الحسكة: الخطأ القاتل!!!
| د. بسام أبو عبد الله
كُنا جميعاً قد شعرنا بالفرح والغبطة عندما تمكن السوريون بمختلف انتماءاتهم من تنظيف الحسكة من «داعش»، وغيرها من التنظيمات التكفيرية، وهي المحافظة المعروفة بتنوع مكوناتها، وبالعيش المشترك وبنمطها السوري المعروف، ولكن هذه الفرحة، والغبطة لم تدم فترة طويلة لأن هناك متطرفين يحلمون باقتطاع جزء من الأرض السورية بحجة مظالم، ومطالب لا تبيح لأحد في الكون أن يأتي تحت هذه اللافتة ليعلن اقتطاعاً للأرض، وفرضاً للأمر الواقع أمام عيون السوريين جميعاً من دون أن يناقشهم، أو يحاورهم أو يستند إلى أي أساس دستوري، أو شرعي، أو قانوني سوى منطق الانتهازية الرخيصة، وقوة السلاح، والدعم الأميركي الغربي المكشوف، والمفضوح.
هذا المشروع الذي يسعى إليه متطرفون أكراد كتب عنه الكثير، وسبق لي أن نشرت في «الوطن» السورية عنه تحت عنوان «كردستان الكبرى: خطوة- خطوة»، وأنا عادة لا أجامل عندما أتناول قضايا تمس وحدة سورية الجريحة، التي تتألم ممن يُفترض أنهم أبناؤها، وأكلوا، وشربوا، وتربوا في أحضانها، ونالوا من خيراتها، ومع ذلك يعملون على تقطيعها بسكين الغدر، والانتهازية، وهي التي كانت عبر تاريخها ملجأ للمضطهدين، والمستضعفين، والمقهورين من كل أنحاء العالم، والمنطقة.
كي لا يكذب علينا أحد بعبارات منمقة، وجميلة، وتصريحات كاذبة يكشفها الميدان، والممارسات، بإمكاني أن أسأل بوضوح، وصراحة هؤلاء: لماذا نزعتم العلم السوري في كل مكان؟ ولماذا وضعتم علماً مفترضاً لما تسمونه «روج آفا» بدلاً منه؟ ولماذا طعنتم الجيش العربي السوري في ظهره، وهو المنتشر في كل أصقاع سورية دفاعاً عن وحدتها، واستقلالها؟ في حين أن من يدعون حماية الشعب والأرض يعملون لدى الأميركي- ومستشاريهم أميركان، ويحميهم الطيران الأميركي- فإلى أي مشروع وطني سوري ينتمي هؤلاء؟؟ هل يمكن لأي منكم أن يجيبني؟؟ وهل يريد بعضكم أن يفرض على أبناء سورية جميعاً إرادته، ومشروعه ويسرق ثروتهم الوطنية لأي المظالم- فالحسكة أيها السادة تحوي ثلثي النفط، والغاز السوري، وتنتج حوالي مليون طن من القمح، وتضم أكبر مصادر المياه، والسدود، والبحيرات- فعن أي مظالم تتكلمون، وأنتم تبتزون الدولة السورية في أقسى الظروف، وفي أقسى حرب يتعرض لها شعبكم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
سيقول لنا البعض: إنه لولانا لاكتسحت «داعش» كل هذه المناطق، وسيطر التكفيريون عليها، ولقد ضحينا بخيرة شبابنا من أجل منع هؤلاء من أن يهيمنوا، وينشروا سوادهم في كل مكان؟؟؟
هذا أمر مُقدر من كل السوريين، وتضحياتكم هي مثل تضحيات كل السوريين بمختلف انتماءاتهم الدينية، والعرقية، فإذا كان كل من ضحى من أجل بلده سوف يقتطع جزءاً من الأرض فهذا يعني أن علينا أن نقسم هذا البلد الرائع سورية مزارع، وإقطاعيات حسب الطلب من دون أن نسأل أنفسنا من صنع «داعش»، ولماذا يقدم الأميركان الدعم لجزء من السوريين دون جزء آخر- هل سألتم أنفسكم هذا السؤال الجوهري!!! ومتى كان الأميركان داعمين لحقوق الشعوب، ولحرياتهم!!! ولماذا يدعمونكم دون غيركم!!! لماذا لا يدعمون الدولة السورية، والجيش السوري طالما أنهم يدعون محاربة الإرهاب!!!
الحقيقة المرة التي يجب أن نعترف بها أنه بعد فشل الولايات المتحدة، ومشروعها في الورقة المذهبية، الطائفية، انتقلت لإثارة النعرة الاثنية بين العرب والأكراد، فتستخدم الأكراد وقوداً في مشاريعها ضد الدولة الوطنية السورية، ووحدتها، وتحاول منع انتصارها في حلب، لتفتح لها جبهة جديدة في الحسكة في توقيت غريبٍ، ومشبوه، في محاولة لتحقيق مكاسب انفصالية على حساب الدولة السورية.
إن ما نسمعه من سردية تقدمها القوى الانفصالية في الشمال السوري تبدو كاذبة، ومنافقة، وتحاول التستر خلف عبارات مثل «الشوفينية العربية، والنظام البعثي العنصري، أو نظام دمشق الفاشي… الخ» مقابل ممارسات من قبلهم على الأرض تعكس الشوفينية، والتطهير العرقي، والعنصرية، وتتعاطى بطريقة متعالية مع الآخرين ولتعبر عن زيف الإدعاء بالمظالم التاريخية، وتظهر من الشوفيني، والعنصري الذي يستقوي بالأميركي، وبحماية طيرانه ضد أبناء بلده، وشعبه.
لقد سبق للحكومة السورية أن قالت مراراً، وتكراراً: إن كل القضايا التي تخص السوريين جميعاً قابلة للنقاش، ولن يكون الأكراد، أو غيرهم إلا جزءاً مساهماً، ومشاركاً في صنع مستقبل سورية الجديد لكن ليس عبر السلاح، والاعتداء على مؤسسات الدولة، وطعن الجيش العربي السوري في ظهره، والتعاون مع أميركا ضد الدولة، والمشروع الوطني السوري.
إن ما أراه أمامي هو مشروع انفصالي بالرغم من كثرة التصريحات التي تنفي ذلك من بعض القيادات الكردية، وهذا المشروع لا أفق له، ولا مستقبل، وعلى هؤلاء أن يدركوا أن تبدلات إقليمية، ودولية عديدة قادمة، سوف تطيح بهؤلاء وبغيرهم لأنهم لما يقرؤوا التاريخ جيداًً وسيدركون متأخرين أن ما ارتكبوه في الحسكة هو خطأ قاتل لا تبرره مظالم، ولا إدعاءات بحقوق وإنما هو تنفيذ لمشروع التقسيم الذي وضعته الولايات المتحدة، والغرب وينفذونه هم بحكم «تقاطع مصالح» كما يعتقدون، ونصيحتي لهم كإخوة في الوطن أن يعودوا لرشدهم، وأن يدركوا أننا في لحظة مصيرية، وتاريخية، وأن سورية غير قابلة للتقسيم، وليست إقطاعيات لأحد لا تحت لافتة «إدارة ذاتية مدعاة» ولا مشروع انفصالي وهمي، سيسقطه السوريون بالحوار، أو بالقوة، وما عليهم إلا أن يعودوا لحضن شعبهم، ودولتهم ويخرجوا من كونهم أداة، وسكيناً غادرة في ظهر الوطن.