الحزب الحاكم الأغلبية المطلقة وفقدانه التفرد بتشكيل حكومة جديدة في تركيا حيث وجه الناخبون الأتراك صفعة قوية لحكم رجب أردوغان الاستبدادي وأطاحوا بحلمه لإبقاء تفرد حزبه بالحكم وفرض تغيير دستوري على تركيا وتحويل نظامها من برلماني إلى رئاسي. وبالأمس أعلنت اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية التركية عن النتائج شبه الرسمية للانتخابات، مبينةً أن «نسبة المشاركة في الانتخابات كانت 83.92% من مجموع أصوات الناخبين المسجلين في عموم تركيا والأتراك الموجودين في الخارج وعددهم الإجمالي 56.698.817 ناخباً».
وأوضحت اللجنة وفق ما نقلت وكالة «سانا» للأنباء أن العدالة والتنمية حصل على 40.87% من مجموع أصوات الناخبين، في حين حصل حزب الشعب الجمهوري على 24.95%، مقابل 16.29% لحزب الحركة القومية، كما حصل حزب الشعوب الديمقراطي على 13.12%».
وبناءً على النتائج لم ينل حزب العدالة والتنمية سوى 256 مقعداً مقابل 132 للشعب الجمهوري و82 للشعوب الديمقراطي و80 للحركة القومية.
بدوره قال المساعد الأول لرئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، في مقابلة مع الميادين: إنه «في حال شكلت المعارضة حكومة ائتلافية فإنها لن تتدخل في شؤون الدول العربية وستدعم خيارات الشعوب لا خيارات الإخوان المسلمين، كما لن تقدم أسلحة للمسلحين في سورية». وأضاف في مقابلة مع قناة «الميادين» ليل الإثنين: «إذا دخلنا الحكومة التركية لن نقدم أسلحة للمسلحين في سورية، وسنمد أيدينا للنظام هناك»، منطلقاً من أن «الشعب التركي يريد من الحكومة أن تعدل سياستها في التعاطي مع ملفي سورية والعراق».
كما أكد خبراء سياسيون أتراك أن نتائج الانتخابات التركية التي مني فيها حزب العدالة والتنمية بهزيمة مدوية من شأنها أن تساهم في تغيير سياسة تركيا إزاء سورية.
ولفت منصور أكجون عضو الهيئة التدريسية في جامعة «كولتور» باسطنبول إلى أن حكومة حزب العدالة والتنمية كانت تحدد سياساتها وفقاً لأقوال أردوغان وتوجهاته، مؤكداً أن حصول الحزب على هذه النسبة من أصوات الشعب من شأنه أن يقلل من تأثير أردوغان ونفوذه.
ورأى أكجون أن فوز حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية وتجاوزه العتبة الانتخابية من شأنه أن يؤثر في السياستين الخارجية والداخلية لتركيا وفي حال ضم الحزب إلى ائتلاف حكومي فإن هذا حتماً يقتضي إعادة النظر في السياسات المتبعة إزاء مكافحة تنظيم داعش الإرهابي وتفعيلها فضلاً عن ضرورة تغيير السياسات المتبعة إزاء سورية.
بدوره قال مراد بيلهان السفير التركي المتقاعد ونائب رئيس مركز آسيا التركي للدراسات الإستراتيجية: إن السياسة الخارجية التركية لا يمكن أن تستمر على ما هي عليه في ظل نتائج الانتخابات الأخيرة، مشدداً على ضرورة إجراء تغييرات في مجال العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والسياسات إزاء قبرص وسورية وأوكرانيا.
وحول خيارات أردوغان والسيناريوهات المرجحة في المرحلة المقبلة، أكد رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو أن حكومة الحزب الواحد عجزت عن حل المشاكل التي تعاني منها تركيا، مشيراً إلى أن الشعب يرغب في تحقيق التصالح بين الأحزاب السياسية من دون أن يشمل هذا التصالح حزب العدالة والتنمية.
وقال كيليتشدار أوغلو في تصريح أدلى به لصحيفة حرييت التركية: «إن التوجه نحو انتخابات مبكرة من دون حل المشاكل التي خلقتها حكومة حزب العدالة والتنمية لا بد أن يخلق النتيجة نفسها»، معتبراً أن ترك البلاد من دون حكومة يعبر عن قلة احترام لخيار الشعب وإرادته والأحزاب الأربعة التي فازت بالانتخابات تتحمل المسؤولية نفسها حيال هذا الموضوع ولكن تترتب مسؤولية خاصة على عاتق الأحزاب المعارضة الثلاثة.
ولفت كيليتشدار أوغلو إلى أن تركيا تشهد مشاكل خلقتها حكومة حزب العدالة والتنمية في مجال السياسة الخارجية والاقتصاد فضلاً عن تنفيذ استحقاقات الدولة الاجتماعية، مشدداً ضرورة تطبيق سياسة خارجية تركية تعتمد على السلام وهذا ما يرغب به الشعب التركي.
والأحد أعلن كيليتشدار أوغلو أن حزبه مستعد للمشاركة في حكومة ائتلافية مع حزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي، مؤكداً أن الأتراك يريدون حكومة تعمل على تحقيق المصالحة الوطنية والمشاركة السياسية.
وفي سياق المواقف من تشكيل حكومة ائتلافية، قال صلاح الدين دميرتاش: «إن جميع الخيارات يمكن تقييمها لاحقاً»، لافتاً إلى أن حزبه كان أكد أنه لن يشكل ائتلافاً حكومياً مع حزب العدالة والتنمية، فيما سيبذل جهوداً كبيرة من أجل الوقوف أمام عدم الاستقرار بما فيه تشكيل حكومة أقلية.
وأكد دميرتاش في تصريحات له ضرورة مناقشة موضوعين ملحين قبل كل شيء، وهما التزام رئيس الوزراء الحالي أحمد داود أوغلو بوعده بتقديم استقالته والانسحاب من الحياة السياسية في حال عدم حصول حزبه على الأغلبية البرلمانية التي تؤهله لتشكيل الحكومة، كما ينبغي أن توكل مهمة التفاوض لتشكيل حكومة ائتلافية لشخص آخر من حزب العدالة والتنمية.
وفي السياق ذاته كشفت صحيفة «حرييت» عن أن رئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي أشار خلال أحاديث له إلى احتمالين حول تشكيل ائتلاف لا يشمل حزبه، فيما تبرهن تقييمات مسؤولي الحزب على أنه لم يغلق أبوابه بشكل كامل أمام المشاركة في ائتلاف حكومي.
وقالت الصحيفة: «إن حزب الحركة القومية متمسك بخطوطه الحمراء التي حددها في حال التفاوض مع حزب العدالة والتنمية وهي التخلي عن فكرة الانتقال إلى النظام الرئاسي، وعدم تقديم أي اقتراح بشأن الهوية التركية وبنية الدولة الموحدة في حال مواصلة العمل في مجال إعداد دستور جديد للبلاد والتحقيق بشكل جدي في تهم الفساد وإبعاد جميع المتورطين فيها من أجل تشكيل إدارة نظيفة وشفافة في السياسة».
في مقابل ذلك تستمر حالة التخبط التي يعيشها حزب العدالة والتنمية على وقع الهزيمة المرة التي مني بها بعدم حصوله على الأغلبية المطلقة في الانتخابات التشريعية.
وتشير الأوساط السياسية في أنقرة إلى أن رئيس الوزراء داود أوغلو أصبح أمام خيارين إما المشاركة في ائتلاف من شأنه أن يثير ردة فعل رئيس النظام التركي رجب أردوغان أو إجراء انتخابات مبكرة ما سيضعه أمام معادلة صعبة من حيث مستقبله السياسي.
وبحسب هذه الأوساط فإن أعضاء حزب العدالة والتنمية يعتقدون أن مواقف أردوغان وأساليبه لعبا دوراً كبيراً في النتيجة التي حصل عليها الحزب، مشيرين إلى أن هذه المواقف تؤثر حالياً في الخيارات التي يمكن أن يلجأ إليها داود أوغلو لما بعد الانتخابات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن