عربي ودولي

أوراق الحكومة العراقية تتساقط تباعاً

بعد استقالة أو إقالة وزير الداخلية محمد سالم الغبان، أقال مجلس النواب العراقي وزير الدفاع خالد العبيدي وصوت أنه غير مقتنع بأجوبة وزير المالية هوشيار زيباري.
ومثلما ساد أجواء مجلس النواب هرج ومرج أثناء أزمة استجواب العبيدي، فإن أجواء استجواب هوشيار زيباري لم تكن أقل هرجاً ومرجاً.
ووفقاً لمراقبين فإن استجواب وزراء آخرين يبدو وارداً أيضاً، وربما يطول وزراء من التحالف الوطني بعد أن طال وزراء من التحالف الكردي واتحاد القوى. وربما يكون إبراهيم الجعفري أو غيره على قوائم الاستجواب القادمة.
وهذا يؤكد، كما يرى مطلعون على الملف العراقي، أن أجواء البرلمان مرآة عاكسة لأجواء الوضع الأمني والسياسي والعسكري، الذي يلف العراق وهو يقف أمام معركة تحرير نينوى، والذي سيفتح أبواب اليوم الأول بعد داعش.
وربما عكست مرآة البرلمان أن هناك أجندتين تتصارعان على المشهد السياسي.
ويقول مطلعون على الوضع: إن إحدى الأجندتين ربما تريد تأجيل تحرير نينوى ريثما تستطيع توظيف تحريرها لصالح أجندتها السياسية في انتخابات المحافظات 2017، أو البرلمان في 2018، وهي تستعد لذلك منذ فترة بقوائم انتخابية يتزعمها زعماء الحشد الشعبي، وهنا يقف المالكي وحلفاؤه.
أما الأخرى فربما تريد تحرير نينوى في 2016، أو في ربيع 2017، وهي تسابق الزمن في سبيل ذلك لحرمان الطرف الآخر من توظيف التحرير لصالحه سياسياً، وللتفرغ ربما لمكافحةِ الفساد والسلاح الخارج عن سلطان الدولة. وهما أمران يخشاهما المالكي وحلفاؤه كونهما سيفتحان باباً واسعاً إلى داخل ملفات عهد ولايته من 2006 إلى 2014.
ويرى خبراء أن قانون العفو، وهو فقرة من فقرات برنامج العبادي الحكومي المعطل منذ آب 2014، بسبب رفض ائتلاف دولة القانون وحلفاؤه له، قد صدر أخيراً.
وهو، وإن صدر بجهد ائتلاف المالكي، بصيغة إعادة محاكمات أكثر منه عفواً عاماً، وبالرغم من أنه لا يلبي تطلعات رموز وجمهور اتحاد القوى الذي يمثل العفو العام أحد أكبر مطالبه، فإنه ما زال يمثل ضربة لائتلاف المالكي، لأنه سيطلق على الأقل سراح الصدريين الذين اعتقلهم المالكي بعد صولة الفرسان في عام 2008.
وإذا تم إطلاق سراح الصدريين فإنهم ربما سيمثلون سكينة خاصرة بالنسبة إلى المالكي في انتخابات محافظات العراق في 2017، وانتخابات برلمان العراق في 2018، فضلاً عن إمكانية انتقال الصراع بين الطرفين إلى الشارع، وهو صراع قد يخرج عن السيطرة.
وقد صرح الصدر مؤخراً منبهاً لذلك فقال: إن «زج الحشد الشعبي في المعركة الانتخابية القادمة سيعسكر الحكومة وسيمثل انتحاراً للعملية السياسية»، وهذا يعني أنه لن يسكت على هذا التوجه. ومن هنا يُفهم أن بوصلة الأحداث تتجه منذ آب 2014 ضد المالكي ومن معه.
لكن تم إفراغ قانون العفو من محتواه ووضعت عقبات كبرى أمامه. إذ يشترط القانون طلباً من المحكوم يقدم إلى محكمة تنظر في شموله من عدمه، ثم يعرض إن تم شموله بالعفو إلى محكمة لتنظر هل كان حكمه صحيحاً.
وكثيرون هنا يرون أن عدد المشمولين بالقانون في ظل كبر سلطة الحشد الشعبي، ستكون نسبتهم في أحسن الأحوال لا تزيد على 25%. وهذا مكسب لائتلاف المالكي، فضلاً عن أنه بإقالة العبيدي، وإقالة زيباري على الطريق، فقد تم توجيه ضربة إلى تشكيلة العبادي الحكومية، وتعطيل أو إفراغ برنامجه الحكومي من محتواه، بعد أن تم تعطيله سنتين كاملتين.
من جانب آخر، فإن العبادي الذي يقود البوصلة ضدهم منذ آب 2014، قد رفض استبدال وزير الداخلية المقال بوزير من بدر لحد الساعة، وربما سيرفض استبدال العبيدي بوزير من اتحاد القوى، لتبقى الوزارتان بيده، وقد تلتحق بهما أخريات تمهيداً لليوم التالي لـ«داعش» المتزامن ربما مع حكومة تكنوقراط، وتحقيق تحت إشراف دولي في ملفات مكافحة الفساد الكبرى في العراق منذ 2003.
وعلى الرغم من أن ائتلاف المالكي أخفق في خطة إقالة الرئاسات الثلاث أكثر من مرة، فإنه بإقالة العبيدي واحتمال التحاق زيباري به، قد يؤثر على معركة نينوى ويؤخر تحريرها، وهذا هدف رئيسي له، كون العبيدي في وزارة الدفاع وزيباري في موقعه المتقدم لأربيل في بغداد. ومن هنا كان الهرج والمرج والعراك بالأيدي في قاعة البرلمان بين التحالف الكردستاني وائتلاف دولة القانون، بعد أن كانوا في يوم ما حلفاء إستراتيجيين.
وإصرار ائتلاف دولة القانون على مشاركة الحشد الشعبي في معركة تحرير نينوى، على الرغم من الخلاف الكبير بين البيشمركة وبين الحشد الشعبي، سيؤثر على علاقة الطرفين في خطة تحرير نينوى المتعثرة بسبب عدم اتفاق الطرفين عليها، وعلى خطة اليوم التالي لـ«داعش» هناك.
ويشير خبراء في الشأن العراقي إلى أن هذا يثبت ربما أن أجواء الصراع تشتد سياسياً، أكثر كلما اقترب العراق من تحرير نينوى. فالعبادي وحلفاؤه يستعجلون يوم التحرير لتنفيذ برنامجهم الحكومي والتفرغ لمكافحة الفساد، مستعينين بذراع دولية خارج سلطة دولة المالكي العميقة في العراق.
والمالكي وحلفاؤه من جانب آخر يعترضون سبيل العبادي وحلفائه بإسقاط أوراق حكومته الواحدة تلو الأخرى، كما أنهم يسارعون في إفراغ برنامجه الحكومي من مضمونه، ليبقى الصراع مفتوحاً ويشتد يوماً بعد يوم.
وانقسام أطراف التحالف الوطني إلى شطرين، وكلاهما يمتلك أجنحة مسلحة، ربما هو الأخطر في هذا الصراع، أكثر من خطورة الصراع بين الحشد الشعبي والبيشمركة.
لكن قدرة التحالف الوطني على نقل صراع أجنحته مع بعضها للخارج أثبتت في كل مرة إمكانيتها في تجنب الاحتمال الأخطر، لكن ليس في كل مرة تسلم الجرة.
روسيا اليوم

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن