ثقافة وفن

كيف حال الثقافة

د. علي القيّم : 

 

كيف حال الثقافة؟! هل الثقافة بخير؟ هل يتطور المجتمع المحلي ثقافياً؟ هل هناك تطور نوعي ثقافي حدث في العمق في عالم الحاسوب وتطور التقانة؟!.. أسئلة كثيرة من هذا النوع اعترضتني في مسيرة عملي الثقافي والتراثي، وكثيراً ما عجزت في بعض الأحيان عن تقديم إجابة فاصلة دقيقة لأن العمل الثقافي بصورة عامة، يتضمن الحراك وإعادة ترتيب الأوراق والأفكار وفق المعطيات والمتغيرات والتحولات التي تعترض الفرد والمجتمع، ولو لم يكن المجتمع في حاضره متقبلاً لهذه «الظاهرة» لما طرحت هذه الأسئلة بقوة واستمرار تبحث عن إجابة شافية.
بصورة عامة، على المشتغلين في الثقافة أن ينافحوا التوجهات السلبية، وأن يعملوا بجد ونشاط من أجل خلق الفرص الجديدة للعمل الثقافي، والممارسة الثقافية، لذلك فالثقافة في أهميتها ومجدها تتأرجح بين بين في مجتمعنا المحلي، وأعتقد أنه من الضرورة في هذه المرحلة الحاسمة التي نمّر بها، أن تحاول الثقافة، ويحاول المثقفون كسب أراض ثقافية جديدة، وحرث الأراضي الثقافية القديمة، وتهيئة أراض مستقبلية أخرى… فالثقافة هي احتفال فكري جماعي، ولا يعني لي شيئاً أن أكون مثقفاً في مجتمع غير مثقف، ولا يعنيني مطلقاً أن أكون وسط جيل من المثقفين لا يمثلون نسبة كبيرة من الناس.
السؤال الذي يطرح نفسه، كيف تتحرك الثقافة في واقع الأزمة المريرة التي تعيشها سورية، أقول إنها عملية صعبة، مريرة تحتاج إلى تفكير طويل وإلى دراسة وتحليل وعمق والبداية تكون بمحاربة الجهل والإسفاف، وعمليات الترغيب والترهيب والاستلاب الثقافي والحضاري وأن نكتب بخصوصيتنا، وبخصوصية الثقافة، والعزف على إيقاعنا وعظمة حضارتنا وفنوننا وإنساننا الذي قدّم أعظم وأنبل الإنجازات والعلوم والمعارف البشرية، وأن نعمل بفعل حماس منقطع النظير للتجديد في مجالات الحياة المختلفة، فالثقافة في مفهومها الواسع هي معرفة سياسية ومعرفة اجتماعية، وتراثية واقتصادية وصحية ونفسية وأدبية وفنية ومعلوماتية.
في المنظور الشامل للثقافة، يجب أن نخترق الركود، ونتحدى الظروف الصعبة التي تحيط بنا من كل جانب.. يجب أن نختار الجوهر، ونبحث عن الممتع والجميل والأصيل في مناشطنا وفعالياتنا ومؤتمراتنا وأمسياتنا… فالعالم المتقدم يعيد معرفة واكتشاف نفسه، وقراراته الأخيرة تقول: «إن التنمية الاقتصادية تتقدم بشكل أسرع في مجتمعات الثقافة» وإن التربية والتعليم تحتاج إلى الثقافة أولاً لكي نحرز انتصاراتها وتطوراتها في ميدان القيم والأخلاق والتسامح والإخاء والحوار واحترام الرأي الآخر.
لقد اكتشف العالم، وأقرّ ذلك في مؤتمرات «اليونسكو» أن كل شيء يبدأ بالثقافة، وينتهي بها، وإذا كان العالم، يحتاج إلى الثقافة مرّة، فنحن في وقتنا الراهن، نحتاجها مرتين… مرة للسير في الهدف الذي ينشده العالم، ومرة للقضاء على الجهل والعنف ونشر روح المحبة والحوار والتسامح.
التعليم هو قاعدة الثقافة الأولى، وهو الذي يمكنه بقوة وجدارة أن يمهّد الأرض لأعمال ثقافية واعدة ومثمرة وخلاقة، ونشر الوعي بأهمية الثقافة في حياة الناس والمجتمع، يشكل مرحلة مهمة جداً من أجل بناء الإنسان وتطوره، ومن أجل اختراق ظلام العقل وضلاله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن