قضايا وآراء

كلمة حول مؤتمر باريس الأخير؟

صياح عزام: 

 

عقد ما يسمى التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي مؤخراً مؤتمراً في باريس، وقد وجد المتحالفون أنفسهم- حسبما نقلت بعض وكالات الأنباء- أشبه ما يكونون مكتوفي الأيدي ومعقودي الألسن، أمام واقع لافتٍ للنظر ويصعب التعايش معه، كما عبّر عن ذلك العديد من المشاركين فيه.
وبطبيعة الحال، فإن مثل هذه الصعوبات هي أمر طبيعي لأن هذا التحالف أقيم بالأساس على أسس خاطئة، كما أنه تحالف مُسيَّس، ولا نبالغ إذا ما وصفناه بأنه تحالف مُزَّيف ليس هدفه الحقيقي مواجهة إرهاب داعش…
سؤال: كيف يمكن لدول أوجدت داعش وغيرها ومدَّتها بالأسلحة والأموال أن تواجه داعش؟!
والسؤال الآخر، ألم يصبح من المؤكد أن زعيمة هذا التحالف الولايات المتحدة نفسها غير جادة في مواجهة داعش وتغض النظر عن تمددها هنا وهناك وخاصة في سورية والعراق؟ والأدهى من ذلك، أن الطائرات الأمريكية تنقل الأسلحة جواً وترميها في أماكن بحيث تصل إلى يد داعش، ثم تعلل ذلك بالخطأ… هذا الأمر حصل أكثر من مرة وفي أكثر من منطقة.
إذاً، هناك تضليل واضح حول هذه المواجهة لداعش وحول المؤتمرات التي يعقدها المتحالفون، ثمة من يدعي أن هناك أزمة حقيقية تقبع في أذهان أصحاب القرار في التحالف المذكور، في كيفية مواجهة الجغرافيا السياسية لداعش وخاصة ما حدث مؤخراً بعد احتلالها للرمادي في العراق ولتدمر في سورية، والتمدد في شمال حلب، الأمر الذي يعني بلغة الجغرافيا السياسية والعسكرية أيضاً، أن تمدداً بهذا المستوى يثير جدلاً منطقياً تجاه طبيعة التمدد وأهدافه وتداعياته، ولاسيما أنه يشكل عملية وصل لمناطق صحراوية ظاهراً، وعملية فصل في المضمون لساحات أخرى تمهد لعمليات تقسيم واضحة على أرض الواقع مستقبلاً.
هل من المعقول أن طائرات هذا التحالف الدولي التي نفذت كما يقول الناطقون باسمه 4100 غارة جوية على عدة مواقع لداعش، كانت عاجزة عن ضرب حشود داعش التي انطلقت من الرقة إلى تدمر في أراض مكشوفة، وعن ضرب وإيقاف تلك الحشود، علماً بأن الأقمار الصناعية الأميركية ترصد أهدافاً على الأرض بحجم القطة الصغيرة أو أقل من ذلك؟!
الشيء الآخر، أن غارات التحالف المشار إليها لم تكن فعّالة بمعظمها، وذلك بشهادة خبراء عسكريين، بمعنى أنها اختلفت بين منطقة وأخرى في مناطق نفوذ داعش، الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن مواقع المواجهة، لها دلالاتها الخاصة، ففي منطقة كردستان العراق وعين العرب، اكتسبت الغارات بعض الجدّية والفعالية، أما في الرمادي ومنطقة تدمر المكشوفة تماماً التي تتحرك فيها داعش بين غرب العراق وشرق سورية، فبدا تحرك داعش كأنه لا يهم التحالف ولا حاجة لردعه، لأنه يستنزف جميع الأطراف في المنطقة من جهة ويُضْعف سورية والعراق من جهة أخرى. وقد لمح الوفد العراقي إلى مؤتمر باريس إلى هذه الازدواجية وحصلت بينه وبين الوفدين الأميركي والفرنسي تجاذبات تتعلق بتوقيت وأهداف وغايات مواجهة داعش في سورية والعراق، ولاسيما أنه عندما طالب الوفد العراقي بمزيد من الدعم الدولي، ربط القادرون على الدعم هذا الطلب بالواقع الداخلي في العراق وغياب ما يسمونها مصالحة سياسية عراقية داخلية، وبالطبع أمر المصالحة الذي تلح عليه باريس وواشنطن هو بمنزلة ذريعة للعاصمتين المذكورتين للتهرب من مواجهة داعش، وللضغط على الحكومة العراقية لتلبية طلباتهما المشبوهة والمغرضة.
إن الجغرافيا السياسية التي يمثلها تنظيم داعش الإرهابي حالياً في سورية والعراق تقل أهمية من حيث المبدأ في تداعياتها المحتملة في المستقبل القريب في اتجاهات أخرى مثل الأردن ولبنان وحتى في قطاع غزة كما ظهرت في الأشهر القليلة الماضية عن تحركات لها دلالاتها الحساسة، وهي مناطق فيها الكثير من الإغراءات التي تدغدغ أحلام التمدد الداعشي الإرهابي وإن كانت محيدة هذه الأيام بفعل توازنات إقليمية ودولية دقيقة وليس جرّاء تعفّف داعش أو غيرها في فتح ملفات هذه المناطق.
أمر آخر مهم وهو أن القرارين 2170 و2199 لمجلس الأمن والمتعلقين بمحاربة داعش فيهما الكثير الكثير من (المرونة والغنج السياسي) في التصدي لداعش الإرهابية، وخاصة القرار 2199، الأمر الذي فتح شهيّة داعش على قراءة تراخي المشهد الدولي في مواجهتها، وعزز اندفاعاتها وتمددها في أكثر من ساحة إقليمية، وجعلها تستفيد من ذلك في أكثر من موقع سياسي، بعدما أحكمت قبضتها على بعض المناطق في سورية والعراق.
الخلاصة: إن مؤتمر باريس اكتفى ببيانٍ باهتٍ وأقرب إلى توصيات سمعت سابقاً، وأوحى بتقديم دعم مشروط للعراق، لأن شروط هذا الدعم صعبة التحقيق على المدى المنظور، كل هذا يعزز الشكوك في طبيعة داعش ودعمها، كحالة تسهم في استنزاف دول المنطقة جيوشاً واقتصاداً ومجتمعات، تمهيداً لتقسيم جديد لدولها على أسس عرقية وطائفية.
واللافت أكثر التصريحات الأميركية العلنية بأن القضاء على فكر داعش يتطلب (عقوداً بل أجيالاً)، وهذا ما يُخفي وراءه رؤى أخرى مضمرة، مفادها الدعوة إلى التأقلم مع الجغرافيا التي كرسها داعش، علماً بأن العديد من الحكام العرب بدؤوا يستسلمون لهذه الدعوة ويباركونها كما باركوا من قبل الدعوات لعقد اتفاقيات صلح مع إسرائيل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن