اقتصاد

إلى وزير المال: اختر الحجر المناسب

| علي نزار الآغا

«من كبّر حجره لا يصيب أبداً».. مقولة شعبية متداولة بكثرة في ثقافتنا للدلالة على ضرورة التمسك بالواقعية من حيث الإمكانات والظروف عند التخطيط للقيام بأي عمل.. فهل ينطبق ذلك على وزير المال الجديد القادم من بورصة دمشق؟
يبدو أن خبير المحاسبة الدكتور مأمون حمدان بدأ يتلمس مدى صعوبة ومشقة الغوص في أعماق بيت مال السوريين، الذي كاد يقتل وزيراً سابقاً بذبحة قلبية لولا حضور فوري لطبيب مختص مساء ذلك اليوم الذي شهد محاولات أولية فقط لتفكيك صندوق الدين العام.
وعلى الرغم من ذلك فإن الوزير الجديد الذي بالكاد ارتاح من عمل جراحي قلبي، مصرّ على الغوص لكشف الأسرار المالية مطلقاً شعارات مالية إصلاحية أقل ما يقال فيها «طموحة جداً» على الرغم من أهميتها، كما ألزم نفسه أمام الرأي العام بمواعيد لتحقيق طموحاته، ما يبدو قد استدعاه لتحضير سرير للنوم في الوزارة حرصاً على استمرارية العمل.
أخلاقياً، نقدر الحماسة التي ألهبت عقل ولسان وزير المال الجديد، أما منطقياً، فهناك الكثير من الأمور الشائكة تحتاج نقاشاً واقعياً، فتغيير الموازنات العامة للدولة أو بالأحرى إصلاحها، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين وتحقيق العدالة الضريبية… أحلام طالما دغدغت مشاعر السوريين، لكن تحويل الحلم إلى واقع يصطدم بالكثير من العقبات الهيكلية الشائكة، المتجذرة تاريخياً في عقليات العمل الحكومي وما أفرزته من تعقيدات في طرق ووسائل التشبيك الإداري والمؤسساتي، وما يستتر خلفها من نشاط واسع لعوالم الفساد.
صحيح أن إرادة الإصلاح والتغيير موجودة لدى وزير المال الجديد، ونحن نثق بذلك، لكن الوصول إلى الأهداف مرتبط بالقدرة إلى جانب الإرادة، وهنا نسأل الوزير بشفافية: هل هو قادر على تحقيق وعوده بإحداث تغيير جدري في الموازنات القادمة وتحقيق عدالة ضريبية بحكم ما هو متوافر لديه من إمكانيات وصلاحيات وفريق عمل على تخطي مساتر الفساد والعلاقات المصلحية المتراكمة في الوزارة والجهات المرتبطة بها والتي عززت مواقعها منذ عشرات السنين؟ وكيف سيعيد ترتيب جدول النفقات لإحداث أثر ملموس في معيشة المواطنين وتحسين الإنتاج والتشغيل في ظل وجود ضغط كبير من أرقام الدفاع الضرورية لارتباطها بأمن البلد ذي الأهمية القصوى حالياً، إذ إن الحديث عن تقشف هنا وضغط لبعض النفقات الإدارية هناك أمر لا يعول عليه في تحقيق طموحاته، وخاصةً أن العجز في الموازنة هيكلي ودوري كبير بسبب آثار الدورة الاقتصادية اللئيمة على أرقامها المقدرة وفقاً للإمكانيات والمحققة فعلياً.
من حق الوزير أن يحلم بترك بصمة تاريخية في ذاكرة السوريين المالية، لكن من واجبه أيضاً أن يختار أهدافاً يمكن إصابتها بدقة كي لا يصاب السوريون بخيبة أمل جديدة بعد بث الأمل فيهم من جديد عبر وسائل الإعلام، كما نحرص بدورنا على ثقة المواطنين بالوزير الذي بالكاد باشر أعماله في الوزارة، فلا يمكن الحكم على نتائج إدارته قبل ستة أشهر على الأقل.. لذلك نتمنى على الوزير حمدان حالياً على الأقل أن يختار حجره بعناية كي تكون إصابة الهدف مؤكدة في الوقت المحدد.. على أمل أن يحقق كل طموحاته وطموحاتنا تدريجياً.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن