قضايا وآراء

تركيا بين التقارب مع موسكو وسياسة واشنطن تجاهها

| تحسين الحلبي 

أصبح من الواضح الآن وخصوصاً في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة على حكومة أردوغان أن معظم مظاهر الفوضى الخلاقة التي تبنتها الإدارات الأميركية لتشكيل شرق أوسط جديد بدأت تظهر في الساحة التركية.
ففي الجبهة الداخلية التركية ازداد عدد الجهات التي يشن عليها أردوغان الحملات العسكرية والأمنية والسياسية بدءاً من الأكراد الأتراك وانتهاء بأنصار خصمه (غولن) ومروراً بعدد من الأحزاب اليسارية التركية وخصوصاً (حزب الشعوب الديمقراطي).
وعلى حدوده مع سورية انتقل أردوغان إلى مرحلة تصعيد غير مسبوقة في حربه على أكراد سورية حين اخترق الحدود بقوات تركية لضرب مجموعات كردية سورية تدعمها الولايات المتحدة بينما يقول هو إنه يدعم مجموعات معارضة مسلحة سورية إسلامية تتبناها واشنطن والغرب.
وفي ظل هذه الصراعات والحروب في ساحة الملعب الأميركي وحلفائه من دول مثل تركيا ومن مجموعات تتصارع بينها وبين بعضها وبين تركيا هل هناك شك في عدم انتقال الفوضى الخلاقة إلى كل أشكال الحياة السياسية الداخلية والخارجية في تركيا؟
وألا يعني هذا أن تحالف أردوغان مع واشنطن والغرب هو الذي يولد كل هذه التناقضات وفوضاها الخلاقة لمصلحة أميركية إسرائيلية واضحة؟
إن معظم المحللين الأميركيين والإسرائيليين أكد في أكثر من مناسبة منذ احتلال العراق أن تفتيت وتقسيم العراق إلى كيانات سياسية طائفية إثنية منفصلة سيشكل المدخل الرئيسي لتفتيت وتقسيم جواره السوري والإيراني بل سيشكل قاعدة العمل السياسي والعسكري لتحقيق هذا الهدف الإستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط.
وفي ذلك الوقت فضل (البنتاغون) وزارة الدفاع الأميركية الاعتماد على تركيا لتحقيق هذا الهدف من دون المساس بالسيادة السياسية الراهنة لتركيا.
لكن تطورات الحرب الأميركية على العراق منذ عام 2003 حتى هذه اللحظة حملت معها أوضاعاً غير مسبوقة شملت دولاً كثيرة.
وتحقق خلالها صمود منقطع النظير لسورية في مجابهة وإحباط هذا المخطط وفرض هذا الصمود وانتشار إرهاب داعش تقارباً عراقياً سورياً إيرانياً شكل هو الآخر عاملاً معرقلاً لتقسيم العراق في هذه الظروف ولم يتحول إقليم كردستان العراق إلى دولة وعد بها في مناسبات كثيرة قادة الإقليم وبالمقابل لم يتحقق لأردوغان أي من أهدافه في سورية وأصبحت الفوضى الخلاقة التي تفرض مظاهرها في الساحة التركية هي ثمرة السياسة التي انتهجها بحق سورية.
ومنذ أشهر قليلة ازداد تداول وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية بأنباء وتحليلات تتحدث عن إمكانية تقسيم تركيا نفسها فتحت عنوان: «هل تتجه تركيا نحو التقسيم؟» نشر الموقع الإلكتروني (المونيتور) (al- monitor) تحليلاً بهذا المعنى وقبل ذلك بعام تقريباً كتب (ميخائيل روبين) موظف سابق في (البنتاغون) لشؤون الشرق الأوسط والعراق بشكل خاص مقالاً بالعنوان نفسه في زاوية (سياسة الدفاع الأميركية في موقع (مؤسسة المشروع الأميركي) (AEI) يدافع فيه عن ضرورة تقسيم تركيا وعدم بقائها موحدة على هذا النحو.
ويبدو أن تطورات السياسة التركية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة والحديث عن تقارب روسي تركي إيراني يعكس انفراجاً لسوريا بدأ يقلق واشنطن التي قد تلجأ إلى سياسة حرمان موسكو وطهران من نتائج هذا التقارب بانتهاج خطة تهدد تركيا بالتقسيم وخصوصاً بعد أن تحول الموضوع الكردي في تركيا إلى أولوية في جدول عمل أردوغان بطريقة تختلف عن مرحلة ما قبل الانقلاب الفاشل.
وما الذي يمنع واشنطن من أن يكون لها خطط احتياطية لمثل هذه الأهداف ووفق قاعدة جديدة ترى فيها أنه لكي تقسم واشنطن العراق وسورية معاً يجب عليها تقسيم تركيا من أي مدخل كردي أو غيره، ولكي تعمل على تقسيم إيران يجب عليها تقسيم تركيا أولاً؟ وبهذه الطريقة ستظل واشنطن تتمسك بهدفها الإستراتيجي وهو تحويل إسرائيل إلى أكبر قوة مستقرة إقليمية تخدم إستراتيجيتها في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن