ما أشبه اليوم بالأمس
| د. اسكندر لوقا
أطلق ويطلق بعض المحللين السياسيين على رئيس تركيا الحالي طيب رجب أردوغان صفة السلطان. وفعلا هو لا يعدو كونه سلطانا بتصرفاته ضد كل من وجد فيه خصما يهدد عرشه. وهو، من هذه الناحية، لا يختلف كثيراً عن سلفه القديم السلطان عبد الحميد الثاني «1842 – 1918» الذي خلف أخاه السلطان مراد الخامس بعد أن خلعه عن العرش بحجة «لوثة» في عقله!
ولقد عرف عن السلطان عبد الحميد الثاني الذي دام حكمه من العام 1876 حتى العام 1909، أنه كان معاديا لكل من تخول له نفسه أن يعاديه أو أن يعارضه ولو سراً، ومن هنا كانت دوافعه للبطش بكل من يعترض على حكمه علناً أو سراً. ومن هنا أيضاً كان لجوءه إلى إراقة دماء خصومه الذين كان يعتقد أنهم يهددون بقاءه في السلطة أو حتى على قيد الحياة. ومن هنا أيضاً جاء لقبه الذي عرف به: السلطان الأحمر وذلك لغلوه في القسوة والبطش.
ويبدو أن الجينات في الجسم البشري، تنتقل من شخص إلى آخر حتى بحكم وراثة الحكم. وهذا ما أثبته ويثبته التاريخ يوماً بعد آخر، من خلال ممارسات الرئيس الحالي أردوغان حتى تجاه أعوانه ومساعديه، حيث أقصاهم عن مناصبهم ومسؤولياتهم بالآلاف لا بالمئات سواء بالاعتقال أم الإحالة إلى التقاعد أو النفي وسوى ذلك من إجراءات لجأ إليها، وغدت عنوان مسيرته الراهنة في قيادة بلاده.
وبحكم الجينات التي انتقلت إلى الرئيس أردوغان من أسلافه، لا من سلفه السلطان عبد الحميد الثاني فقط، فإنه يجدد في تاريخ تركيا الحديث، يجدد أحداثاً شاهدتها تركيا في أواخر القرن التاسع عشر وصولاً إلى مطلع القرن العشرين، ولا يزال قسم منها عالقاً في ذاكرة قراء التاريخ المعاصر لدول منطقتنا. ولا أحد يدري كم ستطول مدة حكم السلطان الحالي حتى تجدد تركيا نفسها على نحو ما تجددت في عهد الرئيس كمال أتاتورك بعد آخر سلاطين بني عثمان رشاد الخامس «1844-1918» وهو تاريخ انتهاء حكمه خلفاً للسلطان عبد الحميد الثاني الذي انتهى حكمه في العام 1909 كما أشرت.
في سياق هذا المسار الذي يتبعه الرئيس الحالي لتركيا، لا بد أن تواجه بلاده ما واجهته أيام السلاطين الذين سبقوه إلى سدة الحكم، حتى انتهى بها الأمر إلى زمن «الرجل المريض» في نهايات الحرب العالمية الأولى «1914 – 1918» فكان زمن كف يده عن الأقطار العربية التي سبق أن أخضعها لسلطانه على مدى أربعة قرون متواصلة، إلى أن جاء وقت عبورها إلى مرحلة الدفاع عن استقلالها بعيداً عن أهواء السلاطين كلياً. وحتى اللحظة تأخذ الدول العربية التي خرجت من مربع الاستعمار العثماني، تأخذ حذرها من غدر السلطان طيب رجب أردوغان، لأنه بات في الوقت الراهن طاغياً لا يؤتمن جانبه إلى حين يجيء دوره يوماً فيدفع ثمن ضحاياه على يد طاغ مثله.
يقول الشاعر العربي السوري الكبير بدوي الجبل «1900-1981»:
إني لأشمت بالجبار يصرعه طاغ ويرهقه ذلا وطغيانا
ونحن بانتظار أن نردد يوماً ما قاله شاعرنا الكبير