سورية

زيارة أردوغان المرتقبة إلى طهران تزيد احتمالات قيام تحالف روسي إيراني تركي تفرضه «المصالح المشتركة»

لم تشهد المنطقة والعالم حراكاً دبلوماسياً كالحراك الجاري منذ نحو أسبوعين، هدفه الرئيس التوصل إلى حل للأزمة التي تعصف بسورية، وانطلق من قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي ورجب طيب أردوغان مطلع آب الجاري في مدينة سانت بطرسبورغ الروسية، تلاها زيارة لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إلى أنقرة، ومن ثم زيارة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى طهران، وصولاً إلى الإعلان عن زيارة لأردوغان إلى إيران الأسبوع المقبل، الأمر الذي يبعث على الأمل بإمكانية التوصل إلى صيغة تخرج سورية وشعبها من نفق الظلام المسيطر عليها منذ أكثر من خمس سنوات. وكان لافتاً أن وكالة «فارس» الإيرانية شبه الرسمية أشارت إلى أن زيارة أردوغان «ستصبح انطلاقاً رسمياً لعملية تشكيل تحالف إيراني – روسي – تركي بشأن سورية»، واعتبرت أن الزيارة لها «أهمية بالغة».
هذا الحراك الدبلوماسي المتسارع للدول الثلاث بالغ الأهمية بكل ما تعنيه الكلمة، كون الدول الثلاث من أبرز اللاعبين والمؤثرين في الأزمة السورية، فتركيا وبعد الإنقلاب الفاشل والمواقف الغربية المترددة والضبابية منه وخصوصاً الموقف الأميركي، في مقابل المواقف السريعة والواضحة من كل من إيران وروسيا، حسمت أمرها بالإستدارة إلى الموقفين الروسي والإيراني مما يجري في سورية، بعد الخذلان الذي شعرت به من الدول الغربية.
من ثم، فإن هاجس تصاعد نفوذ القوى الكردية في شمال سورية ومشروعها الفيدرالي بعد الانجازات التي حققتها على حساب تنظيم داعش الإرهابي والدعم الذي تتلقاه من واشنطن أجج مخاوف أنقرة من قيام كيان كردي في شمال سورية، الأمر الذي جعلها تفصح أكثر فأكثر عن انعطافة «ايجابية» اتجاه سورية، وبدا ذلك واضحاً في تصريحات رئيس الوزراء بن علي يلدريم الأخيرة بأن «المحرك الأساسي للدبلوماسية التركية لم يعد إسقاط النظام (في سورية)، بقدر ما بات ضرب مشروع الاتحاد الديمقراطي بالتعاون مع إيران». وأضاف إنه «لا بدّ من حماية وحدة الأراضي السورية. لا يُمكن لأحد أن يأتي ويقول سأمنح الغرب السوري لأحدهم والجنوب لآخر وسأمنح الشمال للأكراد. لا شيء كهذا سيحدث»، لافتاً إلى أن «على الجميع تجاوز هذه الطروحات، وعلى الجميع الابتعاد عن هذه الأفكار، التي تريد أن تصنع دولة كردية لتشكل حاجزاً بين الشرق الأوسط وتركيا، لأنها لن تأتي بالحل. وإن أكثر العارفين بمشاكل هذه المنطقة هم دول المنطقة، وإيران وتركيا هما أكثر العارفين بين هذه الدول، وهما من سيأتي بالحلّ». وتابع «أما الباقون، سواء الولايات المتحدة أو روسيا وباقي قوى التحالف، فإن أرادوا حلاً حقيقياً، فلا بدّ من أن يتم الحفاظ على وحدة الأراضي السورية».
المصالح الإيرانية، تلاقت مع المصالح التركية فيما يتعلق بالهاجس من تصاعد نفوذ الأكراد في شمال سورية، فإيران لديها أيضاً مخاوف من هذا الأمر الذي قد يكون له كبير الأثر على الأكراد الذي يعيشون في مناطق غرب وشمال غرب البلاد، عدا أن الموقف الإيراني ومنذ بدء الأحداث في سورية يرفض بالمطلق تقسيم البلاد، الأمر الذي شكل نقطة تلاق أخرى مع الموقف التركي المستجد من الأحداث في سورية. كما أن سورية بالنسبة لإيران هي حليف إستراتيجي في المنطقة وتخلي تركيا عن مواقفها السابقة من سورية عزز التلاقي بين أنقرة وطهران.
بالنسبة لروسيا، فإن تركيا وبعد أن لمست تخلي حلفائها الغربيين خلال عملية الانقلاب الفاشل، وفهمت أنهم يريدون منها أن تكون وحيدة كجدار صد بوجه روسيا في سورية، فضلت الانزياح نحو مواقفها على مواجهتها، وهو ما بدا واضحاً من الاعتذار الذي قدمه أردوغان لبوتين على إسقاط الطائرة الروسية في الأجواء السورية والزيارة التي قام بها مؤخراً إلى موسكو.
ولعل ما قرره بوتين وأردوغان في نهاية مباحثاتهما من تشكيل آلية ثلاثية مشتركة من ممثلي وزارتي الخارجية والجيش والاستخبارات من أجل سورية، والتفعيل السريع لهذه الآلية من قبل البلدين، يدل على عمق وأهمية تفاهمات موسكو وأنقرة.
وفي اليومين الماضيين ظهرت إشارة توحي بأن هذه التفاهمات بدأت تطفو على السطح مع تصريحات أطلقها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تحدث فيها عن «تفاهم» مع تركيا على إغلاق الحدود مع سورية وفق ما حدد القرار الأممي 2165. في مقابل هذا الإغلاق قد لا تجد روسيا حرجا بدعم أنقرة في مطلبها عدم قيام كيان كردي فدرالي في شمال سورية وخصوصاً أن «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي أظهر تحالفاً قوياً مع الولايات المتحدة.
مما تقدم يبدو أن بوادر تحالف روسي إيراني تركي بشأن حل الأزمة السورية بات يلوح بالآفق، وستنعكس نتائجه إيجاباً على سورية ولكن الأمر يحتاج لبعض الوقت. تحالف فرضته المصلحة الذاتية لدوله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن