من دفتر الوطن

علماني غير ملحد

| حسن م. يوسف

أحسب أن العيون هي نوافذ اللـه في الإنسان، فهي تعبر عن حقيقة ما يشعر به من دون مواربة أو مخاتلة. والحق أن أجمل الابتسامات ليست تلك التي ترتسم على الوجوه بل تلك التي تلمع في العيون.
أغبط نفسي لأن إخوتي من بني البشر غمروني بفيض لا حصر له من الابتسامات الجميلة، صحيح أنه لكل ابتسامة جمالها الفريد، إلا أن بعض الابتسامات تبقى في القلب ولا تكف عن التفتح أبداً. كذلك كانت ابتسامة «أبو عباس» فوجهه القاسي الملوح بالشمس كان يجعل ابتسامته الرحيمة الودودة أشبه بنبع صاف في صحراء من عطش.
شعرت أن عيني «أبو عباس» قد كفتا عن الابتسام لي عندما رأيته لأول مرة بعد بث اللقاء الذي أجراه معي الشاعر والإعلامي القدير زاهي وهبي في «بيت القصيد»، الذي بث على قناة الميادين، وقد تكرس لدي هذا الشعور خلال اللقاءات التي تلت، بحيث لم أستطع في لقائنا الأخير أن أمنع نفسي من أن أسأل «أبو عباس» عن سر هذا التحول.
«صَدَمْتَني يا أستاذ! لم أكن أتصور أنك غير مؤمن». فاجأتني اللهجة المعاتبة المرة التي نطق بها أبو عباس عبارته السابقة. سألت «أبو عباس» عمن أبلغه بهذا الأمر، فهز رأسه بأسى وأشار إليَّ! ومن دون تأخير أبلغني أنه قد رأى مقابلتي وسمعني أعترف لزاهي بأنني علماني.
ولأن ابتسامة «أبو عباس» الرحيمة غالية علي، فقد دعوته إلى لقاء خاص كي أوضح له أنه ضحية التباس خطير، هو من نتائج ثقافة التكفير الغوغائية، التي تكرسها السعودية الوهابية، حتى في مؤسساتها الكبرى ذات الواجهة العلمية، فالموسوعة العربيّة العالميّة الصادرة في السعودية. تعتبر العلمانية جزءًا من «التّيّار الإلحاديّ».
طمأنت «أبو عباس» إلى أن علمانيتي لا تنفي إيماني، فالعلمانية، كما أفهمها، هي فضاء حر تتعايش فيه كل الأديان والأفكار والعقائد وهي تلزم الدولة بالوقوف على الحيادِ منها كلها، فالعلمانية ليست أيديولوجيا أو عقيدة بقدر ما هي طريقة لحكم المجتمع، تضمن حرية الأفراد، وعدم قيام السلطة بإجبار أي أحد منهم على اعتناق وتبنّي أي معتقد أو دين.
العلمانية ليست ضدّ الدّين، كما يشيع الغوغائيون أعداء الحرية، بل هي في مصلحة الدين من حيث الجوهر، لكونها تحمي الدين من تسلط الدولة، كما تضمن استقلالية الفرد وتَحُول من دون تسلط أي مواطن على الآخر باسم الدين.
ويؤكد خيرة علماء المسلمين أن العلمانية ضرورة من ضرورات التقدم وأن الإسلام لا يتعارض إطلاقاً مع العلمانية وحق الإنسان الطبيعي في حرية المعتقد. يقول المفكر محمد أركون في كتابه «الإسلام والعَلْمنة»: «إن الإسلام بحد ذاته، ليس مغلقاً في وجه العَلْمانية، ولكي يتوصل المسلمون إلى أبواب العَلْمانية، عليهم أن يتخلصوا من الإكراهات، والقيود النفسية، واللغوية، والأيديولوجية، التي تضغط عليهم. ولن يتم ذلك إلا إذا أعاد المسلمون الصلة مع الحقيقة التاريخية للفكر الإسلامي».
أخيراً طمأنت «أبو عباس» بأنني رجل علماني ومؤمن، غير أن الدين الذي أؤمن به رحب فسيح رحيم يريد لي أن أعيش وأوفَّق ويريد لكل خلق اللـه أن يعيشوا ويوفقوا مثلي. لا علاقة لديني بمن يصرخون: «اللهم شتت شمل النصارى واليهود… الخ ». فلي أصدقاء أفتخر بهم، من مختلف الأديان والملل والنحل، بما في ذلك اليهود، فأنا معجب بالموسيقيين ديفيد أويستراخ ويهودي مينوحين كما أحترم المفكر نعوم تشومسكي والسينمائي وودي أن والفنانة باربرا سترايساند. نعم، ليست هناك أية مشكلة بيني وبين اليهود، أما الصهاينة فهم ألد أعدائي وأنا أدعو لمحاربتهم بكل الوسائل الممكنة، لأنهم يحتلون أرضي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن