ثقافة وفن

للرقابة دور مفصلي في ضبط الفوضى الدرامية … الدراما السورية تحولت إلى تجارة تخضع لميزان العرض والطلب فقط

| وائل العدس

رغم تحقيقها كماً جيداً في ظل الظروف الحالية حيث وصل العدد إلى أكثر من ثلاثين عملاً، إلا أن الدراما السورية انحدرت من ناحية النوع، وخاصة أنها تمتلك ضمنياً التأثير الأكبر في المجتمع وتبدو الأقدر على تغيير مفاهيم وقناعات الناس، وتحاكي مشاعرهم وتخاطب وجدانهم وذهنيتهم بعيداً عن المباشرة التي تعتمدها وسائل الإعلام.
مشاكل كبيرة جاءت لتقض مضاجع درامانا، أهمها أزمة النصوص، وعدم جدية الكتّاب بمقاربة الواقع أو خلق نوع من الإثارة أو التشويق على أقل تقدير.
الدراما غرقت هذا العام في حكايات القتل والخيانة والمرض النفسي، وعلى الرغم من أن الإحباطات أصابت المجتمع العربي كله في مقتل، واغتال الواقع أحلامه، إلا أن دور المبدع ليس مسايرة ما هو سائد، بل قراءة الواقع قراءة معمقة تدفعه للتصدي له، والانتقال من مرحلة نقل الواقع إلى مواجهته.
وعلى الرغم من الجمال والحركة والسرعة في الإيقاع على الشاشة، لا يوجد مسلسل واحد يدعو إلى التفاؤل أو يشعرك بالبهجة، بل كلها تشعرك بالانقباض والخوف، ولا أدري إن كان ذلك مقصوداً أم لا، والفنانون الحقيقيون مهما كانت قسوة واقعهم يقدمون فناً يقيل الناس من عثراتهم، وينير لهم الطريق ويزرع الأمل ويبعث فيهم البهجة.
للأسف، تم بنجاح تسليع الدراما، وتحويلها إلى سلعة تجارية تباع لجمهور صنعته الآلة الإعلانية الضخمة لاستهلاكها بتعطيل عقله وشل استمتاعه بالفن، وذلك بالتركيز على إثارة مشاعره السطحية ورغباته الشهوانية نحو جرائم القتل والخيانة وبيع الجسد.
الزخم الإنتاجي للدراما السورية لا يعني الجودة والنوعية، فما شاهدناه يقود إلى اعتقاد أن الأعمال الدسمة قليلة نسبياً، مع التأجيلات التي طالت عدة مشاريع لافتة أبرزها مسلسل «الملعونون» لكاريس بشار والمخرج حاتم علي عن نص للكاتب حسن سامي يوسف، ومسلسل «أطلقوا الرصاص» للكاتب سامر رضوان والمخرج سمير حسين.

النتيجة النهائية
مسؤولية النتيجة النهائية للعمل تقع على عاتق المخرج، لكن النسبة الأكبر من المخرجين باتوا يتعاملون مع العمل الدرامي على أنه مصدر رزق بغض النظر عن الرسالة التي يقدمها للمجتمع.
معظم المخرجين لا يمرون بمرحلة التثقيف والتدريب التي كانت تحدث لمن قبلهم، ولذلك يقلدون ما يرونه في السينما، ويعتقدون أنهم حين ينفذون الكادرات القريبة من العمل الأميركي، يقتربون من العالمية.
التأليف

نناشد كتّابنا أن يسلطوا الضوء على الواقع وأن يعالجوا في كتاباتهم سلبياته وأن يحاولوا إبراز عواقب الاستخفاف بالقيم والأخلاق وخصوصاً في هذا الوقت الذي طغت فيه موجة التغريب التي أبعدت فئة لا بأس بها من المجتمع عن القيم ودفعتهم لتقليد النمط الغربي في الحياة كنوع من التقليد الأعمى.
خلال السنوات القليلة الماضية لم ترتق المعالجة التي طرحها كثير من النصوص إلى المستوى الاحترافي بل شابها الركاكة والعجز والتشتت وعدم التسلسل بخلق الأحداث.
مشكلة بعض الكتّاب تكمن بطرح أفكاره من دون أن يعرف من أين يبدأ وكيف يختتم خطوطه، بل يتخبط في تقديم أحداث فارغة ومكررة بعيدة عن التخطيط والشكل العلمي.
بخلاف الحوار الساذج الذي يحمل تناقضاً بين طبيعة الشخصية ودوافعها النفسية والاجتماعية، أو ترى الجميع وهم يتحدثون بمفردات لغوية واحدة هي مفردات المؤلف، هذه الفوضى جاءت نتيجة طبيعية لسيطرة النجم وندرة المؤلف الأكاديمي المثقف.
مشكلة جديدة تكمن بظهور أسماء لا علاقة لها بالبناء الدرامي ولا الحرفة كلها، حتى إن كل من هب ودب بدأ يجرب الكتابة من دون معرفة لهذه الثقافة وأثرها في المتلقي.
العملية الإنتاجية

ومن أبرز التفاصيل التي تحتاجها الدراما السورية وجود أشخاص في العملية الإنتاجية يمتلكون الخبرة والرؤية الثاقبة والنفس الفني الحقيقي لصناعة الدراما، كذلك تحتاج إلى آليات صحيحة وحقيقية في تسوية العمل.
نمتلك قدرات وثروات وإمكانيات بشرية ومادية لكن ينقصنا التخطيط السليم والابتعاد عن التجاذبات التي تعوق تقدمنا.
الدراما تحولت إلى عملية تجارية تخضع لميزان العرض والطلب فقط دون النظر إلى معايير أخرى، لذا تخرج أحياناً عن مسارها وهدفها النبيل.
تبيع شركات الإنتاج أعمالها بالعملة الصعبة، ما يعني أنها لم تتأثر بالظروف الاقتصادية التي فرضتها الحرب على سورية، ورغم ذلك لجأت إلى تقليص المصاريف والأجور متحججة بالأزمة!!

المجتمع السوري
عندما تفقد الدراما أخلاقها وقيمها الإنسانية التي أنشئت لأجلها أصلاً، فإنها بلا شك تؤدي إلى الإفلاس الثقافي والهبوط الاجتماعي وتدن في مستوى الحوار حتى يبدو حواراً بيزنطياً لا طائل منه.
لا يختلف اثنان على أن أهم وظائف الدراما تسليط الضوء على الواقع المعيش، لكن بعض الأعمال شوّهت المجتمع السوري وأظهرت الخيانة وكأنها ظاهرة اجتماعية دارجة، وأن الجنس الهاجس الأول والأوحد للناس دون التطرق أصلاً إلى مسوغاته.
نلحظ هذا العام انتشار ظاهرة جديدة وخطرة تتمثل بانتقال عدوى «السينما التجارية» إلى الدراما، فعوامل الجذب التي يخاطب بها صناع الفن السابع لحصد أكبر قدر من الأموال في شباك التذكر أصبحت تتوارد في التلفزيونات، بعيداً عن الأفكار الهادفة والبناءة.
لذا أصبح الحديث عن المحرمات أمراً يسيراً، ولتفرض مشاهد الإغراء والإيحاءات الجنسية على البيوت والعائلات بموضوعات سطحية ورغبات تافهة ونماذج مستهلكة واستغلال الجسد لأهداف ربحية واعتبار المرأة كائناً من الدرجة الثانية.. أو حتى العاشرة.
إضافة إلى ذلك استخدام ألفاظ ومشاهد تخدش الحياء بات أمراً اعتيادياً، بل أصبح هناك استثمار تجاري لمثل هذه الألفاظ التي فيها من الإباحية الكثير، وهناك تعمد مسبق لاستخدامها بهدف اجتذاب قطاع أكبر من الجمهور، لكن الاستخدام المفرط لهذه الألفاظ قد ينفر الناس ويؤدي إلى نتائج عكسية، فالبيت السوري والعربي محافظ بشكل عام.

المواهب الشابة
الاهتمام بالوجوه الشابة واجب، ولكن بدراسة متأنية وعناية دون السماح للمتطفلين باقتحام ساحة الدراما، لأن «اللي فيها مكفيها».
الوجوه الجديدة أصبحت أمراً واقعاً، وبما أن الإنتاج يتعامل مع العنصر المادي وعاملي السوق والتسويق في العرض والطلب، فيجب أن تكون من أولوياته التعاطي مع ذائقة الجمهور بطريقة أكثر منطقية وأكاديمية وإبعاد عنصر الملل والتكرار عن المتلقي ليكسب حالة التجدد.
وبكل الأحوال، الدراما السورية غنية بمواهبها، وليست بحاجة لهذا الكم الكبير من الممثلين العرب الذين ضربوا وقتاً مع النجومية بفضل ظهورهم معنا على حساب السوريين.

الرقابة
للرقابة دور مفصلي في ضبط الفوضى الدرامية من خلال فرض معايير أخلاقية تفرض على النصوص، وعدم تمرير أي فكرة تسيء لمجتمعنا، وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها.
وبما أن الأعمال التلفزيونية تدخل كل بيت دون استئذان، فإن الحاجة للضبط من ناحية الألفاظ الخارجة أو الجريئة التي يرفضها مجتمعنا، وبالفعل يتم نقلها على لسان المشاركين في بطولة المسلسلات فيفقد العمل قيمته وتشوهه تلك المشاهد والألفاظ الخادشة للحياء حتى لو كان عملاً جيداً.

الشللية
«اللعب على المضمون» شعار تمسك به صناع الدراما هذا العام ما فتح مجدداً ظاهرة الشللية التي سادت في الفترة الأخيرة من أجل ضمان النجاح.
الشللية ظاهرة نهشت جسد الدراما، حتى إن هوية المخرج صارت تدور في الأذهان فور متابعة عدة مشاهد دون العودة إلى الشارة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن