إستراتيجية تركية لزعزعة «فيدرالية الشمال».. «بيدا» يراهن على حاجة واشنطن وتغيير المواقف الدولية والإقليمية من «الاحتلال التركي» … تصعيد في جرابلس يضع أميركا أمام مأزق «حرب الحلفاء»
| أنس وهيب الكردي
كثفت تركيا الضغط العسكري على «وحدات حماية الشعب» ذات الأغلبية الكردية، في مناطق متفرقة من الشمال السوري، وبالأخص قرب مدينة جرابلس التي احتلتها الدبابات التركية الأسبوع الماضي. رداً على ذلك، تعهدت القوى المتآلفة مع الوحدات ضمن «قوات سورية الديمقراطية»، بمكافحة مرتزقة «الاحتلال التركي»، في تصاعد للتوتر بين حلفاء واشنطن في التحالف الدولي: الأتراك و«حماية الشعب».
ويبدو أن جرابلس كانت الخطوة الأولى في عملية «درع الفرات» التي تستهدف الوصول إلى مدينتي الباب ومنبج جنوباً وإعزاز شرقاً، تحقيقاً لثلاث غايات تركية: تحجيم «حماية الشعب» التابعة لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي (بيدا) في شمال سورية، وبالتالي الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وإجهاض مشروع الفيدرالية التي أعلنها (بيدا)، وتقوية الموقع التركي ضمن إستراتيجية التحالف الدولي وعزل واشنطن عن «الوحدات» ذات الأغلبية الكردية، وأخيراً حجز مقعد لتركيا على طاولة التسوية السورية.
وإذا ما تمكنت العملية التركية من الوصول إلى الباب فإن أنقرة ستحتل مكانة مميزة في الحرب ضد تنظيم داعش، لما لهذه المدينة من موقع مهم يمكنها من تهديد دويلة داعش عبر الطبقة. وبدأت عملية درع الفرات بتقدم الميليشيات المدعومة تركياً، والقوات الخاصة التركية صوب مدينة جرابلس الواقعة أقصى شرق المنطقة المطهرة والقريبة من منبج، سبقه سيطرة الميليشيات على مدينة الراعي أقصى غرب المنطقة المطهرة والقريبة من مدينة إعزاز وعفرين. وهدف ذلك إلى ضبط حركة وحدات حماية الشعب سواء من منبج باتجاه الباب أو من عفرين باتجاه الراعي وإعزاز.
ومع تصاعد التوتر بين تركيا و«قوات سورية الديمقراطية» بما فيها «حماية الشعب»، فإن واشنطن ستجد نفسها أمام موقف لا تحسد عليها. فحلفاؤها يقتربون من الاقتتال عسكرياً حول منبج وجرابلس، حيث تطالب أنقرة بخروج المسلحين الأكراد من المنطقة، في حين ترفض «قوات سورية الديمقراطية» الخروج من المنطقة التي حررتها مؤخراً من تنظيم داعش نزولاً عند الطلب التركي، معلنةً أن «الوحدات» قد غادرت بالفعل مدينة منبج إلى «مواقعها»، وذلك بعد دعوة أميركية لعودة «القوات الكردية» إلى شرق الفرات، مهددةً بقطع الدعم الأميركي عنها إذا لم تمتثل.
وحاولت واشنطن بهذه الدعوة إمساك العصا من المنتصف وإرضاء حليفيها تركيا، و«وحدات حماية الشعب»، وعطفت عليها تجديد رفضها إقامة «منطقة آمنة» في الشريط الذي يسيطر عليه داعش ما بين جرابلس وإعزاز مروراً بالباب، كما تطالب بها أنقرة. وتريد واشنطن تقسيم نفوذ بين حلفاء أنقرة وحلفاء (بيدا) يقضي بسيطرة الأولين على الشريط الحدودي الملاصق للأراضي التركية والذي يسيطر عليه عناصر داعش على أن تحتفظ «قوات سورية الديمقراطية» بالسيطرة على مدينة منبج بالريف الحلبي الشمالي. وبذلك، تتمكن الإدارة الأميركية من تنفيذ خططها الموضوعة سلفاً من أجل تحرير مدينتي الموصل والرقة من سيطرة داعش قبيل نهاية ولاية الرئيس باراك أوباما. أما «وحدات حماية الشعب» فلا تبدو في وارد التنازل عن مشروعها الفيدرالي، بل تعتزم دعم ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية» في القتال ضد قوات الميليشيات المدعومة من أنقرة، وهي تعتقد أن الموافقة الإقليمية والدولية على الدخول التركي إلى شمال سورية «مؤقتة»، وتراهن بالتالي على تبدل المواقف القوى الدولية والإقليمية حيال الدور التركي وأيضاً على حاجة واشنطن إليها من أجل معركة الرقة.
وأفاد مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعارض رامي عبد الرحمن بحسب وكالة الأنباء الفرنسية بـ«اندلاع مواجهات في محيط قرية العمارنة بين مجلس جرابلس العسكري المدعوم من القوات الكردية ودبابات تركية تقدمت إلى محيط القرية اليوم (أمس)»، في وقت أوضح متحدث إعلامي باسم الإدارة الذاتية الكردية أن «الاشتباكات مستمرة الآن في محيط القرية مع رتل من الدبابات التركية».
وفي المقابل، وإضافة إلى عملية «درع الفرات»، تعمل أنقرة على زعزعة الأمن والاستقرار في مجمل المناطق الخاضعة لسيطرة (بيدا) وبالأخص في أقصى شمال شرق محافظة الحسكة، وعين العرب في أقصى ريف حلب الشرقي، وأخيراً، في منطقة تل أبيض في الريف الشمالي لمحافظة الرقة. وذكر «مجلس جرابلس العسكري»، التابع لتحالف «قوات سورية الديمقراطية»، أن طائرات تركية قصفت مواقعه في قرية العمارنة الواقعة على بعد بضعة كيلومترات إلى الجنوب من بلدة جرابلس. وقال إن هناك ضحايا مدنيين جراء الهجوم الذي وصفه بأنه «تصعيد خطير يهدد مصير المنطقة».
وقالت مصادر عسكرية تركية، بحسب وكالة «رويترز»، إن طائرات دمرت مستودعاً للذخيرة جنوبي جرابلس إلا أنها لم تذكر أي تفاصيل.
واعتبر المجلس، الذي تشكل مؤخراً، في بيان نشرته وكالة «هاوار» الكردية للأنباء، القصف التركي «سابقة خطيرة وتصعيداً خطيراً يهدد مصير المنطقة (جرابلس)»، ويحولها إلى «بؤرة صراع جديدة وسط تهديدات من فصائل تابعة للاحتلال التركي». وطالب المجلس المجتمع الدولي وقوات التحالف الدولي بالتدخل لوقف مثل هذه الأعمال نظراً لتبعاتها الخطيرة على الوضع في شمال حلب والحرب على الإرهاب. وأضاف: «في حال عدم تعرضهم لقواتنا فإننا سنبقي الشريط الحدودي آمناً»، في تلويح بنقل المعركة إلى الشريط الحدودي.
وتعهدت عدة ميليشيات يضمها تحالف «قوات سورية الديمقراطية» بدعم المجلس العسكري لجرابلس بعد القصف التركي.
وقالت «كتائب شمس الشمال» وهي أحد تلك الجماعات في بيان «سنتوجه إلى جبهات جرابلس لمؤازرة ومساندة المجلس العسكري لجرابلس وريفها ضد التهديدات التي تطلقها الفصائل التابعة لتركيا هناك».
كما أدان «مجلس منبج العسكري» العدوان التركي على «مجلس جرابلس العسكري»، ووصفه بـ«التصعيد الخطير من جانب تركيا التي تستغل صمت العالم والتوافقات المؤقتة دولياً وإقليمياً عن تدخلها السافر في جرابلس»، معتبراً أن القصف يستهدف «عرقلة الحرب على الإرهاب»، ويصب في خدمة التأسيس لحروب جديدة في شمال حلب قد تغير الأولويات الدولية والمحلية في الحرب على داعش، في تحذير موجه بالضبط إلى الآذان الأميركية.
وأعلن المجلس في بيان له مساندته التامة لـ«مجلس جرابلس العسكري»، وأكد أنه على أهبة الاستعداد للتصدي للمخططات العدوانية التي تنفذها تركيا عبر مرتزقتها.
ومن جهتها، أكد «جيش الثوار»، أنه لن يقف مكتوفة الأيدي أمام الاعتداء على «مجلس جرابلس العسكري»، وأيضاً أمام الاستفزازات المتكررة للمرتزقة بمساعدة جيش الاحتلال التركي، وقال: «لن نسمح لهم بالاقتراب من القرى التي تم تحريرها مؤخراً من داعش».
وطالبت القيادة العامة لـ«جيش الثوار» في بيان لها، التحالف الدولي بتوضيح حول ملابسات الحادثة والكشف عن هوية أو أهداف وغاية الجهة التي استهدفت القرى المحررة في ريف جرابلس. وحذرت من تحول الشريط الأمن إلى منطلق لعدوان حزب العدالة والتنمية على المنطقة وتحويل أولويات الحرب على الإرهاب.
في سياق متصل، توغلت عربات مدرعة تابعة للجيش التركي في أراضي مدينة عين العرب الحلبية، والخاضعة لسيطرة «وحدات حماية الشعب». وذكرت وكالة «هاوار» أن العربات التركية بدأت عمليات حفر قرب معبر مرشد بينار داخل أراضي المدينة. وفي أقصى شرق سورية، أطلقت قوات الجيش التركي النار باتجاه نقاط وحدات حماية الشعب والمرأة بالقرب من قرية عين ديوار بمحافظة الحسكة. وأسفرت الاعتداءات عن أضرار مادية فيما نفى مصدر قيادي في «وحدات الحماية» الأنباء التي تناقلت بحدوث اشتباكات بين قواتهم والجيش التركي.
وفي هذه الأثناء، واصل الجيش التركي مضايقاته بحق أهالي منطقة المالكية، كما منع الأهالي من العمل في الحقول والبساتين القريبة من الحدود.
ويتعمد الجيش التركي التضييق على أهالي المنطقة وخاصة قرية عين ديوار الحدودية مع تركيا.