اقتصادالأخبار البارزة

معاون وزير المالية لشؤون الإيرادات لـ «الوطن»: لا فساد في طي التكاليف الضريبية بل إشكاليات بسبب تشابك القوانين وقناعات وتأويلات رؤساء اللجان

| محمد راكان مصطفى

كان الإصلاح الضريبي الشعار الأبرز الذي نادى به وزير المالية مأمون حمدان خلال إطلالاته الصحفية المتعددة، من دون أن يستعجل الخوض في التفاصيل العملياتية لتحقيق هذا الطموح الذي يعتبر غاية في الأهمية والضرورة، وهو ما عبرّ عنه معاونهُ الذي شغل منصب مدير عام هيئة الرسوم والضرائب في وقت سابق جمال مدلجي بأنه آلية شائكة وطويلة لا تقف عند حد معين، وبأنه مرهون بالمتغيرات وهي كثيرة.
وفي حديثه مع «الوطن» أكد مدلجي أن الإصلاح يجب أن يواكب المتغيرات، وأن وزارة المالية تنظر للإصلاح الضريبي على أنه عملية شاملة تتضمن الإصلاح الجمركي، والإصلاح التشريعي المستمر للنظام الضريبي، والإصلاح الإداري، كما أن الإصلاح يجب أن يشمل العنصر الأساسي وهو المكلف من حيث درجة وعيه لمفهوم الضرائب وقناعته بأن هذه الضرائب يجب أن يؤديها للدولة.. وتفاصيل أخرى خلال الحوار التالي:

كثر الحديث مؤخراً عن وجود تجاوزات من خلال طي تكاليف ضريبية لبعض المكلفين بمبالغ طائلة.. فما رأيكم بما يحدث؟
الضريبة لا تفرض إلا بتشريع وإلا تحولت إلى أتاوى، وأحياناً تقع أخطاء بفرض الضرائب على مطارح ضريبية، ما جعل القانون يجيز طي التكليف المكرر والتكليف الذي لا يقع في محله وذلك حتى السنة الرابعة من وقوع الخطأ، بهدف استدراك الخطأ، وكما أتاح القانون طي التكليف أتاح أيضاً في حالة لم تكن المعلومات كاملة للدوائر المالية إصدار تكاليف إضافية، ويجب أن نوضح أنه لا مجال للفساد في هذا الموضوع لأنه مؤطر بقانون، ولكن الإشكالية تنتج عن تشابك القوانين وتفسير كل رئيس لجنة للنصوص التي تقبل التأويل وفقاً لقناعاته، علماً أن اللجان الضريبية هي لجان قضائية تضم ممثلين من وزارة العدل وخبراء، وبالتالي رئيس اللجنة يقدر الموقف بناء على المعطيات القانونية، ووفقاً لمسارات تتيح مراقبة قراراته والاعتراض عليها.
وللتوضيح هناك لجنة الطعن التي تدرس التكليف واعتراض المكلف عليه وتتخذ قرارها المناسب حسب رؤية (رئيس اللجنة والأعضاء) ويبلغ القرار إلى مراقب الدخل المختص (الذي أنشأ التكليف) وهنا نكون أمام حالتين إما أن يقتنع المراقب بقرار اللجنة أو أن يعترض ليعاد عرض التكليف إما على اللجنة ذاتها أو على مدير المالية أن يختار لجنة أخرى.
وهناك لجنة إعادة النظر مهمتها النظر باعتراض المكلف على قرار لجنة الطعن، وفي حال عدم اعتراض المكلف يعرض التكليف على اللجنة المالية التي إما أن تثبت التكليف أو ترفعه للجنة إعادة النظر، ويعتبر قرارها قطعياً إما بتثبيت التكليف أو بتخفيض التكليف أو بفسخ التكليف إذا كان مشوباً بالخطأ أو وقع في غير محله، ليعود التكليف بعد صدور قرار لجنة الطعن إلى المالية التي تستطيع بدورها أن ترد التكليف إلى اللجنة لإعادة التصحيح وفق مبدأ التصحيح المادي، ما يعني أن أي خطأ يمكن وقوعه ويمكن استدراكه تحت مظلة القانون ما يضمن العدالة للخزينة والمكلف، وتنفيذاً للمبدأ القانوني لا تفرض الضريبة والرسم إلا بقانون ولا يعفى منها إلا بقانون، فمثلاً عند تكليف مكلفي ضريبة الدخل المقطوع لدورة تصنيفية تستمر لخمس سنوات تتم المطالبة بالضريبة بشكل دوري تلقائياً كل سنة وعند توقف المكلف عن نشاطه يتقدم بطلب إلى الدوائر المالية يطلب فيه استكمال عدة إثباتات لتوقفه عن العمل كعقد الإيجار أو إيصالات الماء والكهرباء، وعند التأكد من الدوائر المالية بتوقف المكلف عن ممارسة نشاطه يتم طي الضرائب المترتبة عليه من شعبة الطي والتقاص للضرائب بعد توقفه عن العمل، وذلك إضافة إلى وجود الأجهزة الرقابية كالجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش التي يحق لها التدقيق في قرارات هذه اللجان مشيراً إلى وجود ملفات منظورة حالياً من البعثات التفتيشية لهذه الأجهزة.

بالحديث عن الإصلاح الضريبي، ما هي إمكانية تنفيذ هذه الرؤية بشكل فعلي بعيداً عن التنظير؟
بالنسبة للإصلاح الجمركي فقد خطا خطوات جيدة بدليل صدور التعرفة الجمركية الموحدة التي بدأ العمل بها عام 2015 والتي جعلت البنود الجمركية كاملة ضمن 5 فئات وهذا ما كان شبه مستحيل، وقد جاءت هذه التعرفة استجابة للضرورة وكانت نتيجة لتعاون الإدارة الضريبة وإدارة الجمارك، وذلك انطلاقاً من أهمية الإصلاح الجمركي وعلى اعتبار أن كل تهرب جمركي يتبعه تهرب ضريبي لأن أساس الحلقة أن أي بضاعة مستوردة تبدأ من الجمارك.
والإصلاح التشريعي هو إصلاح المنظومة التشريعية لجميع أنواع الضرائب والرسوم، وهذه العملية بدأت مع العام 2003 وهي مستمرة بدليل صدور تشريعات لغاية عام 2007 تناولت أغلب تشريعات الضرائب والرسوم وأهمها كان القانون 24 لعام 2003 (قانون الضرائب الموحد) وعلى اعتبار أن عملية التغيير مستمرة فقد استوجب إجراء عدة تعديلات على هذا القانون بدءاً من العام 2004 لغاية العام 2007 بما يتناسب مع موجبات التغيير.
وفي عام 2015 صدر المرسوم رقم 10 الخاص بمكلفي الدخل المقطوع والمرسوم رقم 11 الخاص بمرسوم الانفاق الاستهلاكي التي كانت إحدى موجبات إصداره أن يكون موائماً للتعرفة الجمركية الجديدة.
أما الإصلاح الإداري هو المهمة الأصعب التي تحتاج أن يتم تأهيل وتدريب العناصر البشرية القادرة على تنفيذ مضمون التشريعات الضريبية، والقيام بالأعمال الموكلة لها وفق الأنظمة والقوانين.
كما يجب العمل على التحسين والارتقاء بالإجراءات الضريبية وهي مجموعة التعليمات والتعاميم التي تضبط عملية تحقيق وتحصيل على كل نوع من الضرائب، وكلما كانت هذه الإجراءات سهلة وبسيطة ومفهومة للعاملين، ساعد ذلك في تنفيذ التشريعات الضريبية على الوجه الأمثل.
وبالنسبة للمكلف والذي يعلم تماماً أنه عندما يمارس عملاً خاضعاً للضريبة فإن عليه سداد الضريبة، فكلما ازدادت درجة وعيه كان أكثر التزاماً في سداد الضرائب الواجبة عليه، وهذا بحاجة إلى عوامل مرافقة وكما ذكرنا من خلال استكمال منظومة الإصلاح التشريعي وتصويب الضرائب وبالتالي تحول الالزام إلى التزام وذلك عندما يستطيع المكلف أن يشعر بأنه يسدد ضرائب عادلة.

شدد البيان الوزاري على إيجاد تصويب الضرائب والرسوم النافذة حالياً ومتابعة إصلاح النظام الجمركي والاستمرار بمكافحة التهرب الضريبي.. فما خطة الوزارة لتنفيذ ذلك كي لا يبقى حبراً على ورق؟
تنفيذاً لما جاء في البيان في مجال الإصلاح التشريعي للنظام الضريبي أنجزت وزارة المالية قانون البيوع العقارية وهو ما يندرج تحت مسمى تصويباً الضرائب بحيث تم اعتماد معايير جديدة للتكاليف البيوع العقارية، ما يعتبر تصويب للقانون 41 الذي كان يعتمد على القيمة المالية المقدرة لدى الدوائر المالية اساساً في طرح الضريبة، وبموجب النص الجديد للقانون تم اعتماد معيار آخر يقوم على اعتماد الأسعار الرائجة في السوق للعقار، وبالتالي فإن الإيرادات الضريبية الناتجة عن تنفيذ النص المقترح في حال صدوره ستكون أضعافاً مضاعفة عما يتم تحصيله بموجب القانون 41، وهذا حق مشروع للخزينة.
كما أنه تتم إعادة النظر بمعايير التكليف لتكون أكثر عدالة بما يتعلق ويمس مكلفي الدخل المقطوع، وحالياً تعكف وزارة المالية على دراسة كل المهن للدخل المقطوع بغض النظر عن القيم السابقة، مع الإشارة إلى أنه هناك نحو 306 مهن مدروسة ستتم إعادة دراستها بمعايير جديدة كي تكون هذه المعايير أقرب ما يكون من الواقع وأكثر عدالة، ويتم الأخذ بعين الاعتبار نوع المهنة ومستوى الفعالية والموقع والكلفة ومساحة المحل وغيرها من المحددات، مستفيدين من تجربة وزارة المالية في تكليف المطاعم، إذ اعتمدت الوزارة في الآونة الأخيرة إلى وضع معايير لتكليف المطاعم أدت إلى توحيد معيار التكليف والتي لاقت استحسان بعض أصحاب المطاعم ورفدت الخزينة بموارد جيدة.
أما فيما يخص تكاليف الأرباح الحقيقية فإن ترجمة شعار عدالة التكليف لا يمكن الوصول إليه إلا بتفعيل نظام الفوترة الذي انتهت وزارة المالية من إعداده وتم رفعه إلى رئاسة مجلس الوزراء، والذي في حال صدوره ونفاذه يتيح للإدارة الضريبية الوقوف على محددات التكليف كاملة وأهمها مشتريات ومبيعات المكلف وبالتالي الانتهاء من مبدأ التكليف المباشر النافذ حالياً في ظل غياب نظام الفوترة، والذي سبب غبناً للمكلف أحياناً وغبناً لخزينة الدولة في معظم الأحيان، وبالتالي فإن مصطلح الإصلاح الضريبي سيبقى منقوصاً ولن يكتمل في ظل غياب نظام الفوترة.

هذا الكلام لا يعني أن الفساد غير موجود في الوزارة، لأن الإصلاح يتضمن مكافحة الفساد، فما خطة الوزارة لذلك؟
الفساد موجود في كل مكان ولكن بدرجات، وبالبحث عن أسباب الفساد الضريبي نجد أنه ينشأ عندما تكون التشريعات الضريبية غير واضحة وبالتالي يكون للعنصر البشري إمكانية التقدير للمطرح الضريبي، وهذا ما يتيح له استغلال التشريعات للحصول على منافع خاصة ما ينعكس بالغبن على الخزينة، مثال ذلك مكلف الدخل المقطوع، إذ إنه في ظل غياب محددات تكليف إلزامية وموضوعية، يصبح مراقب التكليف لا رقابة عليه إلا رقابة ضميره في تحديد المطرح الضريبي وعلى اعتبار أن العمل الضريبي لا يقوم على النيات بل يتطلب معايير موحدة وكاملة وواضحة فإن الاختلافات عند وجود محددات واضحة ومحددة ستكون في حدودها الدنيا وبالتالي يتقلص دور العنصر البشري وإن كان بذلك لن ينعدم.
وكذلك الأمر في مجال مكلفي الأرباح فإنه في ظل غياب ما يؤيد ويوثق المشتريات والمبيعات للمكلف فإن مراقب الدخل هو سيد التكليف ويلجأ في معظم الحالات إلى رفض ما يعرض في دفاتر المكلف تحت ذريعة عدم توافر المستندات الكاملة وبالتالي يصبح هذا التكليف من صنع مراقب الدخل سواء كان في مصلحة الخزينة أو في مصلحة المكلف، وبما أن أساس الضرائب يقوم على العدل فإن التكيف الضريبي يجب أن يكون قيمة عادلة للمكلف وللخزينة، والحل في وجود تشريعات واضحة لا تحتمل التأويل وتضمن الحد من تدخل العنصر البشري وبما يضمن الحد من الفساد وفي هذه الحالة يكون باستخدام نظام الفوترة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن