سورية

بكين تجدد تأكيد جديتها بأداء دور أكبر في معالجة الأزمة السورية

| سامر ضاحي

يبدو أن الصين تريد تثبيت أقدامها بقوة في منطقة الشرق الأوسط عبر زيادة تواجدها العسكري والسياسي فكانت الأزمة السورية فرصة لها للولوج إلى منطقة لطالما عرفت بأنها منطقة نفوذ للولايات المتحدة الأميركية، لاسيما أن بكين ترى في دخول العنصر الروسي بأسطوله الجوي والبحري وقاعدتيه الجوية في حميميم والبحرية في طرطوس يعطي فرصة لتواجد قد يرقى إلى رتبة التواجد الروسي فأعلنت أنها تريد علاقات عسكرية أوثق مع سورية.
ويشفع للمارد الصيني وقوفه الدبلوماسي القوي في مجلس الأمن عبر استخدام حق النقض (الفيتو) ثلاث مرات بدأت في تشرين أول عام 2011 ضد مشروع قرار يدين «القمع» في سورية صاغته دول أوروبية وأيدته واشنطن، والثاني في شباط 2012 ضد مشروع قرار عربي أوروبي يدعم خطة للجامعة العربية تطالب «بتغيير النظام السوري»، أما المرة الثالثة فكانت في تموز من العام نفسه عندما وقفت الصين ضد مشروع قرار غربي لفرض عقوبات على سورية تحت الفصل السابع.
ويبدو أن الأنباء التي تناقلتها صحيفة «South China Morning Post» الصينية أمس عن زيارة مدير مكتب التعاون العسكري الدولي باللجنة المركزية العسكرية الصينية قوان يو في إلى دمشق واجتماعه مع وزير الدفاع فهد جاسم الفريج تأتي استمراراً للنهج الصيني بدعم الحكومة السورية خاصة وان بكين أعلنت عن تعيين مبعوث خاص إلى سورية شي شياو يان في نيسان من العام الجاري بعدما كانت بكين أكدت في إستراتيجيتها الجديدة التي أعلنت عنها بداية العام الجاري عن نيتها الانفتاح باتجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقية والمنطقة العربية خصوصاً.
قوان يو في وخلال زيارته لدمشق «التي وصفتها وسائل الإعلام بالنادرة» لم يخف نية بلاده توثيق «علاقات عسكرية» مع سورية، رغم أن بلاده كانت اعتادت سابقاً ترك دبلوماسية الشرق الأوسط لغيرها من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولى وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا.
اجتماع الفريج مع المسؤول العسكري الصيني وحديث الأخير عن «ارتباط جيشي الصين وسورية تقليدياً بعلاقات ودية» وأن الجيش الصيني يريد «مواصلة تعزيز التبادل والتعاون مع الجيش السوري». وتعيين المبعوث السياسي شي من قبل يؤكد جدية بكين بلعب دور أكبر في حل الأزمة السورية التي تشهد نوعاً من التقارب بين الولايات المتحدة وروسيا نحو حل ما لا بد أن يحمل في جعبته ترتيبات إقليمية ترغب بكين بالمشاركة الجدية في صياغتها لاسيما وأن قوان لم يجتمع فقط مع الفريج بل اجتمع أيضاً مع رئيس مركز المصالحة الروسي في قاعدة حميميم الجوية سيرغي تشفاركوف.
الدخول الصيني إلى ساحة الأزمة عسكرياً تأكد بتفاصيل لقاء الفريج مع قوان وتوصل الطرفان إلى توافق بشأن تقديم الجيش الصيني مساعدات إنسانية إلى سورية كما تحدثا عن تدريب الأفراد وهو أمر مهم من شانه زيادة قدرات الجيش العربي السوري القتالية لاسيما وانه بات يخضع لبرامج تدريبية من أكثر من مدرسة أهمها الروسية والإيرانية والصينية الجديدة ما يعني تنوع تكتيكات القتال، الأمر الذي يمكن أن ينعكس إيجابياً على عمليات الجيش العربي السوري المتواصلة ضد الإرهاب.
كما يمكن لهذا التعاون العسكري الدفع بعملية التسوية السياسية إلى الأمام لاسيما وأن الرئيس بشار الأسد أكد أكثر من مرة أن دمشق ترى ضرورة التوازي بين مساري الحل السياسي ومكافحة الإرهاب مانحاً الأخير الأولوية، وبالتالي أي تقدم في مكافحة الإرهاب يعني بالضرورة الاقتراب أكثر نحو الحل.
لكن في المقابل يبقى التساؤل والتخوف أكثر من زيادة تدويل الأزمة السورية ولاسيما على النطاق العسكري فوصول قوات صينية مثلاً إلى سورية يزيد عدد الدول التي تتواجد لها قوات عسكرية على الأراضي السورية بعد روسيا وإيران والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، الأمر الذي له دلالاته السلبية كما دلالاته الإيجابية لاسيما في تعقيد المشهد العسكري أولاً وقابلية «إفشال» أي حلول لا تلبي مصالح البلدان التي أرسلت تلك القوات ثانياً، وثالثاً أن تلك الدول قد تطالب بـ«محاصصة» عبر طلب إقامة قواعد عسكرية لها في سورية يبدو الحديث عنها مبكراً جداً في أزمة لا انفراجة فيها على المدى القريب، لاسيما بتواجد قاعدتين عسكريتين روسيتين جوية وبحرية، ما قد يسيل له لعاب آخرين.
بالعودة إلى التواجد العسكري الصيني فإن بكين لن تتخلى بسهولة عن علاقات قوية مع السعودية وهو أمر ذو حدين تتجلى إيجابياته بقدرة الصين على تحييد الموقف السعودي من الأزمة السورية في علاقاتهما أو كبح جماع التدخل السعودي في الشأن السوري، مقابل إمكانية اعتراض الرياض على الخطوة الصينية وتهديدها بإعادة النظر بعلاقات البلدين الاقتصادية، لكن الأنباء الواردة من موسكو والتي تشير إلى قرب عقد تفاهمات مع واشنطن حول الوضع في سورية تمهد لنسبة تفاؤل أكبر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن