من دفتر الوطن

قضية «تلاقي»

| حسن م. يوسف

عندما انطلقت قناة «تلاقي» قبل ثلاث سنوات سرت في الوسط الإعلامي همسة سمعها الجميع، أن الهدف منها هو أن تكون فضاءً لـ«تلاقي» الدولة مع تيارات المعارضة الوطنية ولهذا عين لها مدير وطني منفتح، عالي الثقافة، مشهود له باحترام الرأي الآخر، هو الدكتور ماهر الخولي الأستاذ في المعهد العالي للفنون المسرحية. إلا أن تصاعد الحرب التي يشنها الغرب على وطننا السوري متحالفاً مع الفاشية الدينية، وتشظي السوريين داخلياً وخارجياً حالا دون تحقيق ذلك الهدف. رغم ذلك حافظت «تلاقي» على خطها الرصين وتابعت أداء مهمتها كقناة وطنية تطمح لرأب الصدع بين السوريين من خلال التركيز على ما يتلاقون عليه جميعاً.
وقد تمكن فريق «تلاقي» في تشرين الثاني من عام 2014، بعد التحضير لمدة شهرين، من دخول كتاب جينيس عندما كسر الرقم القياسي العالمي لأطول فترة تقديم وإخراج في تاريخ التلفزيون، إذ حقق سبعين ساعة متواصلة من البث المباشر دون توقف بعنوان: «من سورية مع الحب» تقديم أريج زيات ورين الميلع وإخراج الهمام بهلول.
خلال الأسبوع الماضي تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي أن وزارة الإعلام السورية تعتزم إيقاف بث قناة «تلاقي»، وقناة الشرق الأوسط التي تبث تقارير وبرامج باللغة الإنكليزية عبر الإنترنت، بدءاً من أول أيلول القادم بهدف «ضبط النفقات». وخاصة مبلغ مئتي ألف دولار التي تدفع سنوياً للأقمار الصناعية.
صحيح أن الظروف لم تمكن قناة «تلاقي» من أن تنجز كامل المهمة الوطنية المنوطة بها، إلا أنها تمكنت خلال السنوات الثلاث الماضية من كسب اهتمام شريحة واسعة من الجمهور، كما أنشأت فريقاً إعلامياً متكاملاً، ما يجعل قرار إغلاقها في مثل هذه الظروف ينطوي على دلالات سلبية قد يكون أسوؤها الإيحاء بنزوع الدولة السورية للحل العسكري والتشكيك بنياتها فيما يتعلق بالحوار الوطني التي تم إنشاء «تلاقي» لتكون منبراً له.
وقد لفت انتباهي أن عدد المعجبين بـ«تلاقي» على الفيسبوك قد بلغ حتى لحظة كتابة هذه الكلمات، أي ظهر السبت، 3636000 معجب، وهو أعلى رقم تسجله صفحة سورية في تاريخ الفيسبوك، كما أنها تحتل المرتبة الخامسة بين القنوات العربية بعدMBC والميادين والعالم وMTV.
والحق أن العاملين في «تلاقي» لا يستحقون مثل هذه النهاية المحزنة وخاصة أنهم ضحوا في سبيل القناة إذ لم تكن تصلهم رواتبهم الضئيلة بشكل منتظم، ويحق لمدير «تلاقي» أن يدخل شخصياً في كتاب جينيس للأرقام القياسية كصاحب أقل دخل بين المديرين في العالم! لأن مجموع ما يتقاضاه من راتب وتعويضات لا يزيد على خمسين ألف ليرة شهرياً (أي أقل من مئة دولار)! وهو لا يملك بيتاً حتى الآن، رغم هذا، فقد تمكن هو وزملاؤه الشباب من أن يصنعوا من الضعف قوة، ويفرضوا إنجازهم على العالم ويدرجوا قناة «تلاقي» السورية في كتاب جينيس للأرقام القياسية.
قد يطلع علينا من يقول إن توفير الخبز للشعب أهم من «تلاقي». وهذا صحيح، لكن السؤال الجوهري: لماذا نحل مشكلاتنا على حساب الطرف الأضعف بشكل يفاقم مشكلاتنا ويجعلنا أضعف؟
لقد بيّنت دراسة صادرة عن مديرية التخطيط والتعاون الدولي في وزارة النقل حول أعداد المركبات ورسومها في الفترة الواقعة بين عامي (2010 -2015) أن «عدد وسائط النقل الحكومية بجميع فئاتها قد بلغ (96848) مركبة في نهاية عام 2015 محققة زيادة بنسبة (5.25%) عن عام 2010» ولو خفضنا لتري بنزين من مخصصات كل واحدة من السيارات الحكومية لتوفرت لنا سيولة تقارب تكاليف اشتراك «تلاقي» بالأقمار الصناعية!
إن إغلاق تلاقي خطأ فادح إذ إن الحاجة لوجودها سيزداد بعد انتهاء هذه الحرب المجرمة، والدليل على ذلك أن القطاع السمعي البصري في تونس يشهد حالياً ما تصفه صحف البلاد بـ«الانفجار التلفزيوني» فإضافة للأقنية التونسية الأربع القديمة، شهدت الأسابيع الأخيرة انطلاق 39 قناة تلفزيونية جديدة.
لقد سبق للقائد العبقري نابليون أن قال: «لا تغير خيولك أثناء المعركة». ونحن مع الأسف لا نغير (خيولنا) أثناء المعركة وحسب، بل نقتلها أيضاً!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن