إدارة الفوضى لتفكيك مسارات العدوان
| القاهرة – فارس رياض الجيرودي
أضاف حدث العدوان المسلح الذي شنته ميليشيات الحماية الكردية على قوات الجيش العربي السوري في محافظة الحسكة، وما تبع ذلك من الإعلان عن أول عملية رسمية للجيش التركي في الأرض السورية في مدينة جرابلس، تعقيدات أخرى على مشهد الصراع داخل وعلى سورية، وهو المشهد المعقد أصلا، فهل يتناقض الحدثان السابقان مع مسلسل الانتصارات التي يحرزها الجيش العربي السوري، وهل ما حدث يضيف أسبابا جديدة تدعو للقلق بالنسبة للمواطن السوري الذي تنهال عليه سيول من الرسائل الإعلامية عبر الوسائل (المرئية والمسموعة والمقروءة) تهدف لإحباطه؟
لا شك أن الشعور بالقلق أمر صحي أثناء المواجهات المصيرية التي تحدد مستقبل الشعوب والأوطان، لكننا نستطيع أن ندعي وبثقة تستند إلى أسباب موضوعية، أن مشروع إسقاط الدولة السورية وصل إلى طريق مسدود، وذلك بفضل التضحيات الضخمة التي قدمها السوريون على مذبح الحفاظ عليها، وكذلك بسبب الإدارة الإستراتيجية الذكية للمعركة من قبل محور المقاومة وفي قلبه دمشق، والتي تحتفظ في أرشيفها بتجربة خوض صراع لا يقل تعقيدا عن الصراع الذي تخوضه اليوم، وإن كان على رقعة أصغر بكثير، وهي تجربة إدارة الفوضى التي أشعلها كسينجر في لبنان منتصف السبعينيات، وهدف من خلالها إلى تصفية المقاومة الفلسطينية التي تهدد أمن إسرائيل انطلاقا من ذلك البلد، وإلى إشغال سورية وإغراق قواتها في الوحل اللبناني، لكن الإدارة الإستراتيجية البارعة لتلك الفوضى (التي تدخلت فيها قوى إقليمية ودولية متعددة)، أدت إلى تفكيك الألغام الأميركية والإسرائيلية الواحد بعد الآخر، وانتهت الحرب بإخفاق أميركي وإسرائيلي إستراتيجي وعلى مختلف الصعد، حيث ولدت من رحمها المقاومة اللبنانية نموذج المقاومة الأخطر على أمن إسرائيل، كما تحولت الورقة اللبنانية إلى ورقة قوة بيد دمشق بدلاً من أن تكون نقطة ضعف.
لقد اختارت إدارة أوباما الديمقراطية إعادة إنتاج تجربة «الفوضى اللبنانية» على نطاق أوسع هذه المرة، من خلال استخدام تنظيم القاعدة ذي الأجندة الإرهابية العالمية، وإسناده بقوى محلية سورية وأخرى إقليمية ذات أهداف متناقضة، وكان شرط النجاح الوحيد إنجاز مهمة تفكيك الدولة السورية بسرعة، قبل انفجار التناقضات بين أدوات الصراع، ولكن صمود الدولة السورية الذي طال، أدى إلى تحول حرب الديمقراطيين الناعمة إلى سلاح قوي بيد المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي يردد اليوم -ليل نهار- بأن (أوباما وهيلاري كلينتون صنعا داعش)، كما أدت الإدارة الذكية للفوضى المندلعة بسبب الحرب إلى وضع الأميركيين أمام قرار صعب بالمفاضلة بين أداتين (تركيا أو ميليشيات الأسايش)، أو خسارة الطرفين معاً، حيث تعتبر تلك الميليشيات ورقة الضغط الرئيسية التي أتت بأردوغان إلى بطرسبورغ، والضمانة الرئيسية التي ستحول دون مناورات وخدع تركية جديدة، ورأس الحربة الذي سيوجه لصدور الجنود الأتراك في حال قرروا البقاء في جرابلس طويلاً، على حين يعتبر خوف تركيا من قيام كيان كردي يهدد وحدتها، هو ضمان إفشال مخطط الأسايش الهادف إلى وصل المنطقتين اللتين يسيطرون عليهما (في الجزيرة وعفرين) حيث لا يمكن دون وصلهما تحقيق حلم الكيان الكردي.
لذلك نقول إن إستراتيجية تفكيك مسارات العدوان التي أعلن الرئيس الأسد في أحد خطاباته عنها، سارية على قدم وساق، وأن القيم التي يقاتل محور المقاومة من أجلها وهي قيم الحفاظ على أمن ووحدة واستقلال دول المنطقة وحقوقها، هي ما سيرجح كفته في الصراع المندلع في سورية وعلى طول الإقليم.