إعلامنا.. تعدد المنابر والإستراتيجية…التعدد غاية أم التخصص واختيار الخطاب الإعلامي؟…أكثروا من القنوات.. ولكن حددوا ما تريدون قوله
إسماعيل مروة:
منذ مدة والأصوات تتحدث عن خطط لدمج القنوات التلفزيونية السورية، هذه مع تلك، والأخرى مع الثالثة وهكذا، وكأن أمر دمج القنوات التلفزيونية يحلّ معضلة الإعلام التي تتضخم يوماً بعد يوم، في ظل العلوم والتقانة التي تجتاح حياتنا الإعلامية، وتحوّل كل شخص إلى قناة، وكل موقع من مواقع التواصل الاجتماعي إلى قناة لها مالكها والمخطط لها وسياستها! أبدأ من أن تعدد القنوات الفضائية السورية دليل صحة إعلامية، ودليل صحوة، ويمكن أن تشكل مشروعاً إعلامياً نهضوياً مهماً، بغض النظر عن الخلاف حول ضرورة الملكية والتبعية، للدولة أو للقطاع الخاص، أو للقطاع المشترك.
التعدد والتخصص
مع دخول العرب عالم (العرب سات) رأينا تشعباً وتعدداً في القنوات الفضائية العربية في القطاعين العام والخاص، وإن كانت القنوات في القطاع الخاص قد أخذت جوانب شعبوية تجارية ودينية وغنائية، إلا أنها أدت دوراً خطيراً ليس في هبوط الذوق العام، بل في تغيير مزاج المتلقي على كل المستويات، الثقافية والفنية والدينية واستطاعت هذه القنوات أن تخلق نوعاً من الإعلام، وعدداً من النجوم الذين استضافت الفعاليات السورية عدداً منهم أمام جماهيريتهم، والمكابر لا ينكر أنهم وفي أثناء زياراتهم لسورية حصدوا نسبة أعلى من المتخيل لا المتوقع من المشاهدين والمتابعين والحاضرين للمحاضرات، وحدها بين الدول وفي الإعلام الرسمي كانت مصر رائدة فأخرجت عدداً من القنوات كبيراً سميت شبكة النيل، منها الثقافية والتعليمية وسواها، إضافة إلى وجود قنوات أرضية لكل المحافظات والأقاليم، ولم يخرج من يطالب بإيقاف أو دمج، والدمج أمنية سورية ومصطلح خاص بنا، وكلما خرج مدير من مكان وخسره يطالب بدمج المكان مع آخر، مع أنه لم يكن يحمل هذا الرأي عندما كان مديراً للمكان.
الاستفادة من الدرس
لم تستطع القنوات المصرية المتنوعة على الرغم من عراقة إعلامها وإعلامييها، وعظمة الأرشيف الموجود لديها أن تأخذ نصيبها من النجاح والجمهور، لأنها أديرت من سبيرو ومن الخبرات الإعلامية ذاتها، هذه الخبرات التي انتقلت من ميدان إلى آخر بعقلية الإعلام الرسمي الذي أسس له منذ بداية التلفزيون المصري في الستينيات، إضافة إلى أن هذه الخبرات لم تكن على المستوى المهني المطلوب منها، وفي زيارات عديدة للقاهرة كان المصري وقبل الأزمة بكثير يترك قنواته العديدة، ليرتبط بقنوات وليدة أتقنت المهنية، فهل استفدنا من الدرس؟
بعد مطلع عام 2000 بدأت القنوات السورية بالتعدد، فبعد القناتين الأولى والثانية والفضائية أحدثت قنوات (دراما، الإخبارية، تلاقي، نور الشام) وهذه القنوات تعاقب عليها عدد من المديرين، وكلهم وجدوا ضرورتها التخصصية، ولكن عدداً منهم عندما غادرها بدأ النيل منها، فهل حققت هذه القنوات الهدف والغاية؟
التخصص وضرورته
لا شك في أن إحداث أي منبر إعلامي لابد أن يحمل غاية وإستراتيجية واضحة، ولعلّ أهم الغايات الرسالة في التخصص، فعندما أحدثت دراما، كان من المتوقع أن تبدأ هذه القناة التخصصية المهمة من صناعة الدراما، وأن تموّل من هذه الصناعة، وأن تكون الغاية الأولى لها الدراما السورية، وبعض الدرامات الهادفة، والمفترض في إستراتيجيتها أن تدور في فلك الدراما، وأن تكون منافسة للقنوات المماثلة عربياً، وأن تخرج من إطار المنافسة المحلية.
والإخبارية إحداثها يعني أن تتفرغ للأخبار والتحليل، ومن إستراتيجية إعلامية وبرامجية محددة ومرسومة بدقة، وهذا يعني أن قناة دراما أخذت جانباً، والإخبارية أخذت آخر، فعلى الفضائية أن تضع إستراتيجية خاصة لا تتقاطع مع القناتين المحدثتين، كما عليهما عدم أخذ جوانب من اختصاصات واستراتيجيات الفضائية.. والقناة التربوية بتبعيتها لوزارتي التربية والإعلام من المفترض أن تكون إستراتيجيتها مختلفة ومعمقة، ونور الشام وجدت لتكون قناة تنويرية حضارية، ويجب أن تكون حضارية غير منحازة أما تلاقي فغايتها مختلفة وصفت بالارتقاء والشبابية والطزاجة، وللحق فإن إدارتها عملت على تكريس هذه الاستراتيجية، مع أنها تعرضت لنقد مغرض من عدد من الذين لم يتمكنوا من أن يحولوها إلى قناة تشبه أخواتها، وكان لها مبادرات – مع اختلاف وجهات النظر- منها غينيس، وجريدة الصباح، وطائفة من البرامج التي كان المراد لها أن تكون قيد الإرسال من دون مواربات، لكنها احتفظت بهويتها ضمن المتاح.. ومن خلال المناقشة وجدت أن هذه القناة لم تعبأ بفكرة المنافسة المحلية، وإنما اكتفت بمنافسة ذاتها والعاملين فيها، والقنوات الشبيهة، ولكنها لم تنجُ، وربما خارج إرادتها من وجود بعض الوجوه التي أطرت، وذلك بسبب التبعية الإدارية والمالية!
لا للدمج
قامت سورية بتجربة رائدة بتدريس اللغة العربية لغير المختصين، وصارت قدوة ومثالاً، وعدد من الدول العربية أخذت هذه التجربة، وعندما تعرضت التجربة لبعض المطبات في المواد والأساتذة، قام بعض الجهلة وأعداء الجهلة بالعمل ليل نهار حتى تمكنوا من إيقاف التجربة، وصارت مقتصرة على السنة الأولى لفصل واحد.. تجربة رائدة بدل أن نعمل على تطويرها عملنا على إيقافها! الإيقاف أسهل من العمل! الإلغاء أسهل من التطوير..! أضرب هذا المثال لأنه ينطبق على القنوات التلفزيونية، فعلينا أن نتمسك بهذه القنوات بكل ما أوتينا، إضافة إلى المحطات الإذاعية، وألا نتنازل عنها وندمجها، ولكن شريطة أن نعمل على تطويرها وتطوير برامجها وإستراتيجيتها.
لا أن تكون نسخاً متماثلة بصباحاتها وبرامجها ومذيعيها وأفكارها! ولا أن يقوم واضعو البرامج والبروموشتونات بالأخذ عن القنوات الأخرى في الإبهار والإعلان وتقديم العاملين.. فالإخبارية للأخبار والسياسة والتحليل ولا شيء آخر، لا صباح الخير ولا قهوته، والدراما للدراما السورية وصناعتها وأفكارها ودقائقها، وللفضائية مجال واسع تعمل فيه وجهودها مشكورة، ولتلاقي هويتها التي أخذتها صورة وفكراً، وقد حافظت عليها ونجحت، واستقطبت مشاهديها من الشرائح المستهدفة، وللتربوية الكتاب والدرس والطالب وقضايا التربية.. ولا بأس من أن تكون القناة الأولى أولى وفضائية أيضاً، فما فيها يستحق أن يرى ومن شريحة كبرى..
لكن لا يجوز أن نرى أغنية أقل من عادية على كل القنوات، وربما في وقت واحد أحياناً من دون توحيد بث أو تنسيق.. التعبئة الإعلامية ضرورية، لكن كل واحد ينطلق من تخصصه وحده لا غير.
فلنحافظ على إعلامنا
يوصف إعلامنا بأوصاف كثيرة لا أحب استخدامها أو ذكرها، ولكن الذي لا مراء فيه أن إعلامنا عريق ومهم، وفيه من الأفكار والطاقات مافيه، ويستحق منا أن نوليه عناية لوضع إستراتيجيات، وهذه الاستراتيجيات لا تتم بين عشية وضحاها، بل يعمل عليها لزمن ممتد، وبفكر مؤسسي لا يسمح لأحد في حال حلّ مكان آخر أن يهدم ما تم بناؤه.
ضعوا الإستراتيجيات وصولاً إلى انتقاء الصوت والصورة، ووضعنا الراهن لا يعفينا من الإشارة إلى ظواهر سلبية أضاعت الجهود، وحصرت المنافسة في الظهور والفائدة، وإن غضب أحدهم فهذا شأنه، وزعله أو حرده لن يغير من حقيقة أننا نملك إعلاماً ومنابر وطاقات تنتظر إستراتيجيات للزمن القادم ليس في القطاع العام وحده، بل في كل اتجاه.