شؤون محلية

العدالة بين سلطة القاضي وممارسة المحامي (2)

| نبيل الملاح

استكمالاً لما طرحته في المقال السابق، سأسعى في هذا المقال إلى توضيح ما يتعلق بتفسير النص القانوني والجهات المخولة بذلك، حرصاً على سيادة القانون وحسن تطبيقه.
ولا بد لي قبل الدخول في الموضوع أن أذكر أن بعض السادة القضاة والمحامين قالوا لي: إن سلطة القاضي في تفسير النص القانوني مطلقة في معرض الدعوى المنظورة أمامه والحكم وفقاً لتفسيره الذي خلص إليه.
إن هذا القول الذي على ما يبدو سائد في الأوساط القضائية، يحتاج إلى مناقشة وتوضيح للوصول إلى رؤية محددة تحقق العدالة من خلال تطبيق النصوص القانونية تطبيقاً صحيحاً وفقاً لغاية المشرع التي تهدف في أساسها إلى تنظيم كل العلاقات في المجتمع والدولة بما يحقق مصلحة الوطن والمواطن.
ويبقى ميزان العدالة هو المقياس الأهم للحكم الرشيد، ويبقى القضاء هو الجهة المعنية بصورة أساسية بتحقيق العدالة بين الناس، فهو ملاذ الجميع لإنصافهم ومنع الظلم والاستغلال وإقامة التوازن بين جميع أطراف المجتمع.
إن المعيار الأساسي لتحقيق العدالة هو تطبيق القوانين وتنفيذها بالشكل الصحيح ومنع تجاوزها والتعدي عليها.
من هذا المنطلق تأتي أهمية وضع ضوابط وآليات لتفسير النصوص القانونية وفقاً لقصد المشرع وغايته بعيداً عن الارتجال والتسرع، ويؤكد ذلك ما جاء في الاجتهاد القضائي بأنه إذا لم تراع المحكمة المبادئ الأساسية في تفسير النص القانوني تكون قد وقعت في الخطأ المهني الجسيم ويكون قرارها واجب الإبطال.
وإذا عدنا إلى الدراسات والأبحاث التي قام بها فقهاء القانون حول تفسير نصوص القانون، نجد أنواعاً ومذاهب متعددة في ذلك، فهناك التفسير التشريعي والتفسير القضائي والتفسير الفقهي والتفسير الإداري، وهناك المذهب التقليدي والمذهب التاريخي ومذهب البحث العلمي الحر، وأهم ما جاء في هذه الأنواع والمذاهب يمكن تحديده بما يلي:
• إن القواعد القانونية الواضحة المعنى لا تحتاج إلى تفسير ولا يجوز تأويلها إلى مدلول غير مدلولها الواضح.
• التفسير هو بيان الحكم القانوني الأمثل الذي يفهم من النص لتطبيقه على الفرد لتحديد حكم القضاء.
• القاعدة في تفسير نصوص القانون توجب أن تقرأ مجموع هذه النصوص لتتوصل المحكمة إلى حكمة المشرع (قصد المشرع وغايته) من وضع هذه النصوص ولا يجوز اجتزاء نص لاستخلاص حكم منه إذا كان في القانون نص آخر يقيده صراحة أو ضمناً.
• حسب المذهب التقليدي يلتزم المفسر في تفسير القانون بالتقيد وفقاً لإرادة المشرع.
• التفسير القضائي هو التفسير الذي تقوم به المحاكم في معرض فصلها في القضايا المطروحة عليها بغية التوصل إلى قصد المشرع من أجل تطبيق النص أو عدم تطبيقه.
• فقه الأصول يرى بأن التفسير هو تبيين المراد من النص تبييناً صادراً من المشرع نفسه، بحيث يكون قاطعاً للاحتمال والتأويل, وهذا ما جعلني أدعو إلى حصر تفسير النصوص القانونية بالسلطة التشريعية أو الهيئة العامة لمحكمة النقض أو إدارة التشريع لدى وزارة العدل –حسب الحال- وعدم جواز أن يقوم القاضي منفرداً بتفسير نص قانوني بحكم يصدره باسم الشعب العربي في سورية.. وأسأل: هل هناك ما يمنع من أن يقوم القاضي بسؤال إدارة التشريع في وزارة العدل عن تفسير نص قانوني معين؟ أليس من الأفضل أن يصدر التفسير عن مجموع قضاة يتمتعون بالمؤهلات الكافية للقيام بذلك، ليكون التطبيق القضائي للنصوص القانونية موحداً؟
وأما النصوص القانونية التي لا يتبين لمحكمة النقض وإدارة التشريع غاية وقصد المشرع فيها، فلا بد من عرضها على السلطة التشريعية (مجلس الشعب) لتفسيرها.
إن حسن سير العدالة هو الهم الأكبر للناس ويأتي على رأس همومهم المعيشية الأخرى، وهذا ما يوجب التعاون مع السلطة القضائية ممثلة بمجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل لمعالجة الأمور التي تعوق تحقيق العدالة ووضع الآليات الناجعة لحسن سيرها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن