ثقافة وفن

تكريم المتفوقين في معاهد الموسيقا خطوة متميّزة تستحق الإشادة والتقدير … محمد زغلول لـ«الوطن»: يستحق أطفالنا التكريم ولا سيما أنهم يقاومون معنا في ظل الحرب

|عامر فؤاد عامر

يُجمع المتفوقون من طلاب المعاهد الموسيقيّة في سورية، ليُنظّم حفل تلقائي، لا يحتمل سوى ساعاتٍ قليلة من التدريب، ضمن برنامجٍ عفويّ على مسرح دار الأوبرا في دمشق، ثم يتمّ منح هؤلاء الأطفال المبدعين شهاداتٍ تكريميّةٍ كنوع من التشجيع وبثّ روح المنافسة بينهم، وتعزيز حالة التفوّق، ومنحهم خبرة وتجربة جديدة. كلّ ذلك كان في حفل التكريم الذي جمع 24 طالباً متفوقاً من ستّة معاهد موسيقيّة في سورية، جمعتهم مديريّة المعاهد الموسيقيّة والباليه في دمشق لتشكّل لوحة جماليّة تعبّر عن الإبداع والحياة السوريّة الخاصّة.

فكرة فريدة وأولى
حدّثنا مدير مديريّة المعاهد الموسيقيّة والباليه الفنان «محمد زغلول» عن هذه التجربة الأولى والفريدة من نوعها، وعن أهمية القيام بها، وعن الترتيبات التي قام بها والجهود المبذولة: «الفكرة في البال منذ أكثر من عام، ولم تشأ الظروف أن تتمّ هذه الخطوة، ولكن منذ أشهر قليلة نسّقت مع المعاهد الموسيقيّة في المحافظات، لجمع الطلاب والنخبة منهم في دمشق، ليتعرفوا بعضهم على بعضٍ وليختلطوا ويروا إمكانياتهم الموسيقيّة، وكذلك مديرو المعاهد ليتعرف بعضهم على بعضٍ. إذ لم يكن هناك لقاءٌ يجمعهم منذ تأسيس المعهد، وجاءت الفكرة بدعمٍ مطلق من وزير الثقافة «محمد الأحمد»، وقد أطلعته على المشروع وكان مشجّعاً للفكرة، ومنحني المساحة للعمل على تنفيذه، فقمت بالتنسيق الكامل مع مديري المعاهد لإرسال الطلاب المتفوقين والمتميزين، وهؤلاء هم من يمثل المعهد الذي يتعلمون ويتدربون فيه، وهذا التكريم دوري –إن شاء اللـه- من كلّ عام، بحيث إنه سيتمّ جمعهم في دمشق أو أي محافظة أخرى للتكريم وإقامة حفل يبيّن مستوياتهم».

لوحة إبداعيّة
أنشئت من ثلاثة المعاهد في ظلّ الأزمة والحرب على سورية وهي: «معهد «محمد عبد الكريم» في حمص و«محمود العجّان» في اللاذقية، و«نجيب السرّاج» في حماه، أمّا المعاهد الثلاثة الأخرى فهي معهد «صلحي الوادي» في دمشق فتأسيسه كان في العام 1961 ومعهد «صباح فخري» مؤسس منذ أكثر من 25 عاماً، ومعهد «فريد الأطرش» في السويداء تأسس في العام 2010، ومن ثم لا يمكن مقارنة إمكانيّات المعاهد كلّها بالطريقة نفسها، حول هذه الفكرة يضيف الأستاذ شارحاً: « لا يمكن المقارنة طبعاً لعدّة أسباب أذكر منها إضافة لاختلاف أوقات التأسيس والإنشاء، إمكانيّات كلّ معهد المختلفة عن الآخر، إضافة إلى غياب المدرسين، ففي ظلّ الحرب على سورية خسرنا الكثير من كوادرنا بسبب السفر والهجرة خارج سورية، وأيضاً الصعوبات الماديّة التي نسعى لإيجاد حلٍّ لها كضآلة أجر الحصّة الدرسيّة مثلاً، مع ملاحظة أن عدد المدرسين الأكاديميين في سورية اليوم لا يتجاوز الـ50 مدرساً، وهم أنفسهم من يرفد الفرقة الوطنيّة السمفونيّة، والفرقة الوطنيّة للموسيقا العربيّة، والفرق الأخرى، وهماً نفسهم من يدرّس في المعهد العالي للموسيقا، ومعهد صلحي الوادي، أمّا المحافظات فيختلف وضعها من خلال الاستعانة بأساتذة من كليّة التربية الموسيقيّة، ومنذ فترة قمنا باختبار للتعاقد مع أساتذة ضمن المحافظات من خلال عقود الخبرة، ونحاول من خلال جهود وزارة الثقافة تخطّي الصعوبات وتجاوزها كي نبقى مستمرين».

جهود تستحق التقدير
تحمل هذه المبادرة رسالة جميلة، ففيها الأطفال الموهوبون من مدن سورية المتنوّعة والغنيّة بالمواهب، والعمل على هذه الصورة هو جهد له أساسات واجتهادات من الطفل وأهله وصولاً للمعاهد والمدرسين فيها، وكان هذا المحور الجديد في الحديث مع مدير المديريّة «محد زغلول» الذي قال: «الرسالة واضحة من خلال جمع هؤلاء الأطفال، وتبيان تميّزهم، وهذا دليلٌ على أننا مستمرون في العمل وفي التكاتف بيننا وبين الأهالي الذين يرسلون أطفالهم، ويحاولون تنمية مواهبهم، من خلال جهود المعاهد، ووزارة الثقافة التي تدعم هذا الكادر، فالمسرح حكم في النهاية لأن الجمهور يرى ويقيّم، وهذا دليل على العمل والاجتهاد لنصل إلى هذه المرحلة، وجهود إداريين وأساتذة ومديرين ومديريّة المعاهد ووزارة الثقافة. على الرغم من الحرب الثقافيّة الواضحة على بلدنا، ولذلك سنبقى حاملين لرسالة الثقافة والحضارة، فنحن بلد الحضارة والنوطة الموسيقيّة الأولى والأبجدية الأولى. ما رأيته وسمعته من مستويات المعاهد هو شيء يبشّر بالخير وبوجود خاماتٍ وكوادر سترفد مجتمعنا بالموسيقا والمواهب. فهناك تنوع في الأداء بين آلات الموسيقا الشرقيّة والغربيّة، وجميعها كان حاضراً على تنوّعها، وكان معهد «فريد الأطرش» من المعاهد المتميّزة جداً، فقد أبدع كعازفين صولو وكتخت شرقي موسيقي، ومن المعاهد التي تميّزت أيضاً معهد «صباح فخري»، ففرحنا بمشاركتهم وبالمستوى اللائق الذي قدّموه على الرغم من الظروف التعيسة التي تمر بها حلب وما يعانيه أهلها، فهذه الجهود الجماعيّة مهمّ جداً أن نشير إليها ونشيد بها».

تربيّة الطفل الموسيقيّة
يتابع الفنان «محمد زغلول» الشرح عن هذه المبادرة الجميلة ويطلعنا على تفاصيل أخرى جرت: «تعارف الأطفال بعضهم على بعضهم الآخر، وسماعهم لبعضهم، وكذلك الأساتذة، كلّ ذلك يمنح الواحد منهم خبرة أكبر وتجربة جديدة، ومن الممكن أن يبدأ كلّ شخص منهم بتقييم نفسه، ومعرفة قدراته ليسعى إلى تطويرها، والنهوض بها أكثر، وتطويرها والسعي نحو الاستفادة من بعضها. أيضاً في الحفل كان هناك طالب يعزف على القانون من معهد «نجيب السراج» رافقته طالبة من معهد «فريد الأطرش» على الرق، وهذه روح إبداعيّة جميلة، علينا دعمها، فالثقافة الجماعيّة من المهم أن يعتادها الأطفال. أيضاً مسرح دار الأوبرا هو حلمٌ لأي موسيقي، والتكريم شيءٌ معنويّ لأي إنسان، فما بالنا بالأطفال الذين زرعنا بسمة أمل في قلوبهم من خلال هذه المبادرة، على الرغم من كلّ الجراح والصعوبات، وقد لاحظت نشاطهم وفرحهم خلال هذا النشاط والحفل والتكريم والتعرف على بعضهم البعض وولادة هذه الأمور ستولد أثراً إيجابياً في تربيّة الطفل الموسيقيّة، والأطفال في الحفلة عزفوا أمام الجمهور وأعمارهم تتراوح بين 8 سنوات إلى 17 وهذه خطوة تحتاج جرأة وخبرة وموهبة، وجمع هؤلاء 24 طالباً مكرما من مختلف الاختصاصات ومن كل المحافظات، هو عمل مهم أشكر كل من ساهم في العمل معنا وإنجاحه من مديرين ومدرسين، ومنسقين، وعاملين، فالموسيقا لغة العالم، وقد قدم أطفال سورية رسالة واضحة وصريحة بأننا سوريون مجتمعون عزفنا من دمشق لسورية للوطن وكل منهم عبر عن نفسه بطريقة أحبها كما هو من داخله. تفاعل الطلاب كان كبيراً سواء على المسرح أو بين بعضهم البعض أو مع الأهالي والجمهور الحاضر فكانت لوحة سورية بامتياز من 6 محافظات سورية قدموا أجمل ما يمكن تقديمه وقد استمتع الجميع بذلك، وبالموسيقا التي عزفت وشعرنا بالفخر بأطفالنا وبالمواهب على الرغم من الصعوبات وهذا دليل صمود وتحد والرسالة واضحة وقوية».

الخطوة الجديدة القادمة
يجيب صاحب المبادرة والفكرة الفنان «محمد زغلول» عن سؤالنا حول الخطوة الجديدة التي ستقوم بها المديريّة لأنها ترعى الموسيقا وتهتم بالمواهب التي يتميّز بها أطفالنا فيقول: «الخطوة القادمة هي إنشاء أوركسترا المعاهد التي ستقدّم حفلة مهمّة على مسرح دار الأوبرا والتي بدأنا العمل على تأليفها وتكوينها من هذه المعاهد، فبعد هذه الحفلة تشجّعت أكثر بسبب نجاحها وتشجيع أهالي هؤلاء الأطفال جميعهم. وبتعاون المديرين والأساتذة. فنحن مستمرون في المعاهد جميعاً ووزارة الثقافة تقدم جهودها معنا لبناء شخصية طفل موسيقي يحمل سلاحه من خلال هذا الإبداع ضدّ الفكر التكفيري الذي ينشر السلاح والدمار. فهذا سلاحنا الذي سنواجه فيه المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن