ثقافة وفن

20 ألف مخطوطة أقدمها مسائل الإمام أحمد ابن حنبل … معرض المخطوطات والكتب النادرة .. خطوة جديدة في معرض الكتاب الدّولي

| عامر فؤاد عامر

يبرز نشاط مكتبة الأسد الوطنيّة في هذه الفترة مع مواكبتها واحتضانها لفاعليّات الدّورة الثامنة والعشرين لمعرض الكتاب الدّولي، وفي القسم الشمالي من الطابق الأرضي من بناء المكتبة، قدّمت إدارة المكتبة وموظفوها جهودهم في عرضٍ يُقام لأوّل مرّة ويُضم لنشاطات معرض الكتاب، وهو معرض المخطوطات والكتب النادرة، إضافة لمعرض التراثيّات الذي سنتحدّث عنه لاحقاً، وحديثنا عن معرض المخطوطات سيكون باستعراض موجوداته، والتحدّث مع مديرة قسم المخطوطات والكتب النادرة «أمينة الحسن»، وأهمية إقامة مثل هذا المعرض بالتزامن مع معرض الكتاب معاً.

المحافظة على المخطوط
تقول مديرة المخطوطات والكتب النادرة: «يأتي المخطوط إلى القسم ثمّ نرسله لقسم التزويد، ويكون قد أخذ رقماً تسلسليّاً في قيود المكتبة، ثم نقوم بتصويره ونحفظه كما هو، ونضع له بطاقة تعريف فهرسيّة، وأهمّ شيء هو الرقم العام الذي يرتبط به، وهو الأهمّ في هذه العمليّة يليه عنوان المخطوط، ثم اسم المؤلّف، ووصف للبداية والنهاية، وعدد الأوراق، وكلّ المعلومات المُتاح تسجيلها. ثمّ نرسله إلى قسم الترميم، وهو بمثابة مشفى لهذه المخطوطات، ولدينا في مكتبة الأسد مرممة ذات خبرة كبيرة، دربت أجيالاً وعلّمت الكثير منهم بين سورية ودول عربيّة وأجنبية، وهي مديرة الترميم «نعمة سرّي» وفي الترميم يتمّ تعقيم المخطوط، وتجليده، وتسويته، وبعد هذه العمليّة يعاد المخطوط إلى المستودع المخصص له، وفي هذا المكان شروط مناخيّة تحافظ على المخطوط ضمن درجة حرارة 18، ودرجة رطوبة 54، وهذه الشروط تحفظ المخطوط لعدد كبير من السنين يجاوز المئة عام. ويوضع المخطوط على رفوف معدنيّة بصورة أفقيّة متراصّة، وهذا يمنع انتقال الحشرات من مكانٍ إلى آخر. أيضاً المستودعات مجهزة بأبوابٍ حديديّةٍ طافئة للحريق، حتى لا يتنقل الحريق من مستودعٍ إلى آخر، في حال نشب هذا الحريق.

أرقام ومعان
تحتوي مكتبة الأسد الوطنيّة اليوم على 5 مستودعات 4 منها للمخطوطات، وواحد للكتب النادرة. وتضم هذه المستودعات نحو 20 ألف مخطوطة، و50 ألف عنوان، فالمخطوطات منها ما يأتي بعنوانٍ واحد، ومنها ما يأتي بعدّة عناوين، وبالتالي كلّ واحد منها يكون على صورة مخطوطٍ مستقل. ولدى السؤال عن المعنى العلمي لكلمتي المخطوط والكتاب النادر تجيبنا الحسن: «المخطوط هو كلّ ما كُتب بخط اليدّ ويعود إلى مئة عام وأكثر، أمّا الكتاب النادر فهو الذي يعود لـ50 سنة وأكثر وهو يأتي إمّا لندرته، أو لاحتوائه على رسوم مميّزة ونادرة، أو لاحتوائه على كلماتٍ وتواقيع تخصّ الرؤساء والسلاطين… إلخ». تضيف «الحسن» في شرحٍ عام حول موجودات المعرض: «أقدم مخطوط في المكتبة هو «مسائل الإمام أحمد ابن حنبل»، ويعود تاريخ سماعه إلى 200هـ، وأيضاً كتاب «التربيع والتدوير» للجاحظ، وهو كتاب علمي، وأيضاً «صفة الجنّة والنار» في الحديث الشريف، وفي الشعر لدينا ديوان «المتنبّي» كما تخيّله الناسخ بصورةٍ مرسومةٍ بالذّهب والألوان، ويقدر عمره من 1000 إلى 1100 عام ميلاديّة».
قمنا بجولة للتعرّف إلى المخطوطات والكتب النادرة المعروضة في القاعة ومنها نذكر مخطوطة من أندر المخطوطات في مكتبة الأسد وهي «الحلية الشريفة في نعت سيدنا محمد صلى اللـه عليه وسلم» التي تحوي وردة حمراء على أوراقها كُتبت صفات الرسول صلى اللـه عليه وسلم، وضمن الأوراق الخضراء كتبت صفات الخلفاء الراشدين، وكلّها مكتوبة بماء الذهب الخالص، وبترجمة للغة التّركيّة، وهي عبارة عن لوحتين فقط، وعمرها 1100 سنة ميلاديّة. وهي نسخة فنيّة صنعها الخطّاط «درويش محمّد المولوي».
مخطوط «الحزب الأعظم والورد الأفخم» وهو مخطوط مميّز بلوحتين، وقد صنفه «الملا علي القارّي»، المعروف بـ«الهروي» وكتبه «محمّد الوصفي» المعروف بـ«كنجي زاده» وهي نسخة خزائنيّة، تحمل لوحة استهلاليّة، مؤطرة بالذهب، مزيّنة بزخارف نباتيّة مذهبة على الهامش، فيها لوحتان نفيستان للمسجد الحرام في مكّة المكرّمة والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنوّرة.
مخطوطات في الطبّ ومنها «الشفاء لأدواء الوباء» من تصنيف «طاشكبري زاده» وفيه لوحات مزيّنة بالذهب واللازورد، ويتحدّث عن شؤون في الطبّ وكثير من الأمراض التي يعاني منها الإنسان، وهي نسخة خزائنيّة نفيسة، عليها قيود تملك أقدمها سنة 1277 هـ.
كتاب في السياسة بعنوان «سلوك الممالك في تدبير الممالك» من تصنيف «ابن الربيع» وهو مكتوب من «الطيّب غلام حسين الخادم» سنة 1284 هـ، بالذهب الخالص ورؤوس الفقرات بالخط العريض وباللون الأزرق. ومصحف شريف من أندر المصاحف مكتوب بالخط الريحاني ومكتوب بالذهب الخالص ويعود إلى المئة السابعة للهجرة.
في الفلسفة يوجد كتاب «التحصيل» وهو كتاب في الفلسفة والمنطق لمؤلفه «بهمنيار بن المرزبان الأذربيجاني» ويقسم إلى أربعة كتب وكلّ كتاب فيه لوحة استهلاليّة مزخرفة بالذهب، حتى بين السطور أيضاً مسطرة بالذهب وزخارف نباتيّة على الحواشي، ولوحة استهلاليّة بالألوان واللازورد والذهب الخالص، ومكتوب بالخط النسخي. ويعدّ من أنفس الكتب.
تصدّر المعرض أيضاً لوحة جغرافيّة تمثّل خريطة الأرض كما تصوّرها «الشريف الإدريسي» وقد ذكرت لنا «أمينة الحسن» أنها جاءت كهديّة لمكتبة الأسد الوطنيّة من منشورات المجمع العلمي العراقي.
مخطوط «نهج البلاغة» لمؤلفه الإمام «علي بن أبي طالب» رضي اللـه عنه، وجمع «الشريف الرضي»، والناسخ « محمود بن أبي المحاسن». وهو نسخة خزائنيّة نفيسة، مقابلة عن النسخة الأصل سنة 708 هـ فيه لوحات هندسيّة ملوّنة ومنها ما هو مكتوب بالذهب، والأوراق مؤطّرة بألوان مختلفة، والعناوين باللون الأحمر، ومغلّف بجلد عليه زخارف بالذهب.
كتاب «علم الفروسيّة برسم المجاهدين» وكتاب «تحفة المجاهدين في العمل بالميادين»، والتغني بالأحصنة والفروسيّة، ولكنه مخطوط مجهول المؤلف، وجاء من القرن الثامن الهجري.
مخطوط آخر هو «زيج ابن الشاطر» وهو من أبرز المخطوطات الفلكيّة، وهو نسخة مصححة، على هامشها بعض الشروحات والتعليقات، مؤطرة باللون الأحمر، وفيه جداول مكتوبة باللونين الأحمر والأسود وفيها كثير من الرموز الفلكيّة، ومكتوب بالخط الفارسي.
مخطوط في الكيمياء «خواص الأحجار ومنافعها» يتحدّث عن الجواهر والدّرر والياقوت والأحجار الكريمة، التي كانت في خزائن الملوك وذخائر الرؤساء، وكتبها «عبد اللـه بن صلاح بن داود». مخطوط «صلوات باللغة السريانيّة» المكتوب في 55 ورقة وهو مجهول التصنيف. وكتاب «قصة يوسف وزليخة» تصنيف «الجامي، عبد الرحمن بن أحمد»، وهي نسخة نفيسة فيه لوحات ملوّنة ومنمنمة وزخارف نباتيّة على الحواشي وبين الأسطر أيضاً، وبعض الصفحات مذهبة، ومكتوب باللغة الفارسيّة في 170 ورقة.
ولوحتان من أجمل اللوحات وأندرها، وهي الآية الكريمة: «وهو على كل شيء قدير» والمكتوبة بظفر اليد بالعربيّة ومترجمة للتركيّة، وتمثل صورة مسجد السلطان سليمان، وهما لوحتان فقط ومؤطرتان بالذهب.
في المعرض أيضاً 8 وريقات منسوجات من رق الغزال، قد تكون من أقدم ما كُتب، جاءت بالخط الكوفي القديم، وهي آيات من سورة «مريم» و«الكهف» بأحرف غير منقطة، وهي من القرن الثاني الهجري. وإهداء من رئيس الجمهوريّة الدكتور «بشار الأسد» وهي مجموعة في العامين 2015 -2016 مكتوبة على جلد العجل، ومخطوطات مميّزة وأيقوناتها بالذهب الخالص، وهي ترانيم مكتوبة باللغة اليونانيّة القديمة.
«رحلة إلى الشرق» «سورية، ومصر، وفلسطين» وهو كتاب من مجلدين من تأليف الهولندي «كرونيل بران» كتبه في العام 1700 م. وهي نسخة نادرة تتضمن 200 لوحة فنية، أشهرها لوحة ضخمة عن سورية جاءت ضمن مجلدين كبيرين.
كتب نادرة نذكر منها أيضاً «كليلة ودمنة»، ومخطوط «طومار» على شكل لفافة ورقيّة مكتوبة بالذهب، والألوان، عن «شجرة نسب عبد القادر الجيلاني» وهي نسخة مكتوبة على شكل طومار رؤوس فقراتها والفواصل بينها بالذهب وباللون الأحمر، ومؤطّرة بإطار ذهبي وبالألوان، وتتضمن أختاماً مؤطّرة ومكتوباً بخطّ النسخ مشكولاً، والطومار مصنوع من الخشب والجلد.
في المعرض أيضاً مخطوطات محققة كمخطوط «الناسخ والمنسوخ» وهو من تصنيف «أبو جعفر أحمد بن محمد النحاس النحوي» المكتوب في العام 376 هـ. وهي أقدم نسخة للكتاب في العالم. وأيضاً كتاب «مفتاح الحساب» لمؤلفه «غياث الدين حمشيد بن مسعود الكاشي» وهو أول كتاب يعرّف الكسور العشريّة.

الهدف
سألنا مديرة القسم «أمينة» في نهاية جولتنا عن الهدف من المعرض فأجابت: «الهدف تعريفي ليأتي الناس، ويتفرجوا على القيمة التاريخيّة التي نمتلكها، وأننا أهل العلم، وبلدنا سورية ستنهض من جديد بأمنها وأمانها، ولن نتخلى عن تراثنا أبداً. وأريد الإشارة إلى أنه في المكتبة يوجد معرض دائم للزوّار، لكن وضمن فعاليّات معرض الكتاب 2016 قررت الإدارة إقامة هذا المعرض وهو أكبر بقليل من المعرض الدائم للمخطوطات».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن