القضية الجوهر
| د. اسكندر لوقا
ليس الأهم في الحياة عدد حروف الكلمات التي يعبر بها الإنسان عن موقف أو قضية أو حالة إنسانية وسوى ذلك. أحياناً كلمة واحدة من حرفين تعبر عن كل ما تستطيع الكلمات مجتمعة أن تعبر عنه، الحياة ذاتها كلمة من أربعة حروف تعبر عن الوجود بكل ما فيه من هواء وماء ونار وتراب. كلمة الحياة بكل ما فيها من نبض تتشكل من أربعة حروف، كذلك الـ«حب» الذي يصنع المعجزات في الحياة ما دام الإنسان قادراً على ممارسته بصدق، كذلك الـ«أم» أو الـ«أب» اللذان يصنعان معاً أسرة ومنها تتشكل ذرية لا يعد أفرادها، كذلك ثمة كلمات لا تعد تتشكل من حرفين لا أكثر.
وإذا ما تخطينا الحرفين إلى ثلاثة لما وسعتنا صفحات كي نأتي بها مثلاً على قيمة الحرف بحدّ ذاته لا بعدده فحسب، ولأن الحروف تصنع الكلمات والكلمات تصنع العبارات، فإنها تبقى الركيزة لكل الأقوال التي قيلت أو يمكن أن تقال، إنها الركيزة لبناء الفكر وبمقدار ما تكون فاعلة في هذا الحقل، يكون الفكر فاعلاً في سياق العلاقات بين الأفراد كما بين الدول.
في التاريخ ثمة كلمات لابد أنها قيلت فأشعلت حروباً، وثمة كلمات لابد أنها قيلت فمهدت للسلام، لهذا الاعتبار يمكن القول إن النطق بكلمة مسؤولية تحمل صاحبها وزر الخطيئة أو تنجيه من تبعاتها، وبمقدار ما يقدر المرء قيمتها في صنع الحرب والسلام، تأخذ مكانها في الذاكرة البشرية لجهة الصواب أو الخطأ، لجهة البناء أو الهدم، لجهة الخلود كما الأقوال المأثورة أو الاندثار كما لو أنها لم تكن.
وإذا عاد أحدنا إلى كتب الأقوال المأثورة على سبيل المثال، لابد أن يفاجأ بعمق الكلمات لا المقالات في قراءة تاريخ البشرية، إن أقوالاً لعظماء الفكر العالمي والمعاصر أحياناً تأسر قارئها، ومن هنا أهميتها، وخصوصاً عندما تحفزه على تفهم ما تعنيه، من هنا عظمة الكلمة، بمعانيها ومقاصدها، وليس بعدد حروفها، وسابقاً قيل خير الكلام ما قل ودلّ، وفي لغتنا العربية كلمات، في سياق هذه المعادلة لا تحصى ولا تعدّ إذا ما عاد أحدنا إلى معاجم اللغة ومفرداتها وكلماتها المشكلة من حرفين لا أكثر.
يقول القديس أفتيموس المعروف بالكبير (377- 465): الرجل الجدير برجولته عليه أن يفكر جيداً ويختصر فيما سيقوله.
بهذا المعنى، قد تساعده كلمته على الربح وإلا مني بالخسارة، كذلك هو حال من يتبجح بقوله سوف أفعل كذا وكذا ولا يفعل شيئاً، والأمثلة أكثر من أن تحصى على الجانب المعادي لسورية في الزمن الراهن.