اقتصاد

هل خُدع المركزي.. أم خَدعنا؟!

| علي هاشم 

مذ وصف مندوب اتحاد المستوردين العرب شركات الصرافة بـ(الطبقة الطفيلية غير المنضبطة) في معرض (ثنائه) على قرار المصرف المركزي بنقل قناة تمويل المستوردات إلى المصارف مطلع الشهر الجاري، كان من السهل تلمس معركة قائمة في سوق القطع.
فعلى الرغم من أن كلام المسؤول (المحلّي- العربي) هذا، جاء تأصيلا لسلسلة الاتهامات المديدة التي لطالما طالت شركات الصرافة، إلا أنه – كغيره- لم يتعد كونه كلاما (لا مسؤولا) قبل أن تطفو منعكسات القرار الكارثية على الواقع، وما رافقها من بروز لحلقة المدافعين عنه، وفق التوزع الجديد للرابحين والخاسرين على طرفيه.
بعيداً عما كرسه من إشاعة الارتياح بين التجار، ولدى المصارف التي يمتلكون حصصا وازنة فيها، كشفت وقائع (اليوم التالي) للقرار بأن مجلس النقد والتسليف ارتكب أحد أسوأ قراراته تناسبية مع وقائع الحرب الاقتصادية التي نتعرض لها، فزيادة على تنكره للتبدلات الجوهرية التي فرضتها على قنوات تجارتنا الخارجية واستحالة تمويل مستورداتها عبر المصارف قياسا بالأشواك التي زرعها الحصار في طريقها نحو مراسليها الخارجيين، يشعر المرء بالدهشة حيال السرعة الانتقامية في اتخاذه بحق مؤسسات صرافة وطنية لجأنا إليها لتخطي الحصار، فاستجابت بمقبولية أثمرت استقرارا نسبيا في حركية التجارة الخارجية خلال السنوات الأخيرة، قبل أن تتعرض لموجة مبرمجة من اللّعن، وصولا إلى اتهامها مؤخراً بالسعي لخلق (بلبلة انتقامية في سوق القطع) في استباق واضح لفشل القرار، عبر استنباط عدو ذي ملمس وبكتفين عريضين تكفيان لدفن منعكساته الخطيرة، بينهما؟!
في النتائج، استطاع القرار (المستعجل) التهاوي بالليرة قرابة 10% بعدما افتُضحت الأيام القليلة الماضية استحالة تطبيقه، كما ذهبت منعكساته نحو تعزيز الشح في المواد الأولية بما يتهدد حركية القلة القليلة من إنتاجنا الوطني، وكل ذلك، بالتزامن مع تراجع متوقع في أداء الأسواق التي تُساق نحو (دلتا تضخمية) يتوزع على ضفتيها تضخم نقدي، وآخر سلعي؟!
إلى ما قبل الخميس الماضي، كان (الخطأ) أفضل تفسير ممكن للقرار، فإذاك، لم يكن المصرف المركزي قد انضم لـ«حفلة دفن» منعكساته في ظهر شركات الصرافة، وبقي، على مدى الأسابيع الأربعة التي تلت صدوره، متقنعا بـ(صمت العاقل) ودرايته وقدرته على ضبطها، لكن، وما إن أطلق بياناً صحفيا مكررا تهديداته لشركات الصرافة بعدم تمويل أي من العمليات التجارية، أضحى من الضرورة بمكان إعادة قراءة القرار على أرضية مختلفة تماما.. ووفقها، بات يتوجب النظر إلى تأخر إصدار تعليماته التنفيذية كتصرف واع يهدف في حقيقته لدفع الأسواق نحو أزمة تتيح إعادة رسم السعر التوازني لليرة عبر تقليص قدرة الكتلة النقدية (جيوب المواطنين) وإلزامها بشراء كتلة سلعية أقل.. فوفق المعتاد، وتبعا لفشلنا المستديم في تعظيم كتلتنا السلعية المحلية وضرر استيرادها، عادة ما لجأنا إلى تقليص استهلاكها بدفع التضخم قدما!!
غير ذلك، وما لم يكن المركزي ينفذ سياسة مرسومة لإعادة إنتاج سعر توزاني جديد لليرة.. فلربما بدأ السباحة مبكرا على خارطة الآمال الشخصية المعقدة لإدارته الجديدة، بما دفعها -خطأ- لوهب سيوفها مجانا لمن قد يثخن جراح اقتصادنا الضعيف؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن